سورة الطلاق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { وتلك حدود اللّه ومن يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه } الآية: ١

سمعت جدي إسماعيل بن عبد اللّه يقول: التهاون بالأمر من قلة المعرفة بالأمر.

وقال بعضهم: حد اللّه لك حدودا في كل شيء فالزم حدوده وهو ما أظهره على

لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم من آداب السنن فمن لزمها هدى إلى المعرفة باللّه ومن

تخطى شيئا من

السنن بحال نزع من قلبه أنوار الإيمان وحرم مقام العارفين.

٢

قوله تعالى: { ذلكم يوعظ به من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر } الآية: ٢

قال سهل: لا يقبل الموعظة إلا مؤمن والموعظة هي ما خرج من قلب سليم لا يكون

فيه غل ولا حسد ولا حقد ولا يكون فيه حظ لنفسه.

وقال محمد بن حامد: لا تصح الموعظة إلا للمؤمنين ولا يتعظ بالموعظة الا التائبون.

قوله تعالى: { ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا } الآية: ٢

قال سهل: أي التبري من الحول والقوة والأسباب وكل من دونه والرجوع إليه يجعل

له مخرجا مما كلفه بالمعونة عليه والعصمة من الطوارق فيها.

وقال: لا يصح التوكل إلا للمتقين ولا يتم التقوى إلا بالتوكل كذلك قرن اللّه بينهما

فقال: { ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا }.

قال ابن عطاء: من فارق من يشغله عن اللّه اقبل اللّه عليه وشغل جوارحه بخدمته وآنس

قلبه بالتوكل وزين سره بالتقوى وأيد روحه بالقين.

قال حمدون: ما يحتاج إليه ابن آدم الضعيف فإنما ينساق إليه باليسير وإنما زيادة

حركاته للفضول قال اللّه تعالى: { ويرزقه من حيث لا يحتسب }.

وقال أيضا: إن السلف وجدوا بركات أعمالهم وصفاء أسرارهم في ملازمة التقوى

لا غير.

وقال ذو النون: التقوى في أشياء كثيرة فمن تلبس بالتقوى وكملت له المعرفة لا

يحوج إلى أن يتعب في طلب الرزق. قال اللّه تعالى: { ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا }.

قال بعضهم: من تحقق في التقوى هون اللّه على قلبه الإعراض عن الدنيا ويسر له

أمره في الإقبال عليه والتزيين بخدمته وجعله إماما لخلقه يقتدي به أهل الإرادة فيحملهم

على أوضح السنن وأوضح المناهج وهو الإعراض عن الدنيا والإقبال على اللّه عز وجل

وذلك منزلة المتقين.

وقال بعضهم: التقوى هو أخذ الرزق من الرزاق وقطع الأسباب عن القلب بالاعتماد

على المسبب.

وقال بشر بن الحارث: التقوى هو طريق الجادة إلى اللّه من ركب ذلك الطريق أوصله

إلى ربه ومن لم يركب طريق التقوى فقد أخطأ في طلب النجاة والوصول إلى اللّه عز

وجل.

٣

قوله تعالى: { ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه } الآية: ٣

قال سهل: يكل أموره إلى ربه فإن اللّه يكفيه الدارين اجمع.

قال محمد بن الفضل: إذا وقع العبد في باب التمني شغل قلبه عن المعرفة والشكر

وإذا ترك العبد نفسه وتدبيره ورضي بتدبير اللّه فيه وتوكل عليه فاللّه حسيبه ومن ترك

مشيئته فمشيئة اللّه له عوض عن مشيئته.

وسئل حمدون عن التوكل؟ فقال: تلك درجة لم ابلغها بعد وكيف يتكلم في التوكل

من لم تصح له حال الإيمان.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت الجريري يقول: سألت الجنيد - رحمة اللّه

عليه - عن المتوكلين؟ فقال: هم على أربع درجات من الأسباب وهي ثلاثة سبب

ومسبب ومتسبب فالذي يقع له السكون على ما يجري من الأسباب من غير مؤنة هو

أتمهم.

