٣

تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣)

تَنْزِيلُ رفع بالابتداء، والخبر قوله: مِنَ اللَّهِ. وقالت فرقة: تَنْزِيلُ خبر ابتداء تقديره: هذا تنزيل، والإشارة إلى القرآن.

وقرأ ابن أبي عبلة: «تنزيل» بنصب اللام.

و: الْكِتابِ في قوله: تَنْزِيلُ الْكِتابِ قال المفسرون: هو القرآن، ويظهر إلى أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند الله من الكتب، فإنه أخبر إخبارا مجردا أن الكتب الهادية الشارعة إنما تنزيلها من الله، وجعل هذا الإخبار تقدمة وتوطئة لقوله: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ.

و: الْعَزِيزِ في قدرته. الْحَكِيمِ في ابتداعه. و: الْكِتابَ الثاني: هو القرآن لا يحتمل غير ذلك.

وقوله: بِالْحَقِّ يحتمل معنيين، أحدهما: أن يكون معناه متضمنا الحق، أي بالحق فيه وفي أحكامه وأخباره. والثاني: أن يكون بِالْحَقِّ بمعنى بالاستحقاق والوجوب وشمول المنفعة للعالم في هدايتهم ودعوتهم إلى الله.

وقوله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ يحتمل أن تكون الفاء عاطفة جملة من القول على جملة واصلة، ويحتمل أن يكون كالجواب، لأن قوله: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ جملة كأنه ابتداء وخبر، كما لو قال: الكتاب منزل، وفي الجمل التي هي ابتداء وخبر إبهام ما تشبه به الجزاء، فجاءت الفاء كالجواب، كما تقول: زيد قائم فأكرمه، ونحو هذا:

وقائلة خولان فانكح فتاتهم التقدير: هذه خولان. و: مُخْلِصاً حال. و: الدِّينَ نصب به. ومعنى الآية الأمر بتحقيق النية لله في كل عمل، والدِّينَ هنا يعم المعتقدات وأعمال الجوارح.

وقوله تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ بمعنى من حقه ومن واجباته لا يقبل غير هذا، وهذا كقوله:

فَلِلَّهِ الْحَمْدُ [الجاثية: ٣٦] ، أي واجبا ومستحقا. قال قتادة: الدِّينُ الْخالِصُ، لا إله إلا الله.

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا رفع بالابتداء، وخبره في المحذوف المقدر، تقديره: يقولون ما نعبدهم، وفي مصحف ابن مسعود: «قالوا ما نعبدهم» ، وهي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير.

و: أَوْلِياءَ يريد بذلك معبودين، وهذه مقالة شائعة في العرب، يقول كثير منهم في الجاهلية: الملائكة بنات الله ونحن نعبدهم ليقربونا، وطائفة منهم قالت ذلك في أصنامهم وأوثانهم. وقال مجاهد: قد قال ذلك قوم من اليهود في عزير، وقوم من النصارى في عيسى ابن مريم. وفي مصحف أبي بن كعب: «ما نعبدكم» بالكاف «إلا لتقربونا» بالتاء. وزُلْفى بمعنى قربى وتوصلة، كأنه قال: لتقربونا إلى الله تقريبا، وكأن هذه الطوائف كلها كانت ترى نفوسها أقل من أن تتصل هي بالله، فكانت ترى أن تتصل بمخلوقاته.

وزُلْفى عند سيبويه مصدر في موضع الحال، كأنه ينزل منزلة متزلفين، والعامل فيه لِيُقَرِّبُونا هذا مذهب سيبويه وفيه خلاف، وباقي الآية وعيد في الدنيا والآخرة قوله عز وجل:

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ هذه الآية إما أن يكون معناها أن الله لا يهدي الكاذب الكفار في حال كذبه وكفره، وإما أن يكون لفظها العموم ومعناها الخصوص فيمن ختم الله عليه بالكفر وقضى في الأزل أنه لا يؤمن أبدا، وإلا فقد وجد الكاذب الكفار قد هدى كثيرا.

وقرأ أنس بن مالك والجحدري: «كذب كفار» بالمبالغة فيهما، ورويت عن الحسن والأعرج ويحيى بن يعمر، وهذه المبالغة إشارة إلى المتوغل في الكفر، القاسي فيه الذي يظن به أنه مختوم عليه.

﴿ ٣