بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة غافر

هذه السورة مكية بإجماع، وقد روي في بعض آياتها أنها مدنية، وهذا ضعيف، والأول أصح. وهذه الحواميم التي روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ديباج القرآن ووقفه الزجاج على ابن مسعود، ومعنى هذه العبارة أنها خلت من الأحكام، وقصرت على المواعظ والزجر وطرق الآخرة محضا (وأيضا فهي قصار) لا يلحق فيها قارئها سآمة. وروي أن عبد الله بن مسعود روى أن النبي عليه السلام قال: «من أراد أن يرتع في رياض مونقة من الجنة فليقرأ الحواميم» ، وهذا نحو الكلام الأول في المعنى. وقال عليه السلام:

«مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب» .

قوله عز وجل:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١

انظر تفسير الآية:٥

٢

انظر تفسير الآية:٥

٣

انظر تفسير الآية:٥

٤

انظر تفسير الآية:٥

٥

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥)

تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وتلك الأقوال كلها تترتب في قوله: حم ويختص هذا الموضع بقول آخر، قاله الضحاك. والكسائي: إن حم هجاء «حمّ» بضم الحاء وشد الميم المفتوحة، كأنه يقول: حمّ الأمر ووقع تنزيل الكتاب من الله. وقال ابن عباس: الر [يونس: ١، هود: ١، إبراهيم: ١، يوسف: ١، الحجر: ١] و: حم [غافر: ١، فصلت: ١، الشورى: ١، الزخرف: ١، الدخان: ١، الجاثية: ١، الأحقاف: ١] و: ن [القلم: ١] هي حروف الرحمن مقطعة في سور. وقال القرظي أقسم الله بحلمه وملكه. وسأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن: حم ما هو؟ فقال بدء أسماء وفواتح سور.

وقرأ ابن كثير: بفتح الحاء، وروي عن أبي عمرو: كسر الحاء على الإمالة، وروي عن نافع:

الفتح، وروي عنه: الوسط بينهما، وكذلك اختلف عن عاصم، وروي عن عيسى كسر الحاء على الإمالة، وقرأ جمهور الناس: «حم» بفتح الحاء وسكون الميم، وقرأ عيسى بن عمر أيضا حم بفتح الحاء وفتح الميم الأخيرة في النطق، ولذلك وجهان: أحدهما التحريك للالتقاء مع الياء الساكنة، والآخر: حركة إعراب، وذلك نصب بفعل مقدر تقديره: «اقرأ حم» ، وهذا على أن تجري مجرى الأسماء، والحجة منه قول شريح بن أوفى العبسي: [الطويل]

يذكرني حم والرمح شاجر ... فهلا تلا حم قبل التقدم

وقول الكميت: [الطويل]

وجدنا لكم في آل حم آية ... تأولها منا تقيّ ومعرب

وقرأ أبو السمال: حم بفتح الحاء وكسر الميم الآخرة، وذلك لالتقاء الساكنين.

و: حم آية: و: تَنْزِيلُ رفع بالابتداء، والخبر في قوله: مِنَ اللَّهِ وعلى القول بأن حم إشارة إلى حروف المعجم يكون قوله: حم خبر ابتداء. و: الْكِتابِ القرآن.

وقوله: غافِرِ بدل من المكتوبة، وإن أردت ب غافِرِ المضي، أي غفرانه في الدنيا وقضاؤه بالغفران وستره على المذنبين، فيجوز أن يكون غافِرِ صفة، لأن إضافته إلى المعرفة تكون محضة، وهذا مترجح جدا، وإذا أردت ب غافِرِ الاستقبال أو غفرانه يوم القيامة فالإضافة غير محضة، و: غافِرِ نكرة فلا يكون نعتا، لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة، وفي هذا نظر. وقال الزجاج: غافِرِ وَقابِلِ صفتان. و: شَدِيدِ الْعِقابِ بدل، و: الذَّنْبِ اسم الجنس. وأما التَّوْبِ فيحتمل أن يكون مصدرا كالعوم والنوم فيكون اسم جنس، ويحتمل أن يكون جمع توبة كتمرة وتمر، وساعة وساع.

وقبول التوبة من الكافر مقطوع لإخبار الله تعالى، وقبول التوبة من العاصي في وجوبها قولان لأهل السنة، وحكى الطبري عن أبي بكر بن عياش أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني قتلت، فهل لي من توبة؟ فقال نعم، اعمل ولا تيأس، ثم قرأ هذه الآيات إلى قابِلِ التَّوْبِ. وشَدِيدِ الْعِقابِ: صفة، وقيل بدل. ثم عقب هذا الوعيد بوعد ثان في قوله: ذِي الطَّوْلِ أي ذي التطول والمن بكل نعمة فلا خير إلا منه، فترتب في الآية وعيد بين وعدين، وهكذا رحمة الله تغلب غضبه.

