سورة نبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { ن والقلم وما يسطرون } الآية: ١ قال سهل: النون اسم من أسماء اللّه وذلك أنه إذا جمعت أوائل هذه الثلاث سور { الر } و { حم } و { ن } يكون الرحمن. وروى عن ابن عباس أنه قال: النون الدواة التي كتب بها الذكر وما يسطرون وما كتب الذكر في اللوح المحفوظ من الشقاوة والسعادة. وقيل: وما يسطرون من الخط الذي تولى اللّه تعليمه لعباده. قال جعفر: نون الأزلية الذي اخترع منه الأنوار كلها فجعل ذلك لمحمد صلى اللّه عليه وسلم فلذلك قيل له: { وإنك لعلى خلق عظيم } أي على النور الذي خصصت به في الأزل. وقال بعضهم: النون نون القدرة وقلم القضاء وما يسطرون الملائكة الكرام الكاتبون. ٣قوله تعالى: { وإن لك لأجرا غير ممنون } الآية: ٣ قال سهل: غير محدود ولما لم يطالع الاعراض ولم يعتمد على شيء سوانا كان لك اجر غير ممنون وهو ما شاهدت من المشاهد والمواقف. سمعت أبا الفتح القواس الزاهد يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: قال الجنيد: { وإن لك لأجرا غير ممنون }. قال: غير مستكثر ذلك لك بل هو لك مقيم دائم. ٤قوله تعالى: { وإنك لعلى خلق عظيم } الآية: ٤ قال سهل: تأدبت بأدب القرآن ولم تتجاوز حدوده وهو قوله: { إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان } الآية. قال الواسطي: إنه جاد بالكونين عوضا عن الحق. وقال أيضا: الخلق العظيم أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بربه في ليلة المسرى. قال الحسين: لأنك تنظر إلى الأشياء بشاهد الحق ولا تنظر إلى الأشياء بشاهدك فإن من نظر إلى الأشياء بشاهده هلك. وقال الواسطي: لوجدانك حلاوة المطالعة على سرك. وقال أيضا: إنك قبلت فنون اسديت إليك من نعمي أحسن مما قبله غيرك من الأنبياء والرسل لأني جبلتك على خلق عظيم. وقال الحسين: معناه أنه لم يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعة الحق. وقال: صغرت الأكوان في عينك بعد مشاهدة مكنونها. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في قوله: { وإنك لعلى خلق عظيم } قال: جدت بالدنيا والآخرة عوضا منا. وقال الجنيد: احتمل في اللّه البلاء وقال: ' اللّهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون '. وقال القاسم: ليس للكون عليه أثر. وقال الواسطي: اظهر اللّه قدرته في عيسى ونفاذه في آصف وسخطه في عصى موسى واظهر أخلاقه ونعوته في محمد صلى اللّه عليه وسلم بقوله: { وإنك لعلى خلق عظيم } فإذا فتشت هؤلاء في الحقيقة لا تجد إلا نعوتا قائمة بنعوت قائمة بنعوت للمنعوت لا لغيره. وقال فارس: من عظم خلقه كان يتبتل إليه تبتيلا فغيبه بعد الحضور. وقال يحيى بن معاذ: في علو الأخلاق كنوز الأرزاق. قال أبو سعيد الخراز في ذلك: ليست لك همة إلا اللّه. قال الواسطي: كيف لا يكون كذلك من يحلى اللّه سره بأنوار أخلاقه وحق لمن وقعت له المباشرة الثالثة أن يكون مفضلا على الخلق. قال جعفر: هو صرف الإيمان وحقيقة التوحيد. وقال الواسطي: الخلق لا يحتمله العام والخلق لمن تخلق لأن اللّه أوحى إلى داود صلى اللّه عليه وسلم أن تخلق بأخلاقي فإني أنا الصبور فمن اوتى الخلق فقد أوتي أعظم المقامات لأن المقامات ارتباط بالعامة والخلق ارتباط بالصفات والنعوت. قال محمد بن علي الترمذي: أي خلق أعظم من خلق خص به نبيه وحبيبه وهو ترك مشيئته ونبذها وراء ظهره. وقال الجنيد: وخلق اجمع في أربعة أشياء في السخاوة والأنفة والنصيحة والشفقة سمعت أبا بكر محمد بن عبد اللّه بن شاذان يقول: سمعت ابن عطاء يقول في قوله: { وإنك لعلى خلق عظيم } الخلق العظيم أن لا يكون له اختيار ويكون تحت الحكم والصفح والعفو مع فناء النفس وفناء المألوفات. قال أبو سعيد القرشي: العظيم هو اللّه ومن أخلاقه الجود والكرم والصفح والعفو والإحسان الا ترى إلى ما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ' إن للّه