سورة الإخلاصبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { قل هو اللّه أحد } الآية: ١ سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء: قل في غير هذا الموضع في القرآن أي: اظهر ما بينا لك وأوحينا إليك بتأليف الحروف التي قرأناها عليك ليهتدي بها أهل الهداية والهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى ما يدريك حقائق نعوته، وصفاته بالحواس، والأحد المتفرد الذي لا نظير له والتوحيد هو الإقرار بالأحدية والوحدانية وهو الانفراد. قال الواسطي رحمه اللّه في قوله: { قل هو } قال: ' حرف ' ليست ' هو ' باسم، ولا وصف، ولكنه كتابه عن الذات وإشارة إلى الذات، علم الحق من يلحد في الأسماء والصفات ويفرقون بين الصفة والموصوف فقال: ' هو ' لا يكون فرقا بين هويته، و ' هو ' إذ لم يكن فرقا بين هويته، و ' هو ' لم يكن فرقا بين أسمائه وصفاته. قال أبو سعيد الخراز: إن اللّه أول ما دعا عباده دعاهم إلى كلمة واحدة فمن فهمها فهم ما ورائها وهو قوله: { قل هو اللّه أحد } فتم به المراد للخواص ثم زاد بيانا للخلق فقال: { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } فمن فهم معنى اللّه استغنى به عن غيره. وقال ابن عطاء: { هو }، هو ولا يقدر أحدا أن يخبر عن هويته إلا هو لا عبارة لأحد عنه، حقيقة الإله عن نفسه فيخبر عن نفسه بحقيقة حقه، والاغيار يخبرونه عنه على حد الأذن فيه، والأمر فأخبر عن نفسه بأنه هو اللّه أشار من نفسه إلى نفسه إذ لم يستحق أحد أن يشير إليه سواه فمن أشار إليه فإنما أشار إلى إشارته إلى نفسه فمن تحقق إشارته إلى بشارته بالتعظيم والحرمة، كانت إشارته صحيحة على حد الصواب ومن وقعت إشارته على حد الدعوة بطلت إشارته وبعدت عن معادن الحقيقة. قيل للحسين: أهو هو قال: بل هو وراء كل هو، وهو عبارة عن ملك ما لا يثبت له شيء دونه. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء في قوله: { قل هو اللّه أحد } هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتوحد بإظهار الخفيات. قال الحسين: الأحد الكائن عند كل منعوت، وإليه يصير كل مربوب يطمس من ساكنه، ويطرح من تأوله أن أشهدك إياه فإنك وان غيبك عنه رعاك. وقال الحسين: توحيد الأئمة توحيد رضى به لهم فأما الذي يستحقه الحق فلا لأن القائل عنكم سواكم، والمغير عنكم غيركم فسقطتم أنتم، وبقى من لم يزل كما لم يزل. قال بعضهم: توحدتم وحد، ولا سبيل إلى ذلك إلا أن يوحد الحق له. قال فارس: أحد في وحدانيته، واحد في أحديته ليس يحس بالغير كيف، ولا حس، ولا غير منه الكائن كل منعوت، وإليه يصير كل مربوب. قال الحسين: خلق اللّه الخلق على علمه، وأظهر الأشياء فيهم بقدرته، ودعاهم إلى توحيده ووحدانيته في المعرفة الأصلية بلسان الطبائع فقال: { قل هو اللّه أحد اللّه الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد }. قال القاسم: قوله: { اللّه } تعرفهم أن له الأسماء الحسنى فكل مربوط منه بصفة واسم. وقال في قوله: { قل هو اللّه أحد } لم تقتصر على اسمه بل عدك بهم إلى أسامي أخر، وأخبر بانحطاط رتبتهم فقال: { لم يلد ولم يولد } أني كان يخطر بقلوب العارفين شبهة حتى أخبر بهذه الصفة، ولكن اللّه تعالى علم ما في سرائر العوام من الخواطر الفاسدة فأزالها عنهم بقوله: { لم يلد ولم يولد } فأهل الحقائق عرفوا اللّه وواجههم به من اسمه اللّه. قال الواسطي رحمه اللّه في قوله: { قل هو اللّه أحد }، { قل هو }: جواب لمن زعم أن معه إلها، لأن نفي الغيب حيث يستحيل الغيب غيب، فرق بين جواب توهم السرائر، وجواب توثب العقول. وقال الحسين: الواحد في معناه، والكامل في ذاته هو الأيدي في دوام الأوقات الكائن عنه كل منعوت. وقال ابن عطاء: { قل هو اللّه أحد } إشارة منه إليه، حين قال الكفار: انسب لنا ربك. ٢قال أبو بكر بن عبدوس: { الصمد } المستغنى عن كل أحد. قال ابن عطاء: { الصمد } الذي لم يتبين عليه اثر فيما أظهره. وقال جعفر: { الصمد } الذي لم يعط خلقه من معرفته إلا الاسم، والصفة. قال الجنيد رحمه اللّه: الصمد؟ الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا إلى معرفته. وسئل بعضهم ما الصمد؟ فقال: إن ما يتسع له اللسان أو يشير إليه البيان من تعظيم أو تفريد أو توحيد أو تجريد فهو مطول، والحقيقة وراء ذلك لا تحبط به العلوم ولا يشرق عليه أحد لأن الصمد به ممتنعة عن جميع ذلك. وقيل: { الصمد } الذي لا تدرك حقيقة نعوته، ولا صفاته. قال الواسطي رحمه اللّه: امتنع الحق بصمديته عن وقوف العقول عليه، وإشارتها إليه، ولا يعرف إلا بألطاف اسدى بها الأرواح، وقال: { الصمد } هو قطع التوهم في العبارة وخفى الالحاظ في الإشارة لا يجري عليه جريان ما اجرى علينا مما ذكرها. وقال ابن عطاء: { الصمد } المتعالي عن الكون والفساد. وقال جعفر: { الصمد } خمس حروف الألف دليل على أحديته، واللام دليل على ألوهيته، وهما مدعمان لا يظهران على اللسان، ويظهران في الكتابة فدل ذلك على أن أحديته، وألوهيته خفية لا تدرك بالحواس، ولا تقاس بالناس فخفاؤه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه، ولا تحيط به علما وإظهاره في الكتابة دليل على أنه يظهر على قلوب العارفين ويبدو لأعين المحبين في دار السلام والمعاد لأنه صادق فيما وعد فعله صدق وكلامه صدق، ودعا عباده إلى الصدق، والميم: دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة، والدال: علامة دوامه في أبديته وأزليته وإن كان لا أزل، ولا ابد لأنهما ألفاظ تجري على العوام عبارة، وقيل: والصمد الذي لا يتناهى سؤدده. قال الواسطي: الصمد الذي لا يستحرق، ولا يستغرق ولا يفترض عليه القواطع والعلل. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء: { قل هو اللّه أحد } ظهر لك منه التوحيد، { اللّه الصمد } ظهر لك منه المعرفة، { لم يلد }، ظهر لك منه الإيمان، { ولم يولد } ظهر لك منه الإسلام، { ولم يكن له كفوا أحد } ظهر لك منه اليقين. وقال الجنيد رحمه اللّه: الصمد الذي لا تدركه حقيقة نعوته وصفاته كما قال: { ولا يحيطون به علما } طه: ١١٠ قال بعضهم: { قل هو اللّه أحد } على سبيل انه معبود بالرسم، وهو وراء الرسم فجل عن أن يشار إليه بذكر التأله. وقال بعضهم: { الصمد } المصمود إليه في الحوائج، والذي { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } الذي لا نظير له في ذات، ولا فعل. سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: وجدنا أنواع الشرك على ثمانية أنواع: التنقص، التقلب، والكثرة، والعدد، والعلة، والمعلول، والأشكال، والأضداد فنفى عز وجل عن صفته نوع الكثرة، والعدد بقوله: { قل هو اللّه أحد } ونفى التقلب والتنقص بقوله: { اللّه الصمد } ونفى العلل والمعلول بقوله: { لم يلد ولم يولد } ونفى الاشكال والأضداد بقوله: { ولم يكن له كفوا أحد }. ويقال سمى سورة الإخلاص لأنه أخلص فيها معاني التوحيد. وقيل: الأحد للعامة، والواحد للفضل. وقيل: { الصمد } الذي لا يستغنى عنه في شيء من الأشياء. وقيل: { الصمد } الذي آيست العقول من الاطلاع عليه. وقال الحسين بن الفضل: { الصمد } الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء. وقال بعضهم: الصمدية القطع بالإياس عن المطالعة والوقوف على شيء من لطائف الصفات، وقيل: { الصمد } الذي لا يؤثر فيه شيء. وقيل: { الصمد } الذي لا يتغير بإظهار الكون لأن الحدث لا يحدث للّه صفة لم تكن. ٣وقوله تعالى: { لم يلد ولم يولد } الآية: ٣ قال ابن علي: { لم يلد } دليل على الفردانية، { ولم يولد } دليل على الربوبية. وقال جعفر: جل ربنا أن تدركه الأوهام، والعقول والعلوم بل هو كما وصف نفسه والكيفية عن وصفه غير معقولة سبحانه أن تصل الفهوم والعقول إلى كيفيته { كل شيء هالك إلا وجه }، وله البقاء والسرمدية، والأبدية، والوحدانية، والمشيئة والقدرة عز وجل تبارك وتعالى. ٤وقال الواسطي: نفى الحقائق، والإحاطة ثم أكده بقوله: { ولم يكن له كفوا أحد } فلا يشار إلى ما لا كقوله بوجه كيف يطلق اللسان بما لا كقوله، ولا مثل له إلا إثبات دون المباينة وكيفية الصفات. وقال عمرو المكي: تنزل الخلق بوادي العلم يبشر ما توحد به منه في القدم في تيه العمى فيما أخفاه وعدوه عن الأعداء في صحبة الأول بعلمه وذلك قوله: { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد }. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت أبا جعفر الملطي يحكي عن علي بن موسى عن أبيه عن جعفر بن محمد رضي اللّه عنهم في قوله: { قل هو اللّه أحد }. قال معناه اظهر ما تريده النفس بتأليف الحروف فإن الحقائق مصونة على أن يبلغها، وهم اوفهم وإظهار ذلك بالحروف ليهتدي بها من ألقى السمع، وهو إشارة إلى غائب وإنما هو تنبيه على معنى ثابت والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس، والأحد الفرد الذي لا نظير له فمعنى قوله: { أحد } أي معبود يأله الخلائق إليه فيعجزوا عن إدراكه فإنه بألوهيته متعال عن الإدراك بالعقول والحواس، و { الصمد } المتعال عن الكون والفساد، و { الصمد } الذي لا يوصف بالتغاير، وسورة الإخلاص خمس كلمات: { اللّه أحد } دلالة على الفردانية { اللّه الصمد } دلالة على العز { ولم يلد } معرفة الربوبية { لم يولد } معرفة التنزيه { ولم يكن له كفوا أحد } معرفة أن { ليس كمثله شيء } وهذه بأجمعها تدلك على الانقطاع إليه، والتبرئ مما سواه. |
﴿ ٠ ﴾