١٠٢

وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢)

ضَرَبْتُمْ معناه: سافرتم. فأهل الظاهر يرون القصر في كل سفر يخرج عن الحاضرة، وهي من حيث تؤتى الجمعة، وهذا قول ضعيف، واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلاة، فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن راهويه: تقصر الصلاة في أربعة برد، وذلك ثمانية وأربعون ميلا.

وحجتهم أحاديث رويت في ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وقال الحسن والزهري: تقصر الصلاة في مسيرة يومين ولم يذكرا أميالا، وروي هذا القول عن مالك، وروي عنه أيضا: تقصر الصلاة في يوم وليلة، وهذه الأقوال الثلاثة تتقارب في المعنى، وروي عن ابن عباس وابن عمر: أن الصلاة تقصر في مسيرة اليوم التام، وقصر ابن عمر في ثلاثين ميلا، وعن مالك في العتبية فيمن خرج إلى ضيعته على مسيرة خمسة وأربعين ميلا، قال: يقصر، وعن ابن القاسم في العتبية: أن قصر في ستة وثلاثين فلا إعادة عليه، وقال يحيى بن عمر: يعيد أبدا، وقال ابن عبد الحكم: في الوقت، وقال ابن مسعود وسفيان والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن: من سافر مسيرة ثلاث قصر، قال أبو حنيفة: ثلاثة أيام ولياليها سير الإبل ومشي الأقدام، وروي عن أنس بن مالك: أنه قصر في خمسة عشر ميلا، قال الأوزاعي: عامة العلماء في القصر في مسيرة اليوم التام، وبه نأخذ.