مائة وبضعة عشر خلقا من أتى بواحد منها دخل الجنة ' فتخلق بأخلاق سيده فوجب الثناء عليه بقوله: { وإنك لعلى خلق عظيم }. وقال أبو سعيد: عظمه حيث زينه به. وقال الحسين: عظم خلقك حيث لم ترض بالأخلاق وسرت ولم تسكن إلى النعوت حتى وصلت إلى الذات ثم فنيت عن الذات بالذات حتى وصلت إلى حقيقة الذات، ومن فنى بالفناء عن الفناء كان القائم عنه غيره بالبقاء. وقال الحسين: كيف لا يكون سره عظيما وقد حلى اللّه سره بأنوار أخلاقه وحق له لمن وفقت له المباشرة الثالثة أن يكون مفضلا في خلقه. قال الواسطي: لما بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم بالحجاز حجبه بها عن اللذات والشهوات وألقاه في الغربة والجفوة فلما صفاه بذلك عن دنس الأخلاق قال: { وإنك لعلى خلق عظيم }. ٣٤قوله تعالى: { إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم } الآية: ٣٤ قال جعفر: من اتقى الذنوب كان مأواه الجنة ومن اتقى اللّه كشف عنه الغطاء والحجب حتى يشاهد الحق في جميع الأحوال. ٤٢قوله تعالى: { يوم يكشف عن ساق } الآية: ٤٢ قال جعفر: عن الأهوال والشدائد والصراط والحساب وعبدي المؤمن الذي سبقت له عنايتي ورحمتي سالم من تلك الأهوال والشدائد ولا يكون له علم بشدائدها وأهوالها وكل ما سبقت له من اللّه تعالى العناية يسجد بين يديه مفتقرا ومن سبق له من اللّه العدل لا يقدر أن يسجد وظهره كالحجر لا يلين بسجود رب العالمين. وقال أيضا: إذا التقى الولي مع الولي انكشف عنه الشدائد. ٤٤قوله تعالى: { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } الآية: ٤٤ قال القتاد: لم يعاقبهم في وقت مخالفتهم فيستيقظوا بل امهلناهم ومددناهم في النعم حتى زال عنهم خاطر التذكير وكانوا منعمين في الظاهر مستدرجين في الحقيقة. قال بعضهم: إذا استقل النعم واشتكى فهو مستدرج. قال الواسطي: لو كشف للخلق لصاروا حيارى ولكن بدأهم بالتلبيس والستر ثم يكشف ليعرفوا قدر ما هم عليه وأما الغاية فهو الاستدراج. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء: كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وننسيهم الاستغفار. وقال أبو الحسن بن هند: المستدرج سكران والسكران لا يصل إليه ألم فجع المصيبة إلا بعد إفاقة فإذا أفاقوا من سكرتهم خلص إلى قلوبهم ذلك فانزعجوا ولم يطمئنوا والاستدراج هو السكون إلى اللذات والتنعم بالنعمة ونسيان ما تحت النعم من المحن والاعتداد بحكم اللّه عز وجل. قال الخراز: الاستدراج فقدان اليقين لأن باليقين تستبين فوائد باطنه فإذا فقد اليقين فقد فوائد باطنه واشتغل بظاهره واستكثر من نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنة. ٤٨قوله تعالى: { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت } الآية: ٤٨ قال أبو بكر الوراق: لا يستقيم الزهد إلا بالصبر لأن الصبر يجنبك آفات الدنيا ويحملك على الروح والراحة ويزيد في عقلك ويشفيك من كل داء ويخلصك من كل مهم والصبر يفيدك كل يوم من أدويته دواء يدلك به على رشدك والصبر لا يسقيك مرارة إلا مشوبة بحلاوة والصبر يقهر أعداءك ويغلبهم وهو النفس والهوى والشيطان والصبر سائق إليك جميع مصالحك ومحاسنك عاجلا وآجلا. قال ابن عطاء: لم يكن هذا نقصا لصاحب الحوت ولكنه طلب استزادة من النبي صلى اللّه عليه وسلم. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول: في كتاب صبر الأنبياء قال اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت } يستكشف بندائه ما مسه من ألم بلائه ويستغيث مع وجود العزم على القيام بواجب الصبر خوف دخول العجز وإشفاقا من ملامة العلم عند الإصغاء إلى الإبقاء على النفس التي لولا تدارك المنعم بالحفظ عند أول بادئ من البلاء لدخل العجز بسلطان قهره عليها لكن لوح له تعريض الخطاب: ٤٩{ لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم } الآية: ٤٩ ذكر ما قيل في سورة الحاقة |
﴿ ٠ ﴾