٦٩

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩)

روي أنه لما ودعوا أباهم قال لهم: بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له: إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك ويشكر صنيعك معنا. وفي كتاب أبي منصور المهراني: أنه خاطبه بكتاب قرىء على يوسف فبكى.

وقوله: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها بمثابة قولهم: لم يكن في ذلك دفع قدر الله بل كان أربا ليعقوب قضاه. وطيبا لنفسه تمسك به وأمر بحبسه. فجواب لَمَّا في معنى قوله: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ وإِلَّا حاجَةً استثناء ليس من الأول.

وال حاجَةً هي أن يكون طيب النفس بدخولهم من أبواب متفرقة خوف العين. قال مجاهد: «الحاجة» :

خيفة العين، وقاله ابن إسحاق، وفي عبارتهما تجوز: ونظير هذا الفعل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سد كوة في قبر بحجر وقال: «إن هذا لا يغني شيئا ولكنه تطيب لنفس الحي» .

قال القاضي أبو محمد: وقوله- عندي- ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ معناه: ما رد عنهم قدرا، لأنه لو قضي أن تصيبهم عين لأصابتهم مفترقين أو مجتمعين، وإنما طمع يعقوب أن تصادف وصيته قدر السلامة فوصى وقضى بذلك حاجته في نفسه في أن يتنعم برجائه، أن تصادف القدر في سلامتهم.

ثم أثنى الله عز وجل على يعقوب بأنه لقن ما علمه الله من هذا المعنى، واندرج غير ذلك في العموم وقال إن أكثر الناس ليس كذلك، وقيل: معناه: إنه لعامل بما علمناه- قاله قتادة- وقال سفيان: من لا يعمل لا يكون عالما.

قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يعطيه اللفظ، اما انه صحيح في نفسه يرجحه المعنى، ومات تقتضيه منزلة يعقوب عليه السلام.

قال أبو حاتم: قرأ الأعمش لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ. ويحتمل أن يكون جواب لَمَّا في هذه الآية محذوفا مقدرا، ثم يخبر عن دخولهم أنه ما كانَ يُغْنِي ... الآية.

وقوله تعالى: وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ الآية. المعنى أنه لما دخل إخوة يوسف عليه ورأى أخاه شكر ذلك لهم- على ما روي- وضم إليه أخاه وآواه إلى نفسه: ومن هذه الكلمة المأوى. وكان بنيامين شقيق يوسف فآواه. وصورة ذلك- على ما روي عن ابن إسحاق وغيره- أن يوسف عليه السلام أمر صاحب ضيافته أن ينزلهم رجلين رجلين، فبقي يامين وحده، فقال يوسف: أنا أنزل هذا مع نفسي، ففعل وبات عنده وقال له: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ واختلف المتأولون في هذا اللفظ فقال ابن إسحاق وغيره: أخبره بأنه أخوه حقيقة واستكتمه، وقال له: لا تبال بكل ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم. وعلى هذا التأويل يحتمل أن يشير بقوله: بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إلى ما يعمله فتيان يوسف، من أمر السقاية ونحو ذلك ويحتمل أن يشير إلى ما عمله الإخوة قديما. وقال وهب بن منبه: إنما أخبره أنه أخوه في الود مقام أخيه الذاهب، ولم يكشف إليه الأمر بل تركه تجوز عليه الحيلة كسائر إخوته. وتَبْتَئِسْ- تفتعل- من البؤس، أي لا تحزن ولا تهتم، وهكذا عبر المفسرون.

قوله عز وجل:

﴿ ٦٩