وقال أبو عثمان رحمة اللّه عليه: قد يكون الرجل متوكلا من الأسباب إذا انقطعت

الأسباب عن قلبه وإذا ترك الأسباب بنفسه ولم ينقطع بقلبه لا يكون متوكلا لأن التوكل

أصله في انفراد القلب عن أسباب المعيشة.

وقال شاه: التوكل سكون القلب في الموجود والمفقود.

وقال: التوكل قطع القلب عن كل علاقة والتعلق باللّه في كل الأحوال.

وقال بعضهم: من يتوكل على اللّه حقيقة التوكل هو انتظار الفرج من محن اللّه

والمنتظر هو مقيم على مخالفته فنفس التوكل عقوبة وكذا الصبر.

وقال القاسم: التوكل الرضا بما يجري من القضاء وزيادة الإيمان كزيادة الهلاك.

وقال الحسين: التوكل على الحقيقة لا تأكل شيئا وفي البلد أحق منه ومن رأى

السبب فهو المدعي.

وقال سئل يحيى بن معاذ متى يكون الرجل متوكلا؟ قال: إذا رضي اللّه وكيلا وإذا

وثق بوعد اللّه في رزقه ولم يتبرع باكتساب الآثام من جنب رزق مضمون.

قال الحسين: التوكل هو الاستكفاء باللّه والاعتماد على اللّه ومن يتوكل على اللّه

كفاه وصدق التوكل أن لا يخاف من غير اللّه وحقيقة التوكل الاستئناس باللّه.

قال سهل: التوكل معرفة معطى ارزاق المخلوقين.

قال: وجاء رجل إلى الشبلي يشكو إليه كثرة العيال فقال: ارجع إلى بيتك فمن تعلم

أن رزقه ليس على اللّه فاطرده.

وقال الدقاق: بالتوكل على اللّه قاموا مع اللّه وبالتوكل فتحت لهم أحكام اللّه

وبالتوكل تركوا أمورهم على اللّه ونفس التوكل الكفاية.

وقال عمرو المكي: التوكل حسن الاعتماد على اللّه.

وقال أبو عبد اللّه بن خفيف بالاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة في قضائه.

وقال بعضهم: إستياد الوجد على الإشارة وحذف التشرف إلى الإرفاق.

وقال عطاء: قد شرف اللّه التوكل وعظم مقامه ولو لم يكن من شرف التوكل إلا

قوله تعالى: { ومن يتوكل اللّه فهو حسبه } لكان في هذا القول من اللّه عز للمتوكلين.

سمعت محمد بن شاذان يقول: سمعت محمد بن علي الكتابي يقول: التوكل في الأصل اتباع العلم وفي الحقيقة استعمال اليقين.

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الدراج يقول: التوكل مقرون مع الإيمان فكل إنسان توكله على قدر إيمانه فمن أراد التوكل فعليه بحفظ إيمانه مع إقامة النفس على أحكامه ويستعمل الصبر ويستعين باللّه.

وقال ذو النون: خص اللّه أهل ولايته بالانقطاع إليه ليعرفهم فضله وإحسانه فانصرفت هموم الدنيا عن قلوبهم وعظم شغل الآخرة في صدورهم لما سكنها من هيبة ربهم فألزموا قلوبهم من العبودية وطرحوا أنفسهم في شرائح التوكل.

١٠

قوله تعالى: { فاتقوا اللّه يا أولي الألباب } الآية: ١٠

قال شاه: التقوى التورع عن المباحات خوفا من الوقوع في المحارم.

وقال أيضا: أولو الألباب هم الواقفون مع اللّه على الحدود لا يتجاوزونها ولا يقصرون عنها.

وقال الفضيل بن عياض: لا يكون الرجل من المتقين حتى يأمنه عدوه.

١٢

قوله تعالى: { أحاط بكل شيء علما } الآية: ١٢

قال ابن عطاء: أحاط علمه بالأشياء لأنه أوجدها ولم يحط أحد به علما لامتناع الأزل أن يلحقه شيء من الحوادث.

ذكر ما قيل في سورة التحريم

﴿ ٠