٨

بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨)

لما اقتضت الآية التي قبل هذه أنهم قالوا إن ما عنده سحر، عدد الله في هذه جميع ما قالته طوائفهم ووقع الإضراب بكل مقالة عن المتقدمة لها ليتبين اضطراب أمرهم، فهو إضراب عن جحد متقدم لأن الثاني ليس بحقيقة في نفسه، و «الأضغاث» الأخلاط وأصل الضغث القبضة المختلطة من العشب والحشيش، فشبه تخليط الحلم بذلك، وهو ما لا يتفسر ولا يتحصل، ثم حكى من قال قول شاعر وهي مقالة فرقة عامية منهم لأن نبلاء العرب لم يخف عليهم بالبديهة أن مباني القرآن ليست مباني شعر ثم حكى اقتراحهم وتمنيهم آية تضطرهم وتكون في غاية الوضوح كناقة صالح وغيرها، وقولهم كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ دال على معرفتهم بإتيان الرسل الأمم المتقدمة. وقوله تعالى: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مقدرا كلام يدل عليه المعنى، تقديره والآية التي طلبوا عادتنا أن القوم إن كفروا بها عاجلناهم. وما آمنت قرية من القرى التي نزلت بها هذه النازلة أفهذه كانت تؤمن وقوله تعالى: أَهْلَكْناها جملة في موضع الصفة ل قَرْيَةٍ والجملة إذا اتبعت النكرات فهي صفة لها وإذا اتبعت المعارف فهي أحوال منها، وقوله وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا رد على فرقة منهم كانوا يستبعدون أن يبعث الله من البشر رسولا يشف على نوعه من البشر بهذا القدر من الفضل، فمثل الله تعالى في الرد عليهم بمن سبق من الرسل من البشر، وقرأ الجمهور «يوحى» على بناء الفعل للمفعول، وقرأ حفص عن عاصم «نوحي» بالنون، ثم أحالهم على سؤال أَهْلَ الذِّكْرِ من حيث لم يكن عند قريش كتاب ولا إثارة من علم، واختلف الناس في أَهْلَ الذِّكْرِ من هم، فروى عبد الله بن سلام أنه قال أنا من أهل الذكر، وقالت فرقة هم أهل القرآن.

قال القاضي أبو محمد: وهذا موضع ينبغي أن يتأمل، وذلك أن الذكر هو كل ما يأتي من تذكير الله تعالى عباده فأهل القرآن أهل ذكر، وهذا ما أراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأما المحال على سؤالهم في هذه الآية فلا يصح أن يكونوا أهل القرآن في ذلك الوقت لأنهم كانوا خصومهم، وإنما أحيلوا على سؤال أخبار أهل الكتاب من حيث كانوا موافقين لهم على ترك الإيمان بمحمد عليه السلام فتجيء شهادتهم بأن الرسل قديما من البشر لا مطعن فيها لازمة لكفار قريش وقوله تعالى: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً قيل الجسد من الأشياء يقع على ما لا يتغذى، ومنه قوله تعالى: عِجْلًا جَسَداً [الأعراف: ١٤٨] .

فمعنى هذا ما جعلناهم أجسادا لا تتغذى، وقيل الجسد يعم المتغذي وغير المتغذي. والمعنى ما جعلناهم أجسادا وجعلناهم مع ذلك لا يأكلون الطعام كالجمادات أو كالملائكة، ف جَعَلْناهُمْ جَسَداً على التأويل الأول منفي، وعلى الثاني موجب، والنفي واقع على صفته. وقوله تعالى: لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ كناية عن الحدث، ثم نفى عنهم الخلد لأنه من صفات القديم وكل محدث فغير خالد في دار الدنيا.

قوله عز وجل:

﴿ ٨