٥وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥) وقوله: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً قال ابن عباس وقتادة وابن جريج: إن الخطاب في هذه الآية للأزواج، أمرهم الله أن يتبرعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم، وقال أبو صالح: الخطاب لأولياء النساء، لأن عادة بعض العرب كانت أن يأكل ولي المرأة مهرها، فرفع الله ذلك بالإسلام وأمر بأن يدفع ذلك إليهن، وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه: زعم حضرمي أن المراد بالآية المتشاغرون الذين كانوا يتزوجون امرأة بأخرى، فأمروا أن يضربوا المهور. قال القاضي أبو محمد: والآية تتناول هذه الفرق الثلاث، وقرأ جمهور الناس والسبعة «صدقاتهن» بفتح الصاد وضم الدال، وقرأ موسى بن الزبير وابن أبي عبلة وفياض بن غزوان وغيرهم «صدقاتهن» بضم الصاد والدال، وقرأ قتادة وغيره «صدقاتهن» بضم الصاد وسكون الدال. وقرأ ابن وثاب والنخعي «صدقتهن» بالإفراد وضم الصاد وضم الدال. والإفراد من هذا كله صدقة وصدقة. ونِحْلَةً: معناه: نحلة منكم لهن أي عطية، وقيل التقدير: من الله عز وجل لهن، وذلك لأن الله جعل الصداق على الرجال ولم يجعل على النساء شيئا، وقيل نِحْلَةً معناه: شرعة، مأخوذ من النحل تقول: فلان ينتحل دين كذا، وهذا يحسن مع كون الخطاب للأولياء، ويتجه مع سواه، ونصبها على أنها من الأزواج بإضمار فعل من لفظها، تقديره- انحلوهن نحلة، ويجوز أن يعمل الفعل الظاهر، وإن كان من غير اللفظ لأنه مناسب للنحلة في المعنى ونصبها على أنها من الله عز وجل بإضمار فعل مقدر من اللفظ لا يصح غير ذلك، وعلى أنها شريعة هي أيضا من الله وقوله: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً الخطاب حسبما تقدم من الاختلاف في الأزواج والأولياء، والمعنى: إن وهبن غير مكرهات طيبة نفوسهن، والضمير في مِنْهُ راجع على الصداق، وكذلك قال عكرمة وغيره، أو على الإيتاء، وقال حضرمي: سبب الآية أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوا إلى الزوجات، ونَفْساً نصب على التمييز، ولا يجوز تقدمه على العامل عند سيبويه إلا في ضرورة شعر مع تصرف العامل، وإجازة غيره في الكلام. ومنه قول الشاعر [المخبل السعدي] : [الطويل] وما كان نفسا بالفراق تطيب و «من» - تتضمن الجنس هاهنا، ولذلك يجوز أن تهب المهر كله، ولو وقفت «من» على التبعيض لما جاز ذلك، وقرىء «هنيا مريا» دون همز، وهي قراءة الحسن بن أبي الحسن والزهري. قال الطبري: ومن هناء البعير أن يعطي الشفاء. قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وإنما قال اللغويون: الطعام الهنيء هو السائغ المستحسن الحميد المغبة، وكذلك المريء، قال اللغويون: يقولون هنأني الطعام ومرأني على الإتباع، فإذا أفردوا قالوا: أمرأني على وزن أفعل. قال أبو علي: وهذا كما جاء في الحديث «ارجعن مأزورات غير مأجورات» فإنما اعتلت الواو من موزورات اتباعا للفظ مأجورات، فكذلك مرأني اتباعا لهنأني، ودخل رجل على علقمة- وهو يأكل شيئا مما وهبته امرأته من مهرها- فقال له: كل من الهنيء المريء، قال سيبويه هَنِيئاً مَرِيئاً صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره، المختزل للدلالة التي في الكلام عليه، كأنهم قالوا: ثبت ذلك «هنيئا مريئا» . وقوله وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ الآية، اختلف المتأولون في المراد ب السُّفَهاءَ، فقال ابن مسعود والسدي والضحاك والحسن وغيرهم: نزلت في ولد الرجل الصغار وامرأته، وقال سعيد بن جبير: نزلت في المحجورين «السفهاء» وقال مجاهد: نزلت في النساء خاصة، وروي عن عبد الله بن عمر أنه مرت به امرأة لها شارة فقال لها وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الآية، وقال أبو موسى الأشعري والطبري وغيرهما: نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط الله من السفه كان من كان، وقول من خصها بالنساء يضعف من جهة الجمع، فإن العرب إنما تجمع فعيلة على فعائل أو فعيلات، وقوله: أَمْوالَكُمُ يريد أموال المخاطبين، هذا قول أبي موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة، وقال سعيد بن جبير: يريد أموال «السفهاء» ، وأضافها إلى المخاطبين تغبيطا بالأموال، أي هي لهم إذا احتاجوا، كأموالكم لكم التي تقي أعراضكم، وتصونكم وتعظم أقداركم، ومن مثل هذا وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩] وما جرى مجراه، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والنخعي «اللاتي» والأموال: جمع لما لا يعقل، فالأصوب فيه قراءة الجماعة، وقيما جمع قيمة كديمة وديم، وخطأ ذلك أبو علي وقال: هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم، ولكن شذت في الرد إلى الياء كما شذ قولهم: جياد في جمع جواد، وكما قالت بنو ضبة: طويل وطيال، ونحو هذا، وقوما وقواما وقياما، معناها: ثباتا في صلاح الحال، ودواما في ذلك، وقرأ نافع وابن عامر قيما بغير ألف، وروي أن أبا عمرو فتح القاف من قوله: قواما، وقياما- كان أصله قواما، فردت كسرة القاف الواو ياء للتناسب، ذكرها ابن مجاهد ولم ينسبها، وهي قراءة أبي عمرو والحسن، وقرأ الباقون قِياماً وقرأت طائفة «قواما» ، وقوله: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ قيل: معناه: فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجه وبنيه الأصاغر، وقيل: في المحجورين من أموالهم، ومَعْرُوفاً قيل: معناه: ادعوا لهم: بارك الله فيكم وحاطكم وصنع لكم، وقيل: معناه عدوهم وعدا حسنا، أي إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم، ومعنى اللفظ كل كلام تعرفه النفوس وتأنس إليه ويقتضيه الشرع. قوله تعالى: |
﴿ ٥ ﴾