١٥٣

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣)

لما ذكر الله تعالى أن المفرقين بين الرسل هم الكافرون حقا، عقب ذلك بذكر المؤمنين بالله ورسله جميعا. وهم المؤمنون بمحمد عليه السلام ليصرح بوعد هؤلاء كما صرح بوعيد أولئك، فبين الفرق بين المنزلتين، وقرأ بعض السبعة «سوف يؤتيهم» بالياء أي يؤتيهم الله، وقرأ الأكثر «سوف نؤتيهم» بالنون، منهم ابن كثير ونافع وأبو عمرو، واختلف المتأولون في كيفية سؤال أهل الكتاب لمحمد عليه السلام أن ينزل عليهم كتابا من السماء، فقال السدي: قالت اليهود: يا محمد إن كنت صادقا فجىء بكتاب من السماء كما جاء موسى بكتاب، وقال محمد بن كعب القرظي: قد جاء موسى بألواح فيها التوراة فجيء أنت بألواح فيها كتابك، وقال قتادة: بل سألوه أن يأتي بكتاب خاص لليهود، يأمرهم فيه بالإيمان بمحمد، وقال ابن جريج: قالت اليهود: يا محمد لن نتابعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله إلى فلان وإلى فلان أنك رسول الله.

قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: فقول ابن جريج يقتضي أن سؤالهم كان على نحو سؤال عبد الله بن أبي أمية المخزومي القرشي، ثم قال تعالى فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ على جهة التسلية لمحمد عليه السلام، وعرض الأسوة، وفي الكلام متروك يدل عليه المذكور، تقديره: فلا تبال يا محمد عن سؤالهم وتشططهم فإنها عادتهم، فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ، وقرأ جمهور الناس «أكبر» بالباء المنقوطة بواحدة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «أكثر» بالثاء المثلثة، وجمهور الناس «أكبر» بالباء المنقوطة بواحدة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «أكثر» بالثاء المثلثة، وجمهور المتأولين على أن جَهْرَةً معمول ل أَرِنَا، أي: حتى نراه جهارا أي عيانا رؤية منكشفة بينة، وروي عن ابن عباس أنه كان يرى أن جَهْرَةً معمول لقالوا، أي قالوا جهرة منهم وتصريحا أَرِنَا اللَّهَ.

قال القاضي أبو محمد: وأهل السنة معتقدون أن هؤلاء لم يسألوا محالا عقلا، لكنه محال من جهة الشرع، إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى في هذه الحياة الدنيا، والرؤية في الآخرة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر المتواتر، وهي جائزة عقلا دون تحديد ولا تكييف ولا تحيز، كما هو تعالى معلوم لا كالمعلومات كذاك هو مرئي لا كالمرئيات، هذه حجة أهل السنة وقولهم، ولقد حدثني أبي رضي الله عنه عن أبي عبد الله النحوي أنه كان يقول عند تدريس هذه المسألة: مثال العلم بالله حلق لحا المعتزلة في إنكارهم الرؤية، والجملة التي قالت أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً هي التي مضت مع موسى لحضور المناجاة، وقد تقدم قصصها في سورة البقرة، وقرأ جمهور الناس «فأخذتهم الصاعقة» وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي «الصعقة» والمعنى يتقارب، إذ ذلك كله عبارة عن الوقع الشديد من الصوت يصيب الإنسان بشدته وهو له خمود وركود حواس، وبِظُلْمِهِمْ هو تعنتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه. وقوله تعالى: قد كان من أمرهم أن اتخذوا العجل، وذلك أن اتخاذ العجل كان عند أمر المضي للمناجاة، فلم يكن الذين صعقوا ممن اتخذوا العجل، لكن الذين اتخذوه كانوا قد جاءتهم البينات في أمر إجازة البحر وأمر العصا وغرق فرعون وغير ذلك، وقوله تعالى: فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ يعني بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم، ثم وقع العفو عن الباقين منهم، و «السلطان» الحجة.

قوله تعالى:

﴿ ١٥٣