١٢٢وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (١٢٢) قوله: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ معناه أصرفهم عن طريق الهدى، وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ لأسولن لهم. قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: وهذا لا ينحصر إلى نوع واحد من الأمنية، لأن كل واحد في نفسه إنما تمنيه بقدر نصبته وقرائن حاله، ومنه قوله عليه السلام: «إن الشيطان يقول لمن يركب ولا يذكر الله: تغن، فإن لم يحسن قال له تمن» ، واللامات كلها للقسم، «والبتك» : القطع. وكثر الفعل إذ القطع كثير على أنحاء مختلفة، وإنما كنى عز وجل عن البحيرة والسائبة ونحوه مما كانوا يثبتون فيه حكما، بسبب آلهتهم وبغير ذلك، وقرأ أبو عمرو بن العلاء وَلَآمُرَنَّهُمْ بغير ألف، وقرأ أبيّ «وأضلهم وأمنيهم وأمرهم» واختلف في معنى «تغيير خلق الله» ، فقال ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم: أراد: يغيرون دين الله، وذهبوا في ذلك إلى الاحتجاج بقوله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: ٣٠] أي لدين الله، والتبديل يقع موضعه التغيير، وإن كان التغيير أعم منه، وقالت فرقة: «تغيير خلق الله» هو أن الله تعالى خلق الشمس والنار والحجارة وغيرها من المخلوقات ليعتبر بها وينتفع بها، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة، وقال ابن عباس أيضا وأنس وعكرمة وأبو صالح: من تغيير خلق الله الإخصاء، والآية إشارة إلى إخصاء البهائم وما شاكله، فهي عندهم أشياء ممنوعة، ورخص في إخصاء البهائم جماعة إذا قصدت به المنفعة، إما السمن أو غيره، ورخصها عمر بن عبد العزيز في الخيل، وقال ابن مسعود والحسن: هي إشارة إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن، فمن ذلك الحديث: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والموشومات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات خلق الله» . ومنه قوله عليه السلام، «لعن الله الواصلة والمستوصلة» ، وملاك تفسير هذه الآية: أن كل تغيير ضار فهو في الآية، وكل تغيير نافع فهو مباح، ولما ذكر الله تعالى عتو الشيطان وما توعد به من بث مكره، حذره تبارك وتعالى عباده، بأن شرط لمن يتخذه وليا جزاء الخسران، وتصور الخسران إنما هو بأن أخذ هذا المتخذ حظ الشيطان، فكأنه أعطى حظ الله تبارك وتعالى فيه وتركه من أجله. وقوله تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ: يعدهم بأباطيله من المال والجاه، وأن لا بعث ولا عقاب ونحو ذلك لكل أحد ما يليق بحاله. ويمنيهم كذلك، ثم ابتدأ تعالى الخبر عن حقيقة ذلك بقوله: وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً. ثم أخبر تعالى بمصير المتخذين الشيطان وليا وتوعدهم بأن مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ، ولا يدافعونها بحيلة، ولا يعدلون عنها. ولا ينحرفون ولا يتروغون، و «المحيص» مفعول من حاص إذا راغ ونفر، ومنه قول الشاعر [جعفر بن علبة الحارثي] : [الطويل] ولم أدر إن حصنا من الموت حيصة ... كم العمر باق والمدى متطاول ومنه الحديث، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، يقال حاص الرجل من كذا، وجاض بالجيم والضاد المنقوطة إذا راغ بنفور، ولغة القرآن الحاء والصاد غير منقوطة. ولما أخبر تعالى عن الكفار الذين يتخذون الشيطان وليا، وأعلم بغرور وعد الشيطان لهم، وأعلم بصيور أمرهم وأنه إلى جهنم، فاقتضى ذلك كله التحذير، أعقب ذلك- عز وجل- بالترغيب في ذكره حالة المؤمنين، وأعلم بصيور أمرهم وأنه إلى النعيم المقيم، وأعلم بصحة وعده تعالى لهم، ثم قرر ذلك بالتوقيف عليه في قوله وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا والقيل والقول واحد، ونصبه على التمييز، وقرأت فرقة «سندخلهم» بالنون وقرأت فرقة «سيدخلهم» بالياء، ووَعْدَ اللَّهِ نصب على المصدر. وحَقًّا مصدر أيضا مؤكد لما قبله. قوله تعالى: |
﴿ ١٢٢ ﴾