سورة الانسانبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } الآية: ١ قال جعفر: هل أتى عليك يا إنسان وقت لم يكن اللّه ذاكرا لك فيه. قال أبو سعيد القرشي: سمى الإنسان إنسانا لأنه نسي العهود والمواثيق. وقال بعضهم: سمى الإنسان إنسانا لأن عوامهم يستأنس بعضهم ببعض وخواصهم يستأنسون بكلام اللّه وعبادته والأولياء يستأنسون بعجائب القدرة والأكابر يستأنسون به دون غيره. ٢قوله تعالى: { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه } الآية: ٢ سمعت أبا عثمان المغربي يقول: سئلت وأنا بمكة عن قول اللّه { أمشاج نبتليه } فقلت: ابتلاء اللّه بتسعة أمشاج ثلاث مفتنات وثلاث كافرات وثلاث مؤمنات فأما الثلاث المفتنات فسمعه وبصره ولسانه وأما الثلاث الكافرات فنفسه وعدوه وهواه وأما الثلاث المؤمنات فعقله وروحه وقلبه فإذا أيد اللّه العبد بالمعونة ففر العقل على القلب فملكه واستأسر النفس والهوى فلم يجد إلى الحركة سبيلا فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة اللّه هي العليا { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }. ٥قوله تعالى: { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا } الآية: ٥ قال سهل: الأبرار الذين فيهم خلق من أخلاق العشرة الذين وعد النبي صلى اللّه عليه وسلم لهم الجنة. قال الواسطي: من كان تحت قوله إن الأبرار يشربون من كأس بردت الدنيا في صدورهم وانقطعت عن قلوبهم. وقال أيضا: لما اختلفت أحوالهم في الدنيا كذلك اختلفت اشربتهم في الآخرة بل سبقت الأشربة الأحوال من قدر له شرابا طهورا في الآخرة طهره الحق في الدنيا عن رؤية السعايات بالموافقة والمخالفة وهو تحت قوله: { إن الأبرار يشربون من كأس } بردت الدنيا في صدورهم وانقطعت عن قلوبهم. ٦قوله تعالى: { عينا يشرب بها عباد اللّه } الآية: ٦ إنها عيون يشربون منها في الدنيا فيورثهم ذلك شراب الخضرة وذلك من عيون الحياء وعيون البصر وعيون الوفاء. قوله تعالى: { ويخافون يوما كان شره مستطيرا } الآية: ٧ قال سهل: البلايا والشدائد في الآخرة عامة والبلاء منه خاص لخاص. وقال بعضهم: خوفهم للّه مع الوفاء بالنذور لعلمهم بما بقي عليهم من حقوق اللّه التي لم يهتدوا إليها فيعرفوها ولا يفزعوا إليها فيشكروا، فخوفهم من تقصير الشكر على النعم. ١٧قوله تعالى: { ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا } الآية: ١٧ قال بعضهم: حرارتها بعثتهم على طلبها وصفح عنهم الأثقال والمحن والمؤن وهذا تفسير قول القائل على قدر المجاهدات بل على قدر الملاحظات ظهرت السعادات. وقال الصبيحي: سقى الحق أهله بكاسات منها كأس منى ومنها كأس غنى ومنها كأس هيام. وقال إبراهيم له: حتى الممات بحبه وحولي من الحب المرح ومنها كأس دنف ومنها كأس تقلقل ومنها كأس أحزان ومنها كأس اشجان ومنها كأس عموم ومنها كأس هموم ومنها كأس سكر ومنها كأس صحو ومنها كأس إفاقة ومنها كأس شقاء ومنها كأس حلاوة ومنها كأس بشاشة ومنها كأس اشتياق ومنها تبسم ومنها كأس ذوق ومنها كأس عيش. ٢١قوله تعالى: { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } الآية: ٢١ قال سهل: فرق اللّه بهذه اللفظة بين الطهور والطهر وبين خمر