٥

لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥)

قوله تعالى: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ. معناه: اتخاذ التشريف والتبني، وعلى هذا يستقيم. قوله تعالى: لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ.

وأما الاتخاذ المعهود في الشاهد فمستحيل أن يتوهم في جهة الله تعالى، ولا يستقيم عليه معنى قوله: لَاصْطَفى وقوله: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً [مريم: ٩٢] لفظ يعم اتخاذ النسل واتخاذ الأصفياء، فأما الأول فمعقول، وأما الثاني فمعروف لخبر الشرع، ومما يدل على أن معنى قوله: أن يتخذ الاصطفاء والتبني قوله: مِمَّا يَخْلُقُ أي من موجوداته ومحدثاته. ثم نزه تعالى نفسه تنزيها مطلقا عن جميع ما لا يكون مدحة، واتصافه تعالى ب الْقَهَّارُ اتصاف على الإطلاق، لأن أحدا من البشر إن اتصف بالقهر فمقيد في أشياء قليلة، وهي في حين قهره لغيره مقهور لله تعالى عن أشياء كثيرة.

وقوله: بِالْحَقِّ معناه بالواجب الواقع موقعه الجامع للمصالح.

وقوله: يُكَوِّرُ معناه يعيد من هذا على هذا، ومنه كور العمامة التي يلتوي بعضها على بعض، فكأن الذي يطول من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزء فيستره، وكأن الآخر الذي يقصر يلج في الذي يطول فيستتر فيه، فيجيء يُكَوِّرُ على هذا معادلا لقوله: يُولِجُ [الحج: ٦١، لقمان: ٢٩، فاطر: ١٣، الحديد: ٦] ضدا له. وقال أبو عبيدة: هما بمعنى، وهذا من قوله تقرير لا تحرير، و «تسخير الشمس» دوامها على الجري واتساق أمرها على ما شاء الله تعالى، و «الأجل المسمى» يحتمل أن يكون يوم القيامة حين تنفسد البنية ويزول جري هذه الكواكب، ويحتمل أن يريد وقت مغيبها كل يوم وليلة، ويحتمل أن يريد أوقات رجوعها إلى قوانينها كل شهر في القمر وسنة في الشمس.

قوله عز وجل:

﴿ ٥