قال القاضي أبو محمد: سمعت هذه النزعة من أبي رضي الله عنه، وهي نحو من قول عمر رضي الله عنه: لن يغلب عسر يسريين يريد في قوله تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح: ٥- ٦] .

و: الطَّوْلِ الإنعام، ومنه: حليت بطائل. وحكى الثعلبي عن أهل الإشارة أنه تعالى: غافِرِ الذَّنْبِ فضلا، وَقابِلِ التَّوْبِ وعدا، وشَدِيدِ الْعِقابِ عدلا. وقال ابن عباس: الطَّوْلِ: السعة والغنى، ثم صدع بالتوحيد في قوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. وبالبعث والحشر في قوله: إِلَيْهِ الْمَصِيرُ.

وقوله: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ يريد جدالا باطلا، لأن الجدال فيها يقع من المؤمنين لكن في إثباتها وشرحها.

وقوله: فَلا يَغْرُرْكَ أنزله منزلة: «فلا يحزنك ولا يهمنك» ، لتدل الآية على أنهم ينبغي أن لا يغتروا بإملاء الله تعالى لهم، فالخطاب له والإشارة إلى من يقع منه الاغترار، ويحتمل أن يكون يَغْرُرْكَ بمعنى تظن أن وراء تقلبهم وإمهالهم خيرا لهم فتقول عسى أن لا يعذبوا وحل الفعل من الإدغام لسكون الحرف الثاني، وحيث هما متحركان لا يجوز الحل، لا تقول زيد يغررك. و: تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ عبارة عن تمتعهم بالمساكن والمزارع والأسفار وغير ذلك. ثم مثل لهم بمن تقدمهم من الأمم، أي كما حل بأولئك كذلك ينزل بهؤلاء. وَالْأَحْزابُ: يريد بهم عادا وثمود أو أهل مدين وغيرهم، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «برسولها» ، ردا على الأمة، وضمير الجماعة هو على معنى الأمة لا على لفظها.

وقوله: لِيَأْخُذُوهُ معناه ليهلكوه كما قال تعالى: فَأَخَذْتُهُمْ والعرب تقول للقتيل: أخيذ، وللأسير كذلك، ومنه قولهم: أكذب من الأخيذ الصبحان. وقال قتادة: لِيَأْخُذُوهُ معناه: ليقتلوه. ولِيُدْحِضُوا معناه: ليزلقوا وليذهبوا، والمدحضة المزلة والمزلقة.

وقوله: فَكَيْفَ كانَ عِقابِ تعجيب وتعظيم، وليس باستفهام عن كيفية وقوع الأمر.

قوله عز وجل:

٦

انظر تفسير الآية:٩

٧

انظر تفسير الآية:٩

٨

انظر تفسير الآية:٩

٩

وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩)

وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «كذلك سبقت كلمة» . والمعنى: كما أخذت أولئك المذكورين فأهلكتهم فكذلك حقت كلماتي على جميع الكفار من تقدم منهم ومن تأخر أنهم أهل النار وسكانها.

وقرأ نافع وابن عامر: «كلمات» على الجمع، وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وابن نصاح وقرأ الباقون: «كلمة» على الإفراد وهي للجنس، وهي قراءة أبي رجاء وقتادة، وهذه كلها عبارة عن ختم القضاء عليهم.

وقوله: أَنَّهُمْ بدل من كَلِمَةُ.

ثم أخبر تعالى بخبر يتضمن تشريف المؤمنين ويعظم الرجاء لهم، وهو أن الملائكة الحاملين للعرش والذين حول العرش، وهؤلاء أفضل الملائكة يستغفرون للمؤمنين ويسألون الله لهم الرحمة والجنة، وهذا معنى قوله تعالى في غير هذه الآية: كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا [الفرقان: ١٦] أي سألته الملائكة، وفسر في هذه الآية المجمل الذي في قوله تعالى في غير هذه الآية وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الشورى: ٥] لأنه معلوم أن الملائكة لا تستغفر لكافر، وقد يجوز أن يقال معنى ذلك أنهم يستغفرون للكفار، بمعنى طلب هدايتهم والمغفرة لهم بعد ذلك، وعلى هذا النحو هو استغفار إبراهيم لأبيه واستغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم للمنافقين. وبلغني أن رجلا قال لبعض الصالحين ادع لي واستغفر لي، فقال له: تب واتبع سبيل الله يستغفر لك من هو خير مني، وتلا هذه الآية. وقال مطرف بن الشخير: وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة، وأغش العباد للعباد الشياطين، وتلا هذه الآية. وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة سنة» وقرأت فرقة: «العرش» بضم العين، والجمهور على فتحها.

وقوله تعالى: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً نصب الرحمة على التمييز وفيه حذف تقديره:

يقولون، ومعناه: وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، وهذا نحو قولهم: تفقأت شحما وتصببت عرقا وطبت نفسا. وسبيل الله المتبعة: هي الشرائع.

