سورة الحشربسم اللّه الرحمن الرحيم ٢قوله تعالى: { فاعتبروا يا أولي الأبصار } الآية: ٢ قال أبو علي الجوزجاني: المعتبر يعتبر إذا رأى من الدنيا شيئا ليس له إليه حاجة فكأنه جاء من الآخرة وهو يريد العود إليها يرى الدنيا للفناء وينظر العاملين فيها للموت وعمارتها للخراب وأولو الأبصار هم أهل البصائر في أمر اللّه وطاعته رأوا الدنيا بعين الفناء والآخرة بعين البقاء فهم المعتبرون لا غير. وقال يحيى بن معاذ: من لم يعتبر بالمعاينة لم ينتفع بالموعظة من اعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة قال اللّه: { فاعتبروا يا أولي الأبصار }. ٧قوله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الآية: ٧ قال ابن عطاء: لما عظم أمانته في نفسه ولاه الحق وضع الشرع فجعل أمره أمره ونهيه نهيه. أخبرنا علي بن أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا المنكدري قال: حدثنا أحمد ابن مهدي وإبراهيم بن الحسين قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا بقية عن عيسى ابن أبي عيسى عن موسى بن أبي حبيب انه سمع الحكم بن عمير يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى اللّه عليه وسلم: ' إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه يسير ميسر على من يتبعه وإن حديثي صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم فمن استسمك بحديثي وفهمه وحفظه جامع القرآن ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة أمرت أمتي أن يأخذوا بقولي ويطيعوا أمري ويتبعوا سنتي فمن رضي بقولي فقد رضى بالقرآن ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال اللّه تعالى: { ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }. قوله تعالى: { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم.. } الآية. سمعت سعيد بن أحمد يقول: سئل أبو الحسين البوشيخي عن الفتوة؟ فقال: الفتوة عندي ما وصف اللّه تعالى به الأنصار من قوله: { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم.. } الآية. وفي قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' المؤمن الذي يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه '. قال القاسم: من عمر داره للفتوة والفتيان كان محمودا ومن عمرها لنفسه والتزين به كان مذموما قال اللّه تعالى: { والذين تبوءوا الدار والإيمان.. } الآية. ٨قوله تعالى: { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } الآية: ٨ قال ابن عطاء: هم الذين تركوا كل علاقة وسبب ولم يلتفتوا من الكون وفرغوا أنفسهم لعبادة ربهم واتباع رسوله صلى اللّه عليه وسلم وشغلهم فرحهم بما وفق لهم من معرفة ربهم وطاعة رسوله عن عن حب الأهل والولد والديار والأموال وفقوا له من أولئك الذين أثنى اللّه عليهم وجعلهم أئمة العارفين ومحل أدب المريدين. سمعت سعيد بن أحمد يقول: سئل أبو الحسين البوشيخي عن التصوف ما هو؟ فقال: فراغ القلب وخلو اليدين وقلة المبالاة بالاشكال أما فراغ القلب ففي قوله: { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم.. } الآية: ٩. وأما خلو اليدين فقوله: { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } الآية. وأما قلة المبالاة بالأشغال فقوله: { ولا يخافون لومة لائم }. وقال الخراز: من عطف بقلبه على شيء سوى ربه فليس بفقير لأن اللّه يقول: { للفقراء المهاجرين } الآية. وسئل الحسين: من الفقراء؟ فقال: الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان إرادته فيهم. ٩قوله تعالى: { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } الآية: ٩ قال أبن عطاء: يؤثرون به جودا وكرما ولو كان بهم خصاصة يعني جوعا. وقال أبو حفص: الإيثار هو أن تقدم حظوظ الاخوان على حظك في أمر دنياك وآخرتك. وقال بعضهم: الإيثار لا يكون عن اختيار إنما الإيثار أن تقدم حقوق الخلق اجمع على حقك ولا تميز في ذلك بين أخ وصاحب وذي معرفة. وقال يوسف بن الحسين: إنما الإيثار من رأى لنفسه ملكا لا يصح له الإيثار لأنه يرى نفسه أحق بالشيء لرؤية ملكه إنما الإيثار لمن يرى الأشياء للحق فمن وصل إليه فهو أحق به وإذا وصل الشيء من ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد غصب أو يد أمانة يوصلها إلى صاحبها أو يؤديها إليه. قال بعضهم: الإيثار أن تؤثر بحظ آخرتك على إخوانك فإن الدنيا أقل خطرا من أن يكون لإيثارها محل أو ذكر. قوله تعالى: { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } الآية: ٢ قال سهل: يبطلون أعمالهم باتباع البدع وهجرانهم طريقة الاقتداء أو السنة. وأيدي المؤمنين أي في مجانبة المؤمنين ومشاهدتهم ومجالستهم فيحرمون بركاتهم. قال بعضهم: { يخربون بيوتهم بأيديهم } أي قلوبهم بجهلهم وغفلتهم { فاعتبروا يا أولي الأبصار } من فعل ذلك بهم على بصيرة أن الأمر كله إليه { ليس لك من الأمر شيء }. قوله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه } الآية: ٧ قال الجنيد: العبد مبتلى بالأمر والنهي وللّه عز وجل في سره اسرار بالليل والنهار فكلما خطر خاطر عرضه على الكتاب والسنة فما امراه به ائتمر وما نهياه عنه انتهى فإن عجز استعان واستغاث. إن عجز عن الكتاب استعان بالسنة وإن عجز عن السنة استعان بالصحابة وإن عجز عن الصحابة استعان بالسلف الصالحين وإن عجز عن ذلك استعان بالرجوع إلى أهل زمانه فيعرض ذلك عليهم لأن اللّه يقول: { ما آتاكم الرسول فخذوه } الآية. سمعت محمد بن عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: سمعت سهل بن عبد اللّه يقول: أصول مذهبنا ثلاثة أشياء: أكل الحلال والاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم في الأفعال والأخلاق وإخلاص النية في جميع الأعمال. وسئل سهل عن شرائع الإسلام فقال: { وما آتاكم الرسول فخذوه } الآية. قوله تعالى: { ومن يوق شح نفسه } الآية: ٩ قال سهل: حرص نفسه على شيء هو غير اللّه والذكر له فأولئك هم المفلحون الباقون مع اللّه أحياء بحياته. سئل الواسطي: متى ينجو العبد من شح نفسه؟ قال: لو أتى بإخلاص الكليم وأدب الخليل وخلق الحبيب ثم كان لسره على سره أثرا ولشيء على قلبه خطرا كان محروما في وقته ومرتبطا بحظه. قال محمد بن الفضل: ما شح أحد إلا ظلم غيره وطلب ما ليس له. وقال بعضهم: الشح متابعة الطبع والإيثار مخالفة النفس. ١٣قوله تعالى: { لأنتم أشد رهبة في صدورهم من اللّه ذلك بأنهم قوم لا يفقهون } الآية: ١٣ إن في ترك الدنيا مشاهدة الآخرة وفي مشاهدة الآخرة رفض الدنيا كما أن في مشاهدة الفاسد وحضوره زوال عزة النفس وفي مطالعة صفات اللّه سقوط صفات العبد وملاحظة الحق لا يقارنها حب الدنيا ولا عزة النفس ولا رؤية الأفعال ولا رؤية الصفات فما دامت للشواهد والأعراض على سره أثر لم يفقه الا ترى اللّه يقول: { لأنتم أشد رهبة في صدورهم من اللّه }. والحق إذا تجلى لقلب عبد ذهبت عنه اخطار الأكوان وأهلها. ١٤قوله تعالى: { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } الآية: ١٤ قال سهل: أهل الحق مجتمعين أبدا موافقين وإن تفرقوا بالأبدان وتباينوا بالظواهر وأهل الباطل متفرقين أبدا وإن اجتمعوا بالأبدان وتوافقوا بالظواهر لأن اللّه عز وجل يقول: { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى }. قال الصادق: اتقوا مخالفتي ثم اتقوا مفارقتي. وقال بعضهم: قلوب أهل الحق قلوب مجتمعة لموافقة الحقائق وقلوب أهل الباطل متفرقة لمخالفة الباطل. ١٨قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه ولتنظر نفس ما قدمت لغد } الآية: ١٨ قال أبو عثمان: من نظر لغده أحسن مراعاة يومه ومن غفل عن غده أهمل أوقاته وساعاته أولئك هم الخاسرون. قال بعضهم: أهل التقوى شغلهم بغدهم وبخاتمتهم ونهايتهم وأهل الحقائق شغلهم بأسهم وسابقتهم وبدايتهم وما جرى عليهم في الأزل وكل منهم على وتيرة صحيحة وطريقة مستقيمة والمغبون من اغفل هاتين الدرجتين. ١٩قوله تعالى: { ولا تكونوا كالذين نسوا اللّه } الآية: ١٩ قال سهل: نسوا اللّه عند الذنوب فأنساهم اللّه