واختلف الناس في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة، فأجمع الناس على الجهاد والحج والعمرة وما ضارعها من صلة رحم وإحياء نفس، واختلف الناس فيما سوى ذلك، فالجمهور على جواز القصر في السفر المباح، كالتجارة ونحوها، وروي عن ابن مسعود أنه قال: لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد، وقال عطاء لا تقصر الصلاة إلا في سفر طاعة وسبيل من سبل الخير، وقد روي عن عطاء أنها تقصر في كل المباح، والجمهور من العلماء على أنه لا قصر في سفر المعصية، كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما، وروي عن الأوزاعي وأبي حنيفة إباحة القصر في جميع ذلك. وجمهور العلماء على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية، وحينئذ هو ضارب في الأرض، وهو قول مالك في المدونة وابن حبيب وجماعة المذهب، قال ابن القاسم في المدونة: ولم يحد لنا مالك في القرب حدا، وروي عن مالك إذا كانت قرية يجمع أهلها فلا يقصر حتى يجاوزها بثلاثة أميال وإلى ذلك في الرجوع، وإن كانت لا يجمع أهلها قصر إذا جاوز بساتينها، وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى، وروي عن مجاهد أنه قال: لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل، وهو شاذ، وقد ثبت أن النبي عليه السلام صلى الظهر بالمدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، وليس بينهما ثلث يوم، ويظهر من قوله تعالى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا أن القصر مباح أو مخير فيه، وقد روى ابن وهب عن مالك: أن المسافر مخير، وقاله الأبهري، وعليه حذاق المذهب، وقال مالك في المبسوط: القصر سنة. وهذا هو جمهور المذهب، وعليه جواب المدونة بالإعادة في الوقت لمن أتم في سفره، وقال محمد بن سحنون وإسماعيل القاضي: القصر فرض، وبه قال حماد بن أبي سليمان، وروي نحوه عن عمر بن عبد العزيز، وروي عن ابن عباس أنه قال: من صلى في السفر أربعا فهو كمن صلى في الحضر ركعتين، وحكى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب: أنه قال: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم، وقد خاب من افترى، ويؤيد هذا قول عائشة: فرضت الصلاة ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر، واختلف العلماء في معنى قوله تعالى: أَنْ تَقْصُرُوا فذهب جماعة من العلماء إلى أنه القصر إلى اثنين من أربع، روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنّا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله تعالى وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ثم انقطع الكلام، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي عليه السلام، فصلى الظهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم، فهلا شددتم عليهم، فقال قائل منهم: إن لهم أخرى في أثرها، فأنزل الله تعالى بين الصلاتين إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى آخر صلاة الخوف، وذكر الطبري في سرد هذه المقالة حديث يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب، إن الله تعالى يقول إِنْ خِفْتُمْ وقد أمن الناس، فقال عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله عن ذلك فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» ، قال الطبري: وهذا كله قول حسن، إلا أن قوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ تؤذن بانقطاع ما بعدها مما قبلها، فليس يترتب من لفظ الآية، إلا أن القصر مشروط بالخوف، وفي قراءة أبيّ بن كعب «أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا» - بسقوط إِنْ خِفْتُمْ وثبتت في مصحف عثمان رضي الله عنه، وذهبت جماعة أخرى إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة القصر في السفر للخائف من العدو، فمن كان آمنا فلا قصر له، وروي عن عائشة أنها كانت تقول في السفر: أتموا صلاتكم، فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر، فقالت: إنه كان في حرب وكان يخاف، وهل أنتم تخافون؟ وقال عطاء: كان يتم الصلاة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وسعد بن أبي وقاص، وأتم عثمان بن عفان، ولكن علل ذلك بعلل غير هذه، وكذلك علل إتمام عائشة أيضا بغير هذا وقال آخرون: القصر المباح في هذه الآية إنما هو قصر الركعتين إلى ركعة، والركعتان في السفر إنما هي تمام، وقصرها أن تصير ركعة، قال السدي: إذا صليت في السفر ركعتين فهو تمام، والقصر لا يحل إلا أن يخاف، فهذه الآية مبيحة أن تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها شيئا، ويكون للإمام ركعتان، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ركعتان في السفر تمام غير قصر، إنما القصر في صلاة المخافة يصلي الإمام بطائفة ركعة، ثم يجيء هؤلاء فيصلي بهم ركعة، فتكون للإمام ركعتان ولهم ركعة، ركعة، وقال نحو هذا سعيد بن جبير وجابر بن عبد الله وكعب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله حذيفة بطبرستان وقد سأله الأمير سعيد بن العاصي ذلك، وروى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك في غزوة ذي قرد ركعة بكل طائفة ولم يقضوا، وقال مجاهد عن ابن عباس: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، وروى جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بأصحابه يوم حارب خصفة وبني ثعلبة، وروى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بين ضجنان وعسفان، وقال آخرون: هذه الآية مبيحة القصر من حدود الصلاة وهيئتها عند المسايفة واشتعال الحرب، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه، ويصلي ركعة واحدة حيث توجه إلى تكبيرتين إلى تكبيرة على ما تقدم من أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [البقرة: ٢٣٩] ورجح الطبري هذا القول، وقال: إنه يعادله قوله فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي بحدودها وهيئتها الكاملة، وقرأ الجمهور «تقصروا» بفتح التاء وضم الصاد، وروى الضبي عن أصحابه «تقصروا» بضم التاء وكسر الصاد وسكون القاف وقرأ الزهري «تقصّروا» بضم التاء وفتح القاف وكسر الصاد وشدها. ويَفْتِنَكُمُ معناه: يمتحنكم بالحمل عليكم وإشغال نفوسكم في صلاتكم، ونحو هذا قول صاحب الحائط: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، وأصل الفتنة الاختبار بالشدائد، وإلى هذا المعنى ترجع كيف تصرفت، وعدو وصف يجري على الواحد والجماعة، و «مبين» مفعل من أبان، المعنى: قد جلحوا في عدواتكم وراموكم كل مرام.

وقوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ الآية قال جمهور الأمة: الآية خطاب للنبي عليه السلام، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة، وقال أبو يوسف وإسماعيل بن علية: الآية خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصلاة بإمامة النبي عليه السلام لا عوض منها، وغيره من الأمراء منه العوض، فيصلي الناس بإمامين، طائفة بعد طائفة، ولا يحتاج إلى غير ذلك.