وقرأ جمهور الناس: «جنات عدن» على جمع الجنات. وقرأ الأعمش في رواية المفضل: «جنة عدن» على الإفراد، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود. والعدن: الإقامة.

وقوله: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ روي عن سعيد بن جبير في تفسير ذلك: أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته فيقول: أين أبي؟ أين أمي؟ أين زوجتي؟ فيلحقون به لصلاحهم ولتنبيهه عليهم وطلبه إياهم، وهذه دعوة الملائكة: وقرأ عيسى بن عمر: «وذريتهم» بالإفراد.

وقوله: وَقِهِمُ أصله أوقهم، حذفت الواو اتباعا لحذفها في المستقبل، واستغني عن ألف الوصل لتحرك القاف، ومعناه: اجعل لهم وقاية تقيهم السَّيِّئاتِ، واللفظ يحتمل أن يكون الدعاء في دفع العذاب اللاحق من السَّيِّئاتِ، فيكون في اللفظ على هذا حذف مضاف، كأنه قال: وقهم جزاء السيئات.

قوله عز وجل:

١٠

انظر تفسير الآية:١٢

١١

انظر تفسير الآية:١٢

١٢

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)

ثم أخبر تعالى بحال الكفار وجعل ذلك عقب حال المؤمنين ليبين الفرق، وروي أن هذه الحال تكون للكفار عند دخولهم النار، فإنهم إذا أدخلوا فيها مقتوا أنفسهم، أي مقت بعضهم بعضا. ويحتمل أن يمقت كل واحد نفسه، فإن العبارة تحتمل المعنيين، والمقت هو احتقار وبغض عن ذنب وريبة. هذا حده، وإذا مقت الكفار أنفسهم نادتهم ملائكة العذاب على جهة التوبيخ، فيقولون لهم: مقت الله إياكم في الدنيا إذ كنتم تدعون إلى الإيمان فتكفرون أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ اليوم، هذا هو معنى الآية، وبه فسر مجاهد وقتادة وابن زيد. وأضاف المصدر إلى الفاعل في قوله: لَمَقْتُ اللَّهِ والمفعول محذوف لأن القول يقتضيه. واللام في قوله: لَمَقْتُ يحتمل أن تكون لام ابتداء، ويحتمل أن تكون لام القسم، وهذا أصوب. و: أَكْبَرُ خبر الابتداء، والعامل في: إِذْ فعل مضمر تقديره: مقتكم إذ، وقدره قوم اذكروا، وذلك ضعيف يحل ربط الكلام، اللهم إلا أن يقدر أن مقت الله لهم هو في الآخرة، وأنه أكبر من مقتهم أنفسهم، فيصح أن يقدر المضمر اذكروا، ولا يجوز أن يعمل فيه قوله: لَمَقْتُ لأن خبر الابتداء قد حال بين المقت وإِذْ، وهي في صلته، ولا يجوز ذلك.

واختلف المفسرون في معنى قولهم: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فقال ابن عباس وقتادة والضحاك وأبو مالك: أرادوا موته كونهم ماء في الأصلاب ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم الموت ثم أحياهم يوم القيامة، قالوا وهي كالتي في سورة البقرة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة: ٢٨] . وقال ابن زيد: أرادوا أنه أحياهم نسما عند أخذ العهد عليهم وقت أخذهم من صلب آدم ثم أماتهم بعد ذلك ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم ثم أحياهم، وهذا قول ضعيف، لأن الإحياء فيه ثلاث مرات.. وقال السدي: أرادوا أنه أحياهم في الدنيا ثم أماتهم تم أحياهم في القبر وقت سؤال منكر ونكير، ثم أماتهم فيه ثم أحياهم في الحشر، وهذا أيضا يدخله الاعتراض الذي في القول قبله، والأول أثبت الأقوال. وقال محمد بن كعب القرظي: أرادوا أن الكافر في الدنيا هو حي الجسد ميت القلب فكأن حالهم في الدنيا جمعت إحياء وإماتة، ثم أماتهم حقيقة ثم أحياهم بالبعث.

والخلاف في هذه الآية مقول كله في آية سورة البقرة، وهذه الآية يظهر منها أن معناها منقطع من معنى قوله تعالى: إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ وليس الأمر كذلك، بل الآيتان متصلتا المعنى، وذلك أن كفرهم في الدنيا كان أيضا بإنكارهم البعث واعتقادهم أنه لا حشر ولا عذاب، ومقتهم أنفسهم إنما عظمه، لأن هذا المعتقد كذبهم، فلما تقرر مقتهم لأنفسهم ورأوا خزيا طويلا عريضا رجعوا إلى المعنى الذي كان كفرهم به وهو البعث وخرج الوجود مقترنا بعذابهم فأقروا به على أتم وجوهه، أي قد كنا كفرنا بإنكارنا البعث ونحن اليوم نقر أنك أحييتنا اثنتين وأمتنا اثنتين، كأنهم قصدوا تعظيم قدرته تعالى واسترضاءه بذلك، ثم قالوا عقب هذا الإقرار طمعا منهم، فها نحن معترفون بذنوبنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ؟ وهذا كما تكلف إنسانا أن يقر لك بحق وهو ينكرك، فإذا رأى الغلبة وضرع أقر بذلك الأمر متمما أوفى مما كنت تطلب به أولا، وفيما بعد قولهم: فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر، تقديره: لا إسعاف لطلبتكم أو نحو هذا من الرد والزجر.

