٥١

وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١)

ذكر الله تعالى في هذه الآية تِسْعَةُ رجال كانوا من أوجه القوم وأفتاهم وأغناهم وكانوا أهل كفر ومعاص جمة، جملة أمرهم أنهم يُفْسِدُونَ وَلا يُصْلِحُونَ، قال عطاء بن أبي رباح: بلغني أنهم كانوا يقرضون الدنانير والدراهم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا نحو الأثر المروي: قطع الدنانير والدراهم من الفساد في الأرض، والْمَدِينَةِ مجتمع ثمود وقريتهم، و «الرهط» من أسماء الجمع القليلة، العشرة فما دونها رهط، ف تِسْعَةُ رَهْطٍ كما تقول تسعة رجال، وهؤلاء المذكورون كانوا أصحاب قدار عاقر الناقة وقد تقدم في غير هذا الموضع ما ذكر في أسمائهم، وقوله تَقاسَمُوا حكى الطبري أنه يجوز أن يكون فعلا ماضيا في موضع الحال كأنه قال متقاسمين أي متحالفين بالله، وكان في قوله لَنُبَيِّتَنَّهُ، ويؤيد هذا التأويل أن في قراءة عبد الله «ولا يصلحون تقاسموا» بسقوط قالُوا، ويحتمل وهو تأويل الجمهور أن يكون تَقاسَمُوا فعل أمر أشار بعضهم على بعض بأن يتحالفوا على هذا الفعل ب «صالح» ، ف تَقاسَمُوا هو قولهم على هذا التأويل وهذه الألفاظ الدالة على قسم أو حلف تجاوب باللام وإن لم يتقدم قسم ظاهر فاللام في لَنُبَيِّتَنَّهُ جواب ذلك، وقرأ جمهور القراء «لنبيتنه» بالنون، «ثم لنقولن» بنون وفتح اللام، وقرأ الأعمش وطلحة وابن وثاب «ليبيتنه» بالياء مضمومة فيهما «ثم ليقولن» بالياء وضم اللام، وفي قراءة عبد الله «ثم لتقسمن ما شهدنا» ، وقرأ حمزة والكسائي «لتبيتنه» بالتاء «ثم لتقولن» بالتاء وضم اللام وهي قراءة الحسن وحميد، فهذا ذكر الله فيه المعنى الذي أرادوه، لا بحسب لفظهم، وروي في قصص هذه الآية أن هؤلاء التسعة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة وقد أخبرهم صالح بمجيء العذاب اتفق هؤلاء التسعة فتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلا فيقتلوه وأهله المختصين به، قالوا فإن كان كاذبا في وعيده أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقا كنا قد عجلناه قبلنا وشفينا نفوسنا، قال الداودي. فجاؤوا واختفوا لذلك في غار قريب من داره، فروي أنه انحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعا، وروي أنه طبقت عليهم الغار فهلكوا فيه حين هلك قومهم، وكل فريق لا يعلم بما جرى على الآخر، وكانوا قد بنوا على جحود الأمر من قرابة صالح الذين يمكن أن يغضبوا له فهذا كان أمرهم، و «المكر» نحو الخديعة، وسمى الله تعالى عقوبتهم باسم ذنبهم وهذا مهيع ومنه قوله تعالى: يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥] وغير ذلك، وقرأ الجمهور «مهلك» بضم الميم وفتح اللام، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بفتحهما، وروي عنه فتح الميم وكسر اللام، و «العاقبة» حال تقتضيها البدأة وتؤدي إليها بواجب، ويعني بالأهل، كل من آمن معه قاله الحسن، وقرأ جمهور القراء «إنا دمرناهم» بكسر الألف، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «أنا دمرناهم» بفتح الهمزة وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق، ف كانَ على قراءة الكسر في الألف تامة، وإن قدرت ناقصة فخبرها محذوف أو يكون الخبر كَيْفَ مقدما لأن صدر الكلام لها ولا يعمل على هذا «انظر» ، في كَيْفَ لكن يعمل في موضع الجملة كلّها، وهي في قراءة الفتح ناقصة وخبرها «أنّا» ويجوز أن يكون الخبر كَيْفَ وتكون «أنّا» بدلا من العاقبة، ويجوز أن تكون كانَ تامة «وأنّا» بدلا من العاقبة، ووقع تقرير السؤال ب كَيْفَ عن جملة قوله كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وليس بمحض سؤال ولكنه حقه أن يسأل عنه، و «التدمير» الهلاك.

ويحتمل أن تتقدر كانَ تامة على قراءة الفتح، وغيره أظهر، وقرأ أبي بن كعب «أن دمرناهم» فهذه تؤيد قراءة الفتح في «أنا» .

قوله عز وجل:

﴿ ٥١