قال القاضي أبو محمد: وكذلك جمهور العلماء على أن صلاة الخوف تصلى في الحضر إذا نزل الخوف، وقال قوم: لا صلاة خوف في حضر، وقاله في المذهب عبد الملك بن الماجشون، وقال الطبري: فَأَقَمْتَ لَهُمُ معناه: حدودها وهيئتها، ولم تقصر على ما أبيح قبل في حال المسايفة، وقوله فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ، أمر بالانقسام، أي وسائرهم وجاه العدو حذرا وتوقع حملته، وأعظم الروايات والأحاديث على أن صلاة الخوف إنما نزلت الرخصة فيها في غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب وخصفة، وفي بعض الروايات: أنها نزلت في ناحية عسفان وضجنان، والعدو: خيل قريش، عليها خالد بن الوليد، واختلف من المأمور بأخذ الأسلحة هنا؟ فقيل الطائفة المصلية، وقيل: بل الحارسة.

قال القاضي أبو محمد: ولفظ الآية يتناول الكل، ولكن سلاح المصلين ما خف، واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبي عليه السلام بأصحابه صلاة الخوف، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء، فروى يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أنه صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع، فصفت طائفة معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، وروى القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل هذا الحديث بعينه، إلا أنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صلّى بالطائفة الأخيرة ركعة، سلم، ثم قضت هي بعد سلامه، وبهذا الحديث أخذ مالك رحمه الله في صلاة الخوف، كان أولا يميل إلى رواية يزيد بن رومان، ثم رجع إلى رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر، وروى مجاهد وغيره عن ابن عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت على خلاف فيه: أن النبي عليه السلام صلّى صلاة الخوف بعسفان والعدو في قبلته، قال: فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، فقال المشركون: لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، فقالوا: تأتي الآن عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، قال: فنزل جبريل بين الظهر والعصر بهذه الآيات، وأخبره خبرهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف العسكر خلفه صفين، ثم كبر فكبروا جميعا، ثم ركع فركعنا جميعا، ثم رفع فرفعنا جميعا، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا سجد الآخرون في مكانهم، ثم تقدموا إلى مصاف المتقدمين وتأخر المتقدمون إلى مصاف المتأخرين، ثم ركع فركعوا جميعا، ثم رفع فرفعوا جميعا، ثم سجد النبي فسجد الصف الذي يليه، فلما رفع سجد الآخرون، ثم سلم فسلموا جميعا، ثم انصرفوا، قال عبد الرزاق بن همام في مصنفه: وروى الثوري عن هشام مثل هذا، إلا أنه قال: ينكص الصف المقدم القهقرى حين يرفعون رؤوسهم من السجود، ويتقدم الآخرون فيسجدون في مصاف الأولين، قال عبد الرزاق عن معمر عن خلاد بن عبد الرحمن عن مجاهد قال: لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف إلا مرتين، مرة بذات الرقاع من أرض بني سليم، ومرة بعسفان والمشركون بضجنان بينهم وبين القبلة.