الاعتذار وطلب التوبة. قال الواسطي: هو من فرغ من شاهده إلى شاهده ولم يفرغ إلى ربه فيما أمره به ودعاه إليه. قال ابن عطاء في هذه الآية: من ابلاه اللّه بنسيان نفسه ومشاهدة ذلته وقلبه كان ذلك بدأ عقوبة من اللّه إياه على إعراضه عن اللّه واغماضه عن صنعه ثم يزداد على اللّه جزاؤه لقلة مشاهدته فمن كان كذلك لا ترجى له السلامة لفقدان آثار السلامة. قال بعض الحكماء: رأينا أنفسنا متبعة لما تهوى فيجب علينا الوقوف عندها حتى تنظر ما هذا الذي يقطعنا عن اللّه ونحن بقربه فلم نجد لأنفسنا آفة إلا النسيان ولم نجد للنسيان آفة إلا سوء الرعاية ولم نجد لسوء الرعاية آفة إلا قلة التفكير فيما وعد اللّه وأنذر ولم نجد لقلة التفكر آفة إلا اعتقاد حب الدنيا ثم وجدنا اعتقاد حب الدنيا ميراث إيثار النفس على ربها واختيار محبتها على محبته وهواها على رضاه وذلك ميراث الغفلة على اللّه ومن نسي اللّه أداه موارث نسيانه إلى نسيان نفسه. قال اللّه: { ولا تكونوا كالذين نسوا اللّه } الآية. فمن أراد بإذن اللّه تنبيه نفسه عن رقدة الغفلة والنسيان فليشغل نفسه بطلب ما أراد اللّه منها دون ما أرادت نفسه منها وليتخذ عقله دليلا على هوى نفسه فهنالك يصفو ذكره فإذا صفى ذكره آثره على نفسه فإذا آثر رضاه على هدى نفسه زال حب الدنيا عن قلبه لأن حب الدنيا إنما احجبها عن قلبه انحلت عقدتها. ٢١قوله تعالى: { لون أنزلنا هذا القرآن على جبل } الآية: ٢١ قال ابن عطاء: أشار إلى فضله وإلى أوليائه وأهل معرفته أن شيئا من الأشياء لا يقول بصفاته ولا يبقى مع تجليه إلا من قواه اللّه على ذلك وهو قلوب العارفين فقاموا له به لا بغيره فهو القائم بهم لا هم. ٢٢قوله تعالى: { عالم الغيب والشهادة } الآية: ٢٢ قال سهل: الغيب السر والشهادة العلانية. وقال أيضا: عالم بالدنيا والآخرة. وسئل بعضهم عن ذات اللّه؟ فقال: إن سألت عن قوله فقوله: { إنما قولنا لشيء إذا أردناه.. } الآية. وإن سألت عن فعله: { كل يوم هو في شأن } وإن سألت عن وصفه فقوله: { هو اللّه أحد } الآية. وإن سألت عن اسمه فقوله. { هو الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة.. } إلى آخره. وإن سألت عن ذاته: { فليس كمثله شيء وهو السميع البصير }. ٢٣قوله تعالى: { الملك القدوس.. } الآية: ٢٣ قال ابن عطاء: القدوس المنزه عما لا يليق به عن الأضداد والأنداد. وقال بعضهم: المؤمن الذي لا يخاف ظلمة والمهيمن الحافظ لعباده وإن لم يحفظوا أوامره والعزيز الذي عجز طالبه عن إدراكه ولو أدركه زل والجبار الذي جبر العباد على ما أراد ويصرفهم على ما يريد. وقال بعضهم: المؤمن: الموفى بما وعد لأوليائه. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء في قوله: { المؤمن } قال: المصدق لمن اطاعه. وأيضا فإنه أمن المؤمنين عن خوف ما سواه حتى لم يخافوا غيره. قال القاسم: الباري الذي لا يتلون بتلوين العباد ولا ينتقل من صفة الرضا إلى صفة الغضب بتنقيل الكسوة. قال بعضهم: أسماء اللّه من حيث الإدراك اسم ومن حيث الحق حقيقة. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم المصري يقول: قال ابن عطاء: الباري المبدع للأشياء من غير شيء والمصور المتمم تصويره على غاية الكمال. وقال ابن عطاء: المهيمن هو الأمين على الكتب الماضية والعزيز الذي لا يجري عليه سلطان غيره ولا يمنع من تنفيذ مراده. وأيضا العزيز الذي لا نظير له في الأشياء ولا تتناوله الأيدي. وقال أيضا: المهيمن المطلع على سرائر العباد فلا تخفى عليه خافية والسلام هو الذي سلم من النقص والآفات والسلام هو الذي منه السلامة للخلق من الظلم والحيف والمؤمن من أمن الخلق ظلمه والمصدق لمن اطاعه والمهيمن العالي على الكل. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت الملطي يحكي عن الرضى عن أبيه عن الصادق في قوله: { القدوس }. قال الطاهر عن كل عيب وظهر من شاء من العيوب والمهيمن الذي ليس كمثله شيء وسمى القرآن مهيمنا لأنه لا يشبه غيره من الكلام. ذكر ما قيل في سورة الممتحنة |
﴿ ٠ ﴾