٢٢أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢) أَلَمْ تَرَ تنبيه من رؤية القلب، وهذه آية إعلام بتسليم المخلوقات جمع لله وخضوعها، وذكر في الآية كل ما عبد الناس إذ في المخلوقات أعظم مما قد ذكر كالرياح والهواء ف مَنْ فِي السَّماواتِ الملائكة، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من عبد من البشر، وَالشَّمْسُ كانت تعبدها حمير وهم قوم بلقيس، والقمر كانت كنانة تعبده قاله ابن عباس، وكانت تميم تعبد الدبران، وكانت لخم تعبد المشتري، وكانت طيّىء تعبد الثريا وكانت قريش تعبد الشعرى، وكانت أسد تعبد عطارد، وكانت ربيعة تعبد المرزم، وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ منها النار وأصنام الحجارة والخشب، وَالدَّوَابُّ فيها البقر وغير ذلك مما عبد من الحيوان كالديك ونحوه، و «السجود» في هذه الآية هو بالخضوع والانقياد للأمر كما قال الشاعر «ترى الأكم فيه سجدا للحوافر» . وهذا مما يتعذر فيه السجود المتعارف، وقال مجاهد: سجود هذه الأشياء هو بظلالها، وقال بعضهم سجودها هو بظهور الصنعة فيها. ع: وهذا وهم وإنما خلط هذه الآية بآية التسبيح وهناك يحتمل أن يقال هي بآثار الصنعة، وقوله تعالى: وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ يحتمل أن يكون معطوفا على ما تقدم، أي وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ يسجد، أي كراهية وعلى رغمه إما بظله وإما بخضوعه عند المكاره ونحو ذلك، قاله مجاهد، وقال: سجوده بظله ويحتمل أن يكون رفعا بالابتداء مقطوعا مما قبله وكأن الجملة معادلة لقوله وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لأن المعنى أنهم مرحومون بسجودهم ويؤيد هذا قوله تعالى بعد ذلك وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ الآية وقرأ جمهور الناس «من مكرم» بكسر الراء، وقرأ ابن أبي عبلة بفتح الراء على معنى من موضع كرامة أو على أنه مصدر كمدخل، وقرأ الجمهور «والدوابّ» مشددة الباء، وقرأ الزهري وحده بتخفيف الباء وهي قليلة ضعيفة وهي تخفيف على غير قياس كما قالوا ظلت وأحست وكما قال علقمة: [البسيط] كأن إبريقهم ظبي على شرف ... مفدم بسبا الكتان ملثوم أراد بسبائب الكتان وأنشد أبو علي في مثله: [الكامل] حتى إذا ما لم أجد غير الشر ... كنت امرأ من مالك بن جعفر وهذا باب إنما يستعمل في الشعر فلذلك ضعفت هذه القراءة وقوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ الآية، اختلف الناس في المشار إليه بقوله هذانِ فقال قيس بن عباد وهلال بن يساف: نزلت هذه الآية في المتبارزين يوم بدر وهم ستة: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، برزوا لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي الله تعالى، وأقسم أبو ذر على هذا القول ع ووقع أن الآية فيهم في صحيح البخاري، وقال ابن عباس: الإشارة إلى المؤمنين وأهل الكتاب وذلك أنه وقع بينهم تخاصم فقالت اليهود نحن أقوم دينا منكم ونحو هذا، فنزلت الآية، وقال عكرمة: المخاصمة بين الجنة والنار، وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن بن أبي الحسن وعاصم والكلبي: الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم ع وهذا قول تعضده الآية، وذلك أنه تقدم قوله وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ المعنى هم مؤمنون ساجدون، ثم قال وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ ثم أشار إلى هذين الصنفين بقوله هذانِ خَصْمانِ والمعنى أن الإيمان وأهله والكفر وأهله خصمان مذ كانا إلى قيام الساعة بالعداوة والجدال والحرب، وقوله تعالى: خَصْمانِ يريد طائفتين لأن لفظة خصم هي مصدر يوصف به الجمع والواحد ويدل على أنه أراد الجمع قوله اخْتَصَمُوا فإنها قراءة الجمهور، وقرأ ابن أبي عبلة «اختصما في ربهم» وقوله فِي رَبِّهِمْ معناه في شأن ربهم وصفاته وتوحيده، ويحتمل أن يريد في رضاء ربهم وفي ذاته، ثم بين حكمي الفريقين فتوعد تعالى الكفار بعذاب جهنم، وقُطِّعَتْ معناه جعلت لهم بتقدير، كما يفصل الثوب، وروي أنها من نحاس وقيل ليس شيء من الحجارة والفلز أحر منه إذا حمي، وروي في صب الْحَمِيمُ وهو الماء المغلي أنه تضرب رؤوسهم ب «المقامع» فتنكشف أدمغتهم فيصب الْحَمِيمُ حينئذ، وقيل بل يصب الحميم أولا فيفعل ما وصف، ثم تضرب ب «المقامع» بعد ذلك، والْحَمِيمُ الماء المغلي، ويُصْهَرُ معناه يذاب، وقيل معناه يعصر وهذه العبارة قلقة، وقيل معناه ينضج ومنه قول الشاعر «تصهره الشمس ولا ينصهر» وإنما يشبه فيمن قال يعصر. أنه أراد الحميم يهبط كل ما يلقى في الجوف ويكشطه ويسلته، وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسلته ويبلغ به قدميه ويذيبه، ثم يعاد كما كان، وقرأ الجمهور «يصهر» وقرأت فرقة «يصهّر» بفتح الضاد وشد الهاء، و «المقمعة» بكسر الميم مقرعة من حديد يقمع بها المضروب، وقوله: أَرادُوا روي فيه أن لهب النار إذا ارتفع رفعهم فيصلون إلى أبواب النار فيريدون الخروج فيضربون ب «المقامع» وتردهم الزبانية و «من» في قوله مِنْها الابتداء الغاية، وفي قوله مِنْ غَمٍّ يحتمل أن تكون لبيان الجنس ويحتمل أن تكون لابتداء غاية أيضا وهي بدل من الأولى. وقوله: وَذُوقُوا هنا محذوف تقديره ويقال لهم: ذُوقُوا والْحَرِيقِ فعيل بمعنى مفعل أي محرق، وقرأ الجمهور «هذان» بتخفيض النون، وقرأ ابن كثير وحده «هذانّ» بتشديد النون، وقرأها شبل وهي لغة لبعض العرب في المبهمات، كاللذان، وهذان وقد ذكر ذلك أبو علي. قوله عز وجل: |
﴿ ٢٢ ﴾