٨١

كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)

ذم الله تعالى هذه الفرقة الملعونة بأنهم كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ أي إنهم كانوا يتجاهرون بالمعاصي وإن نهى منهم ناه فعن غير جد، بل كانوا لا يمتنع الممسك منهم عن مواصلة العاصي ومؤاكلته وخلطته، وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على ذنب نهاه عنه تعزيرا، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون خليطه وأكيله، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى، قال ابن مسعود:

وكان رسول الله متكئا فجلس، وقال: لا والله حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا.

قال القاضي أبو محمد: والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه ونهى بمعروف وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه وأن لا يخالط ذا المنكر، وقال حذاق أهل العلم: ليس من شروط الناهي أن يكون سليما من المعصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا، وقال بعض الأصوليين فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضا. واستدل قائل هذه المقالة بهذه الآية، لأن قوله يَتَناهَوْنَ وفَعَلُوهُ يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي. وقوله تعالى: لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ اللام لام قسم، وجعل الزجاج ما مصدرية وقال: التقدير لبئس شيئا فعلهم.

قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر، وقال غيره ما نكرة موصوفة، التقدير: لبئس الشيء الذي كانوا يفعلون فعلا.

وقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: تَرى كَثِيراً يحتمل أن يكون رؤية قلب وعلى هذا فيحتمل أن يريد من الأسلاف المذكورين، أي ترى الآن إذا خبرناك، ويحتمل أن يريد من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان يرى ذلك من أمورهم ودلائل حالهم، ويحتمل أن تكون الرؤية رؤية عين فلا يريد إلا معاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أي قدمته للآخرة واجترحته، ثم فسر ذلك قوله تعالى: أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ف أَنْ سَخِطَ في موضع رفع بدل من ما، ويحتمل أن يكون التقدير هو أن سخط الله عليهم، وقال الزجاج: «أن» في موضع نصب ب أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

وقوله تعالى: والنَّبِيِّ إن كان المراد الأسلاف فالنبي داود وعيسى، وإن كان المراد معاصري محمد فالنبي محمد عليه السلام، والذين كفروا هم عبدة الأوثان، وخص الكثير منهم بالفسق إذ فيهم قليل قد آمن.

وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى: تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ كلام منقطع من ذكر بني إسرائيل وأنه يعني به المنافقين، وقال مجاهد رحمه الله: وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ آية يعني بها المنافقين.

قوله عز وجل:

﴿ ٨١