٣الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣) تقدم القوم في الحروف المقطعة في أوائل السور والاختلاف في ذلك. وكِتابٌ رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذا كتاب، وهذا على أكثر الأقوال في الحروف المقطعة، وأما من قال فيها، إنها كناية عن حروف المعجم، ف كِتابٌ مرتفع بقوله: الر أي هذه الحروف كتاب أنزلناه إليك، وقوله: أَنْزَلْناهُ في موضع الصفة للكتاب. قال القاضي ابن الطيب وأبو المعالي وغيرهما: إن الإنزال لم يتعلق بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، لكن بالمعاني التي أفهمها الله تعالى جبريل عليه السلام من الكلام. وقوله: لِتُخْرِجَ أسند الإخراج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث له فيه المشاركة بالدعاء والإنذار، وحقيقته إنما هي لله تعالى بالاختراع والهداية. وفي هذه اللفظة تشريف للنبي عليه السلام. وعم النَّاسَ إذ هو مبعوث إلى جميع الخلق، ثبت ذلك بآيات القرآن التي اقترن بها ما نقل تواترا من دعوته العالم كله، ومن بعثته إلى الأحمر والأسود علم الصحابة ذلك مشاهدة، ونقل عنهم تواترا، فعلم قطعا والحمد لله. واستعير الظُّلُماتِ للكفر، والنُّورِ للإيمان، تشبيها. وقوله: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، أي بعلمه وقضائه به وتمكينه لهم.. وإِلَى في قوله: إِلى صِراطِ بدل من الأولى في قوله: إِلَى النُّورِ أي إلى المحجة المؤدية إلى طاعة الله وللإيمان به ورحمته، فأضافها إلى الله بهذه التعلقات. والْعَزِيزِ الْحَمِيدِ صفتان لائقتان بهذا الموضع، فالعزة من حيث الإنزال للكتاب، وما في ضمن ذلك من القدرة، واستيجاب الحمد من جهة بث هذه النعم على العالم في نصب هدايتهم. وقرأ نافع وابن عامر «الله الذي» برفع اسم الله على القطع والابتداء وخبره «الذي» ، ويصح رفعه على تقدير هو الله الذي. وقرأ الباقون بكسر الهاء على البدل من قوله: الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وروى الأصمعي وحده هذه القراءة عن نافع. وعبر بعض الناس عن هذا بأن قال: التقدير: إلى صراط الله العزيز الحميد، ثم قدم الصفات وأبدل منها الموصوف. قال القاضي أبو محمد: وإذا كانت هكذا فليست بعد بصفات على طريقة صناعة النحو، وإن كانت بالمعنى صفاته، ذكر معها أو لم يذكر. وقوله: وَوَيْلٌ معناه: وشدة وبلاء ونحوه. أي يلقونه من عذاب شديد ينالهم الله به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد في الدنيا، هذا معنى قوله: وَوَيْلٌ. وقال بعض: «ويل» اسم واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار. قال القاضي أبو محمد: وهذا خبر يحتاج إلى سند يقطع العذر، ثم لو كان هذا لقلق تأويل هذه الآية لقوله: مِنْ عَذابٍ وإنما يحسن تأوله في قوله: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: ١] وما أشبهه، وأما هنا فإنما يحسن في «ويل» أن يكون مصدرا، ورفعه على نحو رفعهم: سلام عليك وشبهه. والَّذِينَ بدل من الكافرين وقوله: يَسْتَحِبُّونَ من صفة الكافرين الذين توعدهم قبل، والمعنى: يؤثرون دنياهم وكفرهم وترك الإذعان للشرع على رحمة الله وسكنى جنته، وقوله: يَصُدُّونَ يحتمل أن يتعدى وأن يقف، والمعنى على كلا الوجهين مستقل، تقول: صد زيد وصد غيره، ومن تعديته قول الشاعر: [الوافر] صددت الكأس عنا أمّ عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا وسَبِيلِ اللَّهِ طريقة هداه وشرعه الذي جاء به رسوله. وقوله: وَيَبْغُونَها عِوَجاً يحتمل ثلاثة أوجه من التأويل: أظهرها أن يريد: ويطلبونها في حالة عوج منهم. ولا يراعى إن كانوا بزعمهم على طريق نظر وبسبيل اجتهاد واتباع الأحسن، فقد وصف الله تعالى حالهم تلك بالعوج، وكأنه قال: ويصدون عن سبيل الله التي هي بالحقيقة سبيله، ويطلبونها على عوج في النظر. والتأويل الثاني أن يكون المعنى: ويطلبون لها عوجا يظهر فيها، أي يسعون على الشريعة بأقوالهم وأفعالهم. ف عِوَجاً مفعول. والتأويل الثالث: أن تكون اللفظة من المعنى، على معنى: ويبغون عليها أو فيها عوجا، ثم حذف الجار، وفي هذا بعض القلق. وقال كثير من أهل اللغة: العوج- بكسر العين- في الأمور وفي الدين، وبالجملة في المعاني، والعوج- بفتح العين- في الأجرام. قال القاضي أبو محمد: ويعترض هذا القانون بقوله تعالى: فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه: ١٠٧] وقد تتداخل اللفظة مع الأخرى، ووصف «الضلال» بالبعد عبارة عن تعمقهم فيه. وصعوبة خروجهم منه. قوله عز وجل: |
﴿ ٣ ﴾