الجنة وخمور الدنيا فخمور الدنيا نجسة تنجس صاحبها وشاربها بالآثام وخمر الجنة طهور تطهر شاربها من كل دنس وتصلحه لمجلس القدس ومشهد العز. قال بعضهم في قوله: { وسقاهم ربهم } الآية إن للّه شرابا طاهرا شهيا ادخرها في كنوز ربوبيته لأوليائه وأصفيائه يفجر لهم من ينبوع المعرفة في انهار المنة فسقاهم ربهم بكأس المحبة شرابا طهورا فإذا شربوا بقلوبهم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه سقاهم ذلك في الدنيا في ميدان ذكره بكأس محبته على منابر أنسه بمخاطبة الإيمان. وسقاهم في الآخرة في ميدان قربه بكأس رؤيته على منابر النور بمخاطبة العيان سقاهم في الدنيا الماء البارد العذب حظ أجسامهم وسقاهم في الآخرة برؤية ما وعدهم من أنواع الكرامات. قوله تعالى: { وسقاهم }. قال جعفر: سقاهم التوحيد في السر فنأى هو عن جميع ما سواه فلم يفيقوا إلا عند المعاينة ورفع الحجاب فيما بينهم وبينه واخذ الشراب فيها اخذ عنه فلم يبق عليه منه باقية وحصله في ميدان الحصول والقبضة. سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت طيب الحمال يقول: صليت خلف سهل بن عبد اللّه العتمة فقرأ قوله: { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } فجعل يحرك فمه كأنه يمص شيئا فلما فرغ من الصلاة قيل له: اتشرب أم تقرأ؟ قال: واللّه لو لم أجد لذته عند قراءته كالذي عند شربه ما قرأته. وقال فارس منهم من سقاهم شراب الهداية فهداه ومنهم من سقاه شراب التوحيد فيسره ومنهم من سقاه شراب الولاية فوالاه ومنهم من سقاه شراب المعرفة فقربه وأدناه. قال بعضهم: من ظهر الحق في الدنيا سره عن رؤية السعايات بالموافقات والمخالفات وبردت الدنيا في صدره سقاه اللّه في الآخرة شرابا طهورا. وقال جعفر: قوله: { شرابا طهورا } طهرهم به عن كل ما سواه إذ لا طاهر من يدنس بشيء من الأكوان. وقال أبو سليمان الرازي: سقاهم ربهم على حاشية بساط الود فأزواهم عن صحبة الخلق وأراهم رؤية الحق ثم اقعدهم على منابر القدس وحياهم بتحف المزيد وأمطر عليهم مطر التأييد فسالت عليهم اأودية الشوق والقرب وكفاهم هموم الفرقة وحباهم بسرور القربة. وقال بعضهم في قوله: { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } قال: صب على صدورهم ماء المحبة فشرحت صدورهم بنور المحبة ولانت بنور المعرفة وانفسحت جوارحهم بنور الطاعة وبردت ضمائرهم بنسيم الهيبة وأحيا أرواحهم بنور القربة فيا له من ساقي ويالها من مسقى. وقال بعضهم في هذه الآية: سقوا شراب المودة في كأس المحبة في دار الكرامة فسكروا بها فمشوا في ميدان الشوق ولم يفيقوا لشيء غير الرؤية. ٣١قوله تعالى: { يدخل من يشاء في رحمته } الآية: ٣١ قال الواسطي: إن اللّه حكم بصفته على صفتك ولم يحكم بصفتك على صفته فقال: يدخل من يشاء في رحمته كما أن جميع الكون به كذلك جميع الصفات بصفاته وكما أنه بنفسه يصرف النفوس لا النفوس تصرفه على ما تريد كذلك بصفته يصرف الصفات والنعوت اجمع. وقال أبو بكر بن طاهر: المشيئة أوجبت للخلق الرحمة لا الأعمال فإن الرحمة صفته ولا علة لصفاته وأعمال الخلق مشوبة بالعلل ولا يستوجب العبد بمعلول من الأفعال ما لا علة له من الصفات. ذكر ما قيل في سورة المرسلات |
﴿ ٠ ﴾