٣

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)

تقدم القول في فواتح السور، والْكِتابِ القرآن، ووصفه ب الْمُبِينِ قيل: من جهة أحكامه وحلاله وحرامه، وقيل: من جهة مواعظة وهداه ونوره، وقيل: من جهة بيان اللسان العربي وجودته إذ فيه ستة أحرف لم تجتمع في لسان- روي هذا القول عن معاذ بن جبل- ويحتمل أن يكون مبينا لنبوة محمد بإعجازه.

والصواب أنه «مبين» بجميع هذه الوجوه. والضمير في قوله: أَنْزَلْناهُ ل الْكِتابِ، والإنزال: إما بمعنى الإثبات، وإما أن تتصف به التلاوة والعبارة وقال الزجاج: الضمير في أَنْزَلْناهُ يراد به خبر يوسف.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وقوله: لَعَلَّكُمْ يحتمل أن تتعلق ب أَنْزَلْناهُ أي أنزلناه لعلكم، ويحتمل أن تتعلق بقوله: عَرَبِيًّا أي جعلناه عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، إذ هو لسانكم.

وقُرْآناً حال، وعَرَبِيًّا صفة له، وقيل: إن قُرْآناً بدل من الضمير- وهذا فيه نظر- وقيل:

قُرْآناً توطئة للحال وعَرَبِيًّا حال، وهذا كما تقول: مررت بزيد رجلا صالحا، وقوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ الآية، روى ابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا: لو قصصت علينا يا رسول الله، فنزلت هذه الآية، ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: لو حدثتنا يا رسول الله، فنزلت اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً [الزمر: ٢٣] .

والْقَصَصِ: الإخبار بما جرى من الأمور، كأن الأنباء تتبع بالقول، وتقتص بالأخبار كما يقتص الآخر، وقوله: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي بوحينا. والْقُرْآنَ نعت ل هذَا، ويجوز فيه البدل، وعطف البيان فيه ضعيف. وإِنْ هي المخففة من الثقيلة واللام في خبرها لام التأكيد- هذا مذهب البصريين- ومذهب أهل الكوفة أن إِنْ بمعنى ما، واللام بمعنى إلا. والضمير في قَبْلِهِ للقصص العام لما في جميع القرآن منه. ومن الْغافِلِينَ، أي عن معرفة هذا القصص. ومن قال: إن الضمير في قَبْلِهِ عائد على الْقُرْآنَ، جعل من الْغافِلِينَ في معنى قوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [الضحى: ٧] أي على طريق غير هذا الدين الذي بعثت به، ولم يكن عليه السّلام في ضلال الكفار ولا في غفلتهم لأنه لم يشرك قط، وإنما كان مستهديا ربه عز وجل موحدا، والسائل عن الطريق المتخير يقع عليه في اللغة اسم ضال.

قوله عز وجل:

﴿ ٣