٦الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور وفي ترتيب تِلْكَ مع كل قول منها، والْحَكِيمِ يصح أن يكون من الحكمة ويصح أن يكون من الحكم، وقرأ جمهور القراء «هدى ورحمة» بالنصب على الحال من المبهم، ولا يصح أن تكون من الْكِتابِ لأنه مضاف إليه، وقرأ حمزة والكسائي «هدى ورحمة» بالرفع على تقدير هو هدى، وخصصه لِلْمُحْسِنِينَ من حيث لهم نفعه وهم نظروه بعين الحقيقة وإلا فهو هدى في نفسه، وفي قراءة ابن مسعود «هدى وبشرى للمؤمنين» ، ثم وصف تعالى المحسنين بأنهم الذين عندهم اليقين بالبعث وبكل ما جاء به الرسول، وعندهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ومن صفتهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» الحديث. وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ روي أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء محمد صلى الله عليه وسلم وسبه فنزلت الآية في ذلك، وقيل إنه ابن خطل وروي عن أبي أمامة الباهلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شراء المغنيات وبيعهن حرام» وقرأ هذه الآية، وقال في هذا المعنى أنزلت علي هذه الآية، وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد، وقال الحسن لَهْوَ الْحَدِيثِ المعازف والغناء، وقال بعض الناس نزلت في النضر بن الحارث لأنه اشترى كتب رستم واسبندياد وكان يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثهم بتلك الأباطيل ويقول أنا أحسن حديثا من محمد، وقال قتادة: الشراء في هذه الآية مستعار، وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الأباطيل. قال الفقيه الإمام القاضي: فكأن ترك ما يجب فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لها على حد قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى [البقرة: ١٦، ١٧٥] ، وقد قال مطرف: شراء لَهْوَ الْحَدِيثِ استحبابه، قال قتادة ولعله لا ينفق فيه مالا ولكن سماعه هو شراؤه، وقال الضحاك لَهْوَ الْحَدِيثِ الشرك، وقال مجاهد أيضا لَهْوَ الْحَدِيثِ الطبل وهذا ضرب من الغناء. قال الفقيه الإمام القاضي: والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو حديث منضاف إلى كفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً، والتوعد بالعذاب المهين، وأما لفظة الشراء فمحتملة للحقيقة والمجاز على ما بينا، ولَهْوَ الْحَدِيثِ كل ما يلهي من غناء وخنى ونحوه، والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا يتخذوا الآيات هزوا ولا عليهم هذا الوعيد، بل ليعطل عبادة ويقطع زمانا بمكروه، وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة تروم تتميم ذلك النقص بالأحاديث وقد جعلوا الحديث من القربى، وقيل لبعضهم أتمل الحديث؟ قال: إنما يمل العتيق. قال الفقيه الإمام القاضي: يريد القديم المعاد، لأن الحديث من الأحاديث فيه الطرافة التي تمنع من الملل، وقرأ نافع وعاصم والحسن وجماعة «ليضل» بضم الياء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتحها، وفي حرف أبيّ «ليضل الناس عن سبيل الله» ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «ويتخذها» بالنصب عطفا على لِيُضِلَّ، وقرأ الباقون «ويتخذها» بالرفع عطفا على يَشْتَرِي، والضمير في يَتَّخِذَها يحتمل أن يعود على الْكِتابِ المذكور أولا ويحتمل أن يعود على السبيل، ويحتمل أن يعود على الأحاديث لأن الحديث اسم جنس بمعنى الأحاديث، وكذلك سَبِيلِ اللَّهِ اسم جنس ولكل وجه من الحديث وجه يليق به من السبيل. قوله عز وجل: |
﴿ ٦ ﴾