٤٩

وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩)

تقدم في الآية التي قبل هذه ما يتضمن نزول شرع وكتاب من عند الله على أنبياء قبل محمد عليه السلام فحسن لذلك عطف كَذلِكَ أَنْزَلْنا على ما في المضمر، أي وكما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا إليك، والْكِتابِ القرآن، وقوله فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يريد التوراة والإنجيل، أي فالذين كانوا في عصر نزول الكتاب وأوتوه حينئذ يُؤْمِنُونَ بِهِ أي كانوا مصدقين بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليك، فالضمير في بِهِ عائد على القرآن، ثم أخبر عن معاصري محمد صلى الله عليه وسلم أن منهم أيضا مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ولم يكونوا آمنوا بعد، ففي هذا إخبار بغيب بينه الوجود بعد ذلك، ثم أنحى على الجاحدين من أمة قد آمن سلفها في القديم وبعضها في الحديث، وحصل الجاحدون في أخس رتبة من الضلال، ويشبه أن يراد أيضا في هذا الإنحاء كفار قريش مع كفار بني إسرائيل، ثم بين تعالى الحجة على «المبطلين» المرتابين ما وضح أن مما يقوي نزول هذا القرآن من عند الله أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء به في غاية الإعجاز والطول والتضمن للغيوب وغير ذلك وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يتلو كتابا ولا يخط حرفا ولا سبيل له إلى العلم، فإنه لو كان ممن يقرأ لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ وكان لهم في ارتيابهم متعلق، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده، وقال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا لا يخط ولا يقرأ كتابا فنزلت هذه الآية، وذكر النقاش في تفسير هذه الآية عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب وأسند أيضا حديثا إلى أبي كبشة السلولي مضمنه أنه عليه السلام قرأ صحيفة لعيينة بن حصن وأخبر بمعناها.

قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا كله ضعيف، وقول الباجي رحمه الله منه، وقوله تعالى: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ إضراب عن مقدر من الكلام يقتضيه ما تقدم كأنه قال: ليس الأمر كما حسبوا بَلْ هُوَ وهذا الضمير يحتمل أن يعود على القرآن، ويؤيده أن في قراءة ابن مسعود «بل هي آيات» ، ويحتمل أن يعود على محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيده أن قتادة قرأ «بل هو آية بينة» على الإفراد، وقال: المراد النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يعود على أمر محمد صلى الله عليه وسلم في أنه لم يتل ولا خط، وبكل احتمال قالت فرقة، وكون هذا كله آياتٌ أي علامات فِي صُدُورِ العلماء من المؤمنين بمحمد، يراد به مع النظر والاعتبار. والظَّالِمُونَ والْمُبْطِلُونَ، قيل يعم لفظهما كل مكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم ولكن عظم الإشارة بهما إلى قريش لأنهم الأهم، قاله مجاهد، وقال قتادة: الْمُبْطِلُونَ اليهود.

قوله عز وجل:

﴿ ٤٩