وقوله تعالى: ذلِكُمْ يحتمل أن يكون إشارة إلى العذاب الذي هم فيه، ويحتمل أن يكون إشارة إلى مقت الله إياهم، ويحتمل أن يكون إشارة إلى مقتهم أنفسهم، ويحتمل أن تكون إشارة إلى المنع والزجر والإهانة التي قلنا إنها مقدرة محذوفة الذكر لدلالة ظاهر القول عليها، ويحتمل أن تكون المخاطبة ب ذلِكُمْ لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم فى الدنيا، ويحتمل أن تكون في الآخرة للكفار عامة.

وقوله: إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ معناه: بحالة توحيد ونفي لما سواه من الآلهة والأنداد.

وقوله: وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ أي إذا ذكرت اللات والعزى وغيرهما صدقتم واستقرت نفوسكم، فالحكم اليوم بعذابكم وتخليدكم في النار، لا لتلك التي كنتم تشركونها معه في الألوهية. و: الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ صفتا مدح لا في المكان ومضادة السفل والصغر.

قوله عز وجل:

١٣

انظر تفسير الآية:١٧

١٤

انظر تفسير الآية:١٧

١٥

انظر تفسير الآية:١٧

١٦

انظر تفسير الآية:١٧

١٧

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧)

هذه ابتداء مخاطبة في معنى توحيد الله تعالى وتبيين علامات ذلك، وآيات الله: تعم آيات قدرته وآيات قرآنه والمعجزات الظاهرة على أيدي رسله. وتنزيل الرزق: هو في تنزيل المطر وفي تنزيل القضاء والحكم، قيل ما يناله المرء في تجارة وغير ذلك وقرأ جمهور الناس: «وينزل» بالتخفيف. وقرأ الحسن والأعرج وعيسى وجماعة: «وينزّل» بفتح النون وشد الزاي.

وقوله تعالى: وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ معناه: وما يتذكر تذكرا يعتد به وينفع صاحبه، لأنا نجد من لا ينيب يتذكر، لكن لما كان ذلك غير نافع عد كأنه لم يكن.

وقوله: فَادْعُوا اللَّهَ مخاطبة للمؤمنين أصحاب محمد عليه السلام. «وادعوا» : معناه: اعبدوا.

وقوله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ صفاته العلى، وعبر بما يقرب لأفهام السامعين، ويحتمل أن يريد ب رَفِيعُ الدَّرَجاتِ التي يعطيها للمؤمنين ويتفضل بها على عباده المخلصين في جنة. و: الْعَرْشِ هو الجسم المخلوق الأعظم الذي السماوات السبع والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض.

وقوله تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ قال الضحاك: الرُّوحَ هنا هو الوحي القرآن وغيره مما لم يتل.

وقال قتادة والسدي: الرُّوحَ النبوءة ومكانتها كما قال تعالى: رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢] ويسمى هذا روحا لأنه يحيي به الأمم والأزمان كما يحيي الجسد بروحه، ويحتمل أن يكون إلقاء الروح عاما لكل ما ينعم الله به على عباده المعتدين في تفهيمه الإيمان والمعتقدات الشريفة. والمنذر على هذا التأويل: هو الله تعالى. قال الزجاج: الرُّوحَ: كل ما به حياة الناس، وكل مهتد حي، وكل ضال كالميت.

وقوله: مِنْ أَمْرِهِ إن جعلته جنسا للأمور ف مِنْ للتبعيض أو لابتداء الغاية، وإن جعلنا الأمر من معنى الكلام، ف مِنْ إما لابتداء الغاية، وإما بمعنى الباء، ولا تكون للتبعيض بتة وقرأ أبي بن كعب:

وجماعة: «لينذر» بالياء وكسر الذال، وفي الفعل ضمير يحتمل أن يعود على الله تعالى، ويحتمل أن يعود على الرُّوحَ، ويحتمل أن يعود على مِنْ في قوله: مَنْ يَشاءُ. وقرأ محمد بن السميفع اليماني:

«لينذر» بالياء وفتح الذال، وضم الميم من «يوم» وجعل اليوم منذرا على الاتساع. وقرأ جمهور الناس:

«لتنذر» بالتاء على مخاطبة محمد عليه السلام، ويوم» بالنصب.

وقرأ أبو عمرو ونافع وجماعة: «التلاق» دون ياء. وقرأ أبو عمرو أيضا وعيسى ويعقوب: «التلاقي» بالياء، والخلاف فيها كالخلاف الذي مر في التَّنادِ [غافر: ٣٢] ، ومعناه: تلاقي جميع العالم بعضهم ببعض، وذلك أمر لم يتفق قبل ذلك اليوم، وقال السدي: معناه: تلاقي أهل السماء وأهل الأرض، وقيل معناه تلاقي الناس مع بارئهم، وهذا المعنى الأخير هو أشدها تخويفا، وقيل يلتقي المرء وعمله.

وقوله تعالى: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ معناه في براز من الأرض ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، ونصب يَوْمَ على البدل من الأول فهو نصب المفعول، ويحتمل أن ينصب على الظرف ويكون العامل فيه قوله: لا يَخْفى وهي حركة إعراب لا حركة بناء، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن كيومئذ، وكقول الشاعر [النابغة الذبياني] : [الطويل]

على حين عاتبت المشيب على الصبا ... وقلت ألمّا أصح والشيب وارع

وكقوله تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ [المائدة: ١١٩] وأما في هذه الآية فالجملة أمر متمكن كما تقول: جئت يوم زيد فلا يجوز البناء، وتأمل.

وقوله تعالى: لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ أي من بواطنهم وسرائرهم ودعوات صدورهم، وفي مصحف أبي بن كعب: «لا يخفى عليه منهم شيء» بضمير بدل المكتوبة.

وقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ روي أن الله تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعا، فيجيب هو نفسه بقوله: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ قال الحسن بن أبي الحسن هو تعالى السائل وهو المجيب.

وقال ابن مسعود: أنه تعالى يقرر فيجيب العالم بذلك، وقيل ينادي بالتقرير ملك فيجيب الناس.

قال القاضي أبو محمد: وإذا تأمل المؤمن أنه لا حول لمخلوق ولا قوة إلا بالله، فالزمان كله وأيام الدهر أجمع إنما الملك فيها لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، لكن ظهور ذلك للكفرة والجهلة يتضح يوم القيامة، وإذا تأمل تسخير أهل السماوات وعبادتهم ونفوذ القضاء في الأرض فأي ملك لغير الله عز وجل.

ثم يعلم تعالى أهل الموقف بأنه يوم المجازاة بالأعمال صالحها وسيئها، وهذه الآية نص في أن الثواب والعقاب معلق باكتساب العبيد، وأنه يوم لا يوضع فيه أمر غير موضعه، وذلك قوله: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ. ثم أخبرهم عن نفسه بسرعة الحساب، وتلك عبارة عن إحاطته بالأشياء علما، فهو يحاسب الخلائق في ساعة واحدة كما يرزقهم، لأنه لا يحتاج إلى عد وفكرة، لا رب غيره. وروي أن يوم القيامة لا ينتصف حتى يقيل المؤمنون في الجنة والكافرون في النار.

قوله عز وجل:

١٨

انظر تفسير الآية:٢١

١٩

انظر تفسير الآية:٢١

٢٠

انظر تفسير الآية:٢١

٢١

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٢١)

أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالإنذار للعالم والتحذير من يوم القيامة وأهواله، وهو الذي أراد ب يَوْمَ الْآزِفَةِ، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد: ومعنى الْآزِفَةِ: القريبة، من أزف الشيء إذا قرب، والْآزِفَةِ في الآية صفة لمحذوف قد علم واستقر في النفوس هوله، فعبر عنه بالقرب تخويفا، والتقدير:

يوم الساعة الآزفة أو الطامة الآزفة ونحو هذا فكما لو قال: وأنذرهم الساعة لعلم هولها بما استقر في النفوس من أمرها، فكذلك علم هنا إذا جاء بصفتها التي تقتضي حلولها واقترابها.

وقوله: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ معناه: عند الحناجر، أي قد صعدت من شدة الهول والجزع، وهذا أمر يحتمل أن يكون حقيقة يوم القيامة من انتقال قلوب البشر إلى حناجرهم وتبقى حياتهم، بخلاف الدنيا التي لا تبقى فيها لأحد مع تنقل قلبه حياة، ويحتمل أن يكون تجوزا عبر عما يجده الإنسان من الجزع وصعود نفسه وتضايق حنجرته بصعود القلب، وهذا كما تقول العرب: كادت نفسي أن تخرج، وهذا المعنى يجده المفرط الجزع كالذي يقرب للقتل ونحو.

وقوله: كاظِمِينَ حال مما أبدل منه قوله: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ أو مما تنضاف إليه القلوب، لأن المراد إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، وهذا كقوله تعالى: تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [القمر: ٨] أراد تشخص فيه أبصارهم، والكاظم: الذي يرد غيظه وجزعه في صدره، فمعنى الآية أنهم يطمعون برد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم. ثم أخبرهم تعالى أن الظالمين ظلم الكفر في تلك الحال ليس لهم حميم، أي قريب يحتم لهم ويتعصب، ولا لهم شفيع يطاع فيهم، وإن هم بعضهم بالشفاعة لبعض فهي شفاعة لا تقبل، وقد روي أن بعض الكفرة يقولون لإبليس يوم القيامة: اشفع لنا، فيقوم ليشفع، فتبدو منه أنتن ريح يؤذي بها أهل المحشر، ثم ينحصر ويكع ويخزى. و: يُطاعُ في موضع الصفة ل شَفِيعٍ، لأن التقدير: ولا شفيع يطاع، وموضع يُطاعُ يحتمل أن يكون خفضا حملا على اللفظ، ويحتمل أن يكون رفعا عطفا على الموضع قبل دخول مِنْ.

قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ.

وقوله: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ متصل بقوله: سَرِيعُ الْحِسابِ [غافر: ١٧] لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكرة ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. وقالت فرقة:

يَعْلَمُ متصل بقوله: لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [غافر: ١٦] ، وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية وكثرة الحائل. والخائنة: مصدر كالخيانة، ويحتمل في الآية أن يكون خائِنَةَ اسم فاعل، كما تقول: ناظرة الأعين إذا خانت في نظرها. وهذه الآية عبارة عن علم الله تعالى بجميع الخفيات، فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين أو النظرة التي تفهم معنى، أو يريد بها صاحبها معنى، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه عبد الله بن أبي سرح ليسلم بعد ردته بشفاعة عثمان، فتلكأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بايعه، ثم قال عليه السلام لأصحابه: «هلا قام إليه رجل حين تلكأت عليه فضرب عنقه؟» ، فقالوا يا رسول الله: ألا أومأت إلينا؟ فقال عليه السلام: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» . وفي بعض الكتب المنزلة من قول الله عز وجل: أنا مرصاد الهمم، أنا العالم بمجال الفكر وكسر الجفون. وقال مجاهد: خائِنَةَ الْأَعْيُنِ: مسارقة النظر إلى ما لا يجوز. ثم قوى تعالى هذه الأخبار بأنه يعلم ما تخفي الصدور مما لم يظهر على عين ولا غيرها، ومثل المفسرون في هذه الآية بنظر رجل إلى امرأة هي حرمة لغيره، فقالوا خائِنَةَ الْأَعْيُنِ: هي النظرة الثانية. وَما تُخْفِي الصُّدُورُ: أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن المرء دفعها، وهذا المثال جزء من خائِنَةَ الْأَعْيُنِ.

ثم قدح في جهة الأصنام، فأعلم أنه لا رب غيره يَقْضِي بِالْحَقِّ، أي يجازي الحسنة بعشر والسيئة بمثل، وينصف المظلوم من الظالم إلى غير ذلك من أقضية الحق والعدل، والأصنام لا تقضي بشيء ولا تنفذ أمرا. و: يَدْعُونَ معناه: يعبدون.

وقرأ جمهور القراء: «يدعون» بالياء على ذكر الغائب. وقرأ نافع بخلاف عنه. وأبو جعفر وشيبة:

«تدعون» بالتاء على معنى قل لهم يا محمد: والذين تدعون أنتم.

ثم ذكر تعالى لنفسه صفتين بين عرو الأوثان عنهما وهي في جهة الله تعالى عبارة عن الإدراك على إطلاقه، ثم أحال كفار قريش وهم أصحاب الضمير في يَسِيرُوا على الاعتبار بالأمم القديمة التي كذبت أنبياءها فأهلكها الله تعالى.

وقوله: فَيَنْظُرُوا يحتمل أن يجعل في موضع نصب جواب الاستفهام، ويحتمل أن يكون مجزوما عطفا على يَسِيرُوا. و: كَيْفَ في قوله: كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ خبر كانَ مقدم، وفي كَيْفَ ضمير، وهذا مع أن تكون كانَ الناقصة. وأما إن جعلت تامة بمعنى حدث ووقع، ف كَيْفَ ظرف ملغى لا ضمير فيه.

وقرأ ابن عامر وحده: «أشد منكم» بالكاف، وكذلك هي في مصاحف الشام، وذلك على الخروج من غيبة إلى الخطاب. وقرأ الباقون: «أشد منهم» وكذلك هي في سائر المصاحف، وذلك أوفق لتناسب ذكر الغيب.

والآثار في ذلك: هي المباني والمآثر والصيت الدنياوي، وذنوبهم كانت تكذيب الأنبياء. والواقي:

الساتر المانع، مأخوذ من الوقاية.

قوله عز وجل:

٢٢

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٣

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٤

انظر تفسير الآية:٢٥

٢٥

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥)

قوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى أخذه إياهم بذنوبهم وإن لم يكن لهم منه واق. ثم ذكر تعالى أن السبب في إهلاكهم هو ما قريش عليه من أن جاءهم رسول من الله بينات من المعجزات والبراهين فكفروا به، وذكر أن الله تعالى أخذهم، ووصف نفسه تعالى بالقوة وشدة العقاب، وهذا كله بيان في وعيد قريش.

ثم ابتدأ تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملإه، وهي قصة فيها للنبي صلى الله عليه وسلم تسلية وأسوة، وفيها لقريش والكفار به وعيد ومثال يخافون منه أن يحل بهم ما حل بأولئك من النقمة، وفيها للمؤمنين وعد ورجاء في النصر والظفر وحمد عاقبة الصبر، وآيات موسى عليه السلام كثيرة عظمها، والذي عرضه على جهة التحدي بالعصا واليد، ووقعت المعارضة في العصا وحدها ثم انفصلت القضية عن إيمان السحرة وغلبة الكافرين. والسلطان: البرهان.

وقرأ عيسى بن عمر: «سلطان» بضم اللام، والناس على سكونها.

وخص تعالى هامانَ وَقارُونَ بالذكر تنبيها على مكانهما من الكفر، ولكونهما أشهر رجال فرعون، وقيل إن قارون هذا ليس بقارون بني إسرائيل، وقيل هو ذلك، ولكنه كان منقطعا إلى فرعون خادما مستعينا معه.

وقوله: ساحِرٌ أي في أمر العصا. و: كَذَّابٌ في قوله: إني رسول من الله.

ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى بالنبوة والحق من عند الله، قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل أبناء بني إسرائيل أتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم، وأن يستحي النساء للخدمة والاسترقاق، وهذا رجوع منهم إلى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى، ولكن هذا الأخير لم تتم فيه عزمة، ولا أعانهم الله تعالى على شيء منه. قال قتادة: هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود، وسموا من ذكرنا من بني إسرائيل أبناء، كما تقول لأنجاد القبيلة أو المدينة وأهل الظهور فيها: هؤلاء أبناء فلانة.

وقوله تعالى: وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم الله تعالى على قتل أحد من بني إسرائيل ولا نجحت لهم فيه سعاية، بل أضل الله سعيهم وكيدهم.

قوله عز وجل:

٢٦

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٧

انظر تفسير الآية:٢٨

٢٨

وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨)

الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرت آيات موسى عليه السلام انهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره، وذلك بين من غير ما موضع من قصتهما، في هذه الآية على ذلك دليلان، أحدهما قوله: ذَرُونِي فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنفاذ أوامرهم. والدليل الثاني: مقالة المؤمن وما صدع به، وأن مكاشفته لفرعون أكثر من مسايرته، وحكمه بنبوة موسى أظهر من توريته في أمره. وأما فرعون فإنما لجأ إلى المخرقة والاضطراب والتعاطي، ومن ذلك قوله: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ أي إني لا أبالي عن رب موسى، ثم رجع إلى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم فقال: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ. والدين: السلطان، ومنه قول زهير:

لئن حللت بجوّ من بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «وأن» . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: «أو أن» ، ورجحها أبو عبيد بزيادة الحرف، فعلى الأولى خاف أمرين، وعلى الثانية: خاف أحد أمرين.

وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم والحسن وقتادة والجحدري وأبو رجاء ومجاهد وسعيد بن المسيب ومالك بن أنس: «يظهر» بضم الياء وكسر الهاء. «الفساد» نصيبا. وقرأ ابن كثير وابن عامر: «يظهر» بفتح الياء والهاء «الفساد» بالرفع على إسناد الفعل إليه، وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم والأعرج وعيسى والأعمش وابن وثاب. وروي عن الأعمش أنه قرأ: «ويظهر في الأرض الفساد» برفع الراء. وفي مصحف ابن مسعود: «ويظهر» بفتح الراء.

ولما سمع موسى عليه السلام مقالة فرعون- لأنه كان معه في مجلس واحد- دعا وقال: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ الآية. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر ببيان الذال. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي:

عُذْتُ بالإدغام، واختلف عن نافع، وفي مصحف أبي بن كعب: «عت» ، على الإدغام في الخط ثم حكى مقالة رجل مؤمن من آل فرعون وشرفه بالذكر، وخلد ثناءه في الأمم، سمعت أبي رضي الله عنه يقول: سمعت أبا الفضل الجوهري على المنبر وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة، فأطرق قليلا ثم رفع رأسه وأنشد [عدي بن زيد] : [الطويل]

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد

ماذا تريدون من قوم قرنهم الله بنبيه صلى الله عليه وسلم وخصهم بمشاهدته وتلقي الوحي منه؟ وقد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسره، فجعله الله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب رضي الله عنه جرد سيفه بمكة وقال: والله لا عبد الله سرا بعد اليوم.

وقرأت فرقة: «رجل» بسكون الجيم، كعضد وعضد، وسبع وسبع، وقراءة الجمهور بضم الجيم واختلف الناس في هذا الرجل، فقال السدي وغيره: كان من آل فرعون وأهله، وكان يكتم إيمانه، ف يَكْتُمُ على هذا في موضع الصفة دون تقديم وتأخير. وقال مقاتل: كان ابن عم فرعون. وقالت فرقة:

لم يكن من أهل فرعون. (وقالت فرقة: لم يكن من أهل فرعون) . بل من بني إسرائيل، وإنما المعنى:

وقال رجل يكتم إيمانه من آل فرعون، ففي الكلام تقديم وتأخير، والأول أصح، ولم يكن لأحد من بني إسرائيل أن يتكلم بمثل هذا عند فرعون، ويحتمل أن يكون من غير القبط، ويقال فيه من آل فرعون، إذ كان في الظاهر على دينه ومن أتباعه، وهذا كما قال أراكة الثقفي يرثي أخاه ويتعزى برسول الله صلى الله عليه وسلم: [الطويل]

فلا تبك ميتا بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر

يعني المسلمين إذ كانوا في طاعة أبي بكر الصديق.

وقوله: أَنْ يَقُولَ مفعول من أجله، أي لأجل أن يقول: وجلح معهم هذا المؤمن في هذه المقالات ثم غالطهم بعد في أن جعله في احتمال الصدق والكذب، وأراهم أنها نصيحة، وحذفت النون من: يَكُ تخفيفا على ما قال سيبويه وتشبيها بالنون في تفعلون وتفعلان على مذهب المبرد، وتشبيها بحرف العلة الياء والواو على مذهب أبي علي الفارسي وقال: كأن الجازم دخل على «يكن» وهي مجزومة بعد فأشبهت النون الياء من يقضي والواو من يدعو، لأن خفتها على اللسان سواء.

واختلف المتأولون في قوله: يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ فقال أبو عبيدة وغيره: بَعْضُ بمعنى كل، وأنشدوا قول القطامي عمرو بن شييم: [البسيط]

قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل

وقال الزجاج: هو إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر، وليس فيه نفي إضافة الكل. وقالت فرقة، أراد:

يصبكم بعض العذاب الذي يذكر، وذلك كاف في هلاككم، ويظهر إلي أن المعنى: يصبكم القسم الواحد مما يعد به، وذلك هو بعض ما يعد، لأنه عليه السلام وعدهم إن آمنوا بالنعيم وإن كفروا بالعذاب فإن كان صادقا فالعذاب بعض ما وعد به. وقالت فرقة: أراد ببعض ما يعدكم عذاب الدنيا، لأنه بعض عذاب الآخرة، أي وتصيرون بعد ذلك إلى الباقي وفي البعض كفاية في الإهلاك، ثم وعظهم هذا المؤمن بقوله:

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ قال السدي: معناه: مسرف بالقتل. وقال قتادة: مسرف بالكفر.

قوله عز وجل:

٢٩

انظر تفسير الآية:٣٣

٣٠

انظر تفسير الآية:٣٣

٣١

انظر تفسير الآية:٣٣

٣٢

انظر تفسير الآية:٣٣

٣٣

يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣)

قول هذا المؤمن: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ استنزال لهم ووعظ لهم من جهة شهواتهم وتحذير من زوال ترفتهم ونصيحة لهم في أمر دنياهم.

وقوله: فِي الْأَرْضِ يريد في أرض مصر وما والاها من مملكتهم. ثم قررهم على من هو الناصر لهم من بأس الله، وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون، ولذلك استكان هو ورجع يقول: ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى كما تقول لمن لا تحكم له.

وقوله: أُرِيكُمْ من رأى قد عدي بالهمزة، فللفعل مفعولان أحدهما الضمير في أُرِيكُمْ والآخر ما في قوله: إِلَّا ما وكأن الكلام أراكم ما أرى، ثم أدخل في صدر الكلام ما النافية وقلب معناها ب إِلَّا الموجبة تخصيصا وتأكيدا للأمر، وهذا كما تقول: قام زيد، فإذا قلت: ما قام إلا زيد أفدت تخصيصه وتأكيد أمره. وأَرى متعدية إلى مفعول واحد وهو الضمير الذي فيه العائد على ما، تقديره: إلا ما أراه، وحذف هذا المفعول من الصفة حسن لطول الصلة.

وقرأ الجمهور: الرَّشادِ مصدر رشد، وفي قراءة معاذ بن جبل: «سبيل الرشّاد» بشد الشين. قال أبو الفتح: وهو اسم فاعل في بنيته مبالغة وهو من الفعل الثلاثي رشد فهو كعباد من عبد. وقال النحاس: هو لحن وتوهمه من الفعل الرباعي وقوله مردود. قال أبو حاتم: كان معاذ بن جبل يفسرها سبيل الله. ويبعد عندي هذا على معاذ رضي الله عنه، وهل كان فرعون إلا يدعي أنه إله، ويقلق بناء اللفظة على هذا التأويل.

واختلف الناس من المراد بقوله: وَقالَ الَّذِي آمَنَ فقال جمهور المفسرين: هو المؤمن المذكور أولا، قص الله تعالى أقاويله إلى آخر الآيات. وقالت فرقة: بل كلام ذلك المؤمن قديم، وإنما أراد تعالى ب الَّذِي