قال القاضي أبو محمد: وظاهر اختلاف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أنه صلى صلاة الخوف في غير هذين الموطنين، وذكر ابن عباس أنه كان في غزوة ذي قرد صلاة خوف، وروى عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك فصلى بهم النبي عليه السلام ركعة، ثم سلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة في حين واحد، وبهذه الصفة في صلاة الخوف أخذ أشهب رحمه الله، ومشى على الأصل في أن لا يقضي أحد قبل زوال حكم الإمام، فكذلك لا يبني، ذكر هذا عن أشهب جماعة منهم ابن عبد البر وابن يونس وغيرهما، وحكى اللخمي عنه: أن مذهبه أن يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم ينصرفون تجاه العدو، وتأتي الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يسلم وتقوم التي معه تقضي، فإذا فرغوا منه صاروا تجاه العدو، وقضت الأخرى. وهذه سنة رويت عن ابن مسعود، ورجح ابن عبد البر القول بما روي عن ابن عمر، وروي أن سهل بن أبي حثمة قد روي عنه مثل ما روي عن ابن عمر سواء، وروى حذيفة حين حكى صلاة النبي عليه السلام في الخوف: أنه صلى بكل طائفة ركعة، ولم يقض أحد من الطائفتين شيئا زائدا على ركعة، وذكر ابن عبد البر وغيره عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين، فكانت لرسول الله أربع، ولكل رجل ركعتان، وبهذه كان يفتي الحسن بن أبي الحسن، وهو قول يجيزه كل من أجاز اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة، وقال أصحاب الرأي: إذا كانت صلاة المغرب افتتح الإمام الصلاة ومعه طائفة، وطائفة بإزاء العدو، فيصلي بالتي معه ركعتين، ثم يصيرون إلى إزاء العدو، وتأتي الأخرى فيدخلون مع الإمام، فيصلي بهم ركعة ثم يسلم وحده، ثم يقومون إلى إزاء العدو، وتأتي الطائفة التي صلت مع الإمام ركعتين إلى مقامهم الأول في الصلاة، فيقضون ركعة وسجدتين وحدانا ويسلمون، ثم يجيئون إلى إزاء العدو، وتنصرف الطائفة الأخرى إلى مقام الصلاة، فيقضون ركعتين بقراءة وحدانا ويسلمون، وكملت صلاتهم.

قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وهذا طرد قول أصحاب الرأي في سائر الصلوات، سأل مروان بن الحكم أبا هريرة، هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال أبو هريرة:

نعم، قال مروان: متى؟ قال أبو هريرة: عام غزوة نجد: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العصر فقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله وكبروا جميعا الذين معه والذين بإزاء العدو ثم ركع رسول الله وركع معه الذين معه وسجدوا كذلك ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت الطائفة التي كانت معه إلى إزاء العدو وأقبلت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله قائم كما هو ثم قاموا فركع رسول الله ركعة أخرى وركعوا معه وسجد فسجدوا معه ثم أقبلت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله قاعد ثم كان السلام فسلم رسول الله وسلموا جميعا. وأسند أبو داود في مصنفه عن عائشة رضي الله عنها صفة في صلاة النبي صلاة الخوف تقرب مما روي عن أبي هريرة وتخالفها في أشياء إلا أنها صفة صلاة الخوف من لدن قول أبي يوسف وابن علية أحد عشر قولا منع صلاة الخوف لكونها خاصة النبي صلى الله عليه وسلم وعشر صفات على القول الشهير فإنها باقية للأمراء.

الضمير في سَجَدُوا للطائفة المصلية والمعنى: فإذا سجدوا معك الركعة الأولى فلينصرفوا، هذا على بعض الهيئات المروية والمعنى: فإذا سجدوا ركعة القضاء وهذا على هيئة سهل بن أبي حثمة، والضمير في قوله: فَلْيَكُونُوا يحتمل أن يكون للذين سجدوا ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة أولا بإزاء العدو ويجيء الكلام وصاة في حال الحذر والحرب، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق «فلتقم» بكسر اللام، وقرأ الجمهور وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ بالتاء، وقرأ أبو حيوة «وليأت» بالياء، وقوله تعالى: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية إخبار عن معتقد القوم وتحذير من الغفلة، لئلا ينال العدو أمله. وأسلحة جمع سلاح، وفي قوله تعالى:

مَيْلَةً واحِدَةً بناء مبالغة أي مستأصلة لا يحتاج معها إلى ثانية، وقوله تعالى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ الآية ترخيص، قال ابن عباس: نزلت بسبب عبد الرحمن بن عوف، كان مريضا فوضع سلاحه فعنفه بعض الناس.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنهم تلقوا الأمر بأخذ السلاح على الوجوب، فرخص الله تعالى في هاتين الحالتين، وينقاس عليهما كل عذر يحدث في ذلك الوقت، ثم قوى الله تعالى نفوس المؤمنين بقوله إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.

قوله تعالى:

﴿ ١٠٢