٧٧

بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧)

ثم رد الله تعالى في صدر قولهم، ليس علينا بقوله بَلى أي عليهم سبيل وحجة وتبعة، ثم أخبر على جهة الشرط أن مَنْ أَوْفى بالعهد وَاتَّقى عقوبة الله في نقضه، فإنه محبوب عند الله، وتقول العرب:

وفى بالعهد، وأوفى به بمعنى، وأوفى، هي لغة الحجاز وفسر الطبري وغيره، على أن الضمير في قوله، بِعَهْدِهِ عائد على الله تعالى، وقال بعض المفسرين: هو عائد على مَنْ.

قال الفقيه الإمام أبو محمد: والقولان يرجعان إلى معنى واحد، لأن أمر الله تعالى بالوفاء مقترن بعهد كل إنسان، وقال ابن عباس: اتَّقى في هذه الآية، معناه: اتقى الشرك، ثم خرج جواب الشرط على تعميم المتقين تشريفا للتقوى وحضّا عليها.

وقوله تعالى: الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ الآية آية وعيد لمن فعل هذه الأفاعيل إلى يوم القيامة وهي آية يدخل فيها الكفر فما دونه من جحد الحقوق وختر المواثيق، وكل أحد يأخذ من وعيد الآية على قدر جريمته، واختلف المفسرون في سبب نزولها، فقال عكرمة: نزلت في أحبار اليهود، أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، تركوا عهد الله في التوراة للمكاسب والرياسة التي كانوا بسبيلها، وروي أنها نزلت بسبب خصومة الأشعث بن قيس مع رجل من اليهود في أرض فوجبت اليمين على اليهودي فقال الأشعث: إذن يحلف يا رسول الله ويذهب بمالي، فنزلت الآية، وروي أن الأشعث بن قيس اختصم في أرض مع رجل من قرابته فوجبت اليمين على الأشعث وكان في الحقيقة مبطلا قد غصب تلك الأرض في جاهليته فنزلت الآية، فنكل الأشعث عن اليمين، وتحرج وأعطى الأرض وزاد من عنده أرضا أخرى، وروي أن الآية نزلت بسبب خصومة لغير الأشعث بن قيس، وقال الشعبي: نزلت الآية في رجل أقام سلعة في السوق من أول النهار، فلما كان في آخره جاءه رجل فساومه فحلف حانثا لقد منعها في أول النهار من كذا وكذا ولولا المساء ما باعها، فنزلت الآية بسببه، وقال سعيد بن المسيب، اليمين الفاجرة من الكبائر، ثم تلا هذه الآية وقال ابن مسعود: كنا نرى ونحن مع نبينا أن من الذنب الذي لا يغفر يمين الصبر، إذا فجر فيها صاحبها، وقد جعل الله «الأيمان» في هذه الألفاظ مشتراة فهي مثمونة أيضا، والخلاق: الحظ والنصيب والقدر، وهو مستعمل في المستحبات، وقال الطبري: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ معناه بما يسرهم وقال غيره: نفى تعالى أن يكلمهم جملة لأنه يكلم عباده المؤمنين المتقين، وقال قوم من العلماء: وهي عبارة عن الغضب، المعنى لا يحفل بهم ولا يرضى عنهم وَلا يُزَكِّيهِمْ يحتمل معنيين، أحدهما يطهرهم من الذنوب وأدرانها، والآخر ينمي أعمالهم، فهي تنمية لهم، والوجهان منفيان عنهم في الآخرة وأَلِيمٌ فعيل بمعنى، مفعل، فالمعنى، مؤلم.

قوله تعالى:

﴿ ٧٧