سورة المطففين

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { ويل للمطففين } الآية: ١

قال أبو صالح حمدون: إذا أخذت الميزان بيدك فاذكر ميزان القسط عليك، واحذر

من الويل الذي وعد اللّه فيه بقوله: { ويل للمطففين }.

وقال أيضا: ويل لمن يبصر عيوب أخيه، ويعمى عن عيوبه فإن ذلك التطفيف.

سئل أبو حفص عن قوله: { ويل للمطففين } قال: الذي يستوفى حقه من الخلق،

ولا يوفيهم حقوقهم، ويقتفي حقه، ولا يقضي حقوقهم، ويبصر عيوبهم فيعيرهم بها

وهو يرتكب مثل ذلك وأفظع منها فيغفل عنها.

وقال أبو عثمان: حقيقة هذه الآية واللّه أعلم عندي هو: من يحسن العبادة على

رؤية الناس وينسى إذا خلا.

قال اللّه: { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون } إنهم لا بد لهم من المحاسبة والرجوع

إلى بأعمالهم.

٤

قوله تعالى: { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون } الآية: ٤

قال أبو حفص: من علم أنه مبعوث، وكاسب ثم لا يجتنب المعاصي، والذنوب،

والمخالفات اجمع وقد أخبر عن سره انه غير مؤمن بالبعث والحساب.

٩

قوله تعالى: { كتاب مرقوم } الآية: ٩

قال أبو عثمان المغربي رحمه اللّه: الكتاب المرقوم هو ما يجري اللّه على جوارحك

من الخير والشر، رقمها بذلك الرقم فهو لا يخالف ما رقم به وذلك الرقم معلق بالقضاء

والقدر، والقدرة تمشيه عليه، ولا رجوع له عن ذلك ولا حيلة له فيه فهو في ذلك

مقدور في الظاهر غير مقدور في الحقيقة هذا لعوام الخلق، وأما للخاص والأولياء وأهل

الحقائق فإنه رقم اللّه على كل شيء أوجده لم يشرف على ذلك الرقم من المقربين عرف

صاحبه بما رقم به من الولاية، والعداوة فيخير عنه وهو الاشراق والفراسة كما كان لعمر

بن الخطاب كرم اللّه وجهه حين أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' إنه إن كان في

الأمم مكلمون

فإن يكن في أمتي فعمر ' أي: من اشرف على حقائق الرقم، وعلى معاني الكتاب

المرقوم فمن كان بهذه الحالة فهو مكلم من جهة الحق بلا واسطة.

١٤

قوله تعالى: { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } الآية: ١٤

قال أبو سليمان: الران، القسوة هما ميراث الغفلة فمن يقظ وتذكر خلص من

القسوة والدين ودواؤها إدمان الصوم فإن وجد بعد ذلك قسوة فليترك الإدوام.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في

قوله: { كلا بل ران على قلوبهم }. قال: الطاعة على الطاعة حتى يحجب قلبه عن

مشاهدة المنة لأن العجب والدنيا في الطاعة يورثان نسيان المنة وترك الحرمة.

١٥

قوله تعالى: { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } الآية: ١٥

قال القاسم: حجبهم في الدنيا عن مولاهم المعاصي، وحجبهم في الآخرة عن

مولاهم البدع.

وقال بعضهم: الحجاب حجابان: حجاب غفلة، وحجاب كفر فمن حجب في دنياه

بالغفلة حجب في الجنة بالرحمة ومن حجب في دنياه بالكفر حجب في النار بالغضب.

قال الواسطي رحمه اللّه: الكفار في حجاب لا يرونه، والمؤمنون في حجاب يرونه

في وقت دون وقت، ولا حجاب له غيره ولا يسعه سواه ما اتصلت بشرية بربوبية قط

ولا فارقت عنه.

٢٢

٢٣ ، قوله تعالى: { إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون } الآية: ٢٢

قال أبو سعيد الخراز: للأبرار علامات: أولها أن يكون معصوما عن المخالفات

بعصمة اللّه محفوظا بطاعة اللّه لا يؤذي أحدا من المخلوقين، ويرحم الضعفاء لضعفهم

ويعرف نعم اللّه في جميع الأحوال، ويرى نقصانه في جميع الأفعال.

وقال ابن عطاء: على ارائك المعرفة وينظرون إلى المعروف وعلى ارائك القربة ينظرون

إلى الرؤوف، وللإسلام أركان كما أن للنفس أركانا: فالرجلان الصبر والورع، واليدان

الزهد والقناعة، والأذنان الخوف والرجاء، والعينان الشوق والمحبة، واللسان العلم

والفطنة فمن استعمل هذه الأركان في رضا محبوبه، وشغلها بخدمة معبوده فهو من

الأبرار الذين هم على الأرائك ينظرون.

٢٤

قوله تعالى: { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } الآية: ٢٤

قال جعفر رحمه اللّه: تبقى لذة النظر تتلألأ مثل الشمس في وجوههم إذا رجعوا من زيارة اللّه إلى أوطانهم.

قال بعضهم: ترى في ذلك الوجوه إقبال الحق عليها فنعمت بإقبال المنعم عليها.

٢٦

قوله تعالى: { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } الآية: ٢٦

قال ذو النون رحمه اللّه: علامة المتنافسين تعلق القلب به، وطيران الضمير إليه، والحركة عند ذكره، والهرب من الناس والأنس بالوحدة، والبكاء على ما سلف، وحلاوة سماع الذكر، والتدبر في كلام الرحمن، ويلقى النعم بالفرح والشكر والتعرض للمناجات.

٢٧

قوله تعالى: { ومزاجه من تسنيم } الآية: ٢٧

٢٨

كؤوسا مزجت بالانس فتنسموا رائحة القرب منها قوله تعالى: { عينا يشرب بها المقربون } الآية: ٢٨

قال بعضهم: قال يشرب بها المقربون صرفا، ويمزج لأصحاب اليمين فليس كل من احتمل حمل الصفات قوى على مشاهدة الذات، وشراب المقربين لحملهم الذات، والصفات جميعا.

وقال الواسطي رحمه اللّه: يشرب بها المقربون صرفا على مشاهدة محبوبهم.

قال الجريري: يشرب بها المقربون على بساط القرب في مجلس الأنس، ورياض القدس بكأس الرضا على مشاهدة الحق عز وجل.

قوله تعالى: { على الأرائك ينظرون } الآية: ٢٣

قال القاسم: ينظرون متعجبين إلى أهل الشهوات في الجنة وهم على الأرائك والمراتب التي تدنيهم من ربهم وكيف يشتهون شيئا، وهم مشتغلون في تصريفهم ومغيبون عن شواهدهم في تدبيره بلا شهوة ولا إقبال ولا فترة ولا إدبار إذ الأمور بحقوقها عنه مصروفة.

ذكر ما قيل في سورة الانشقاق

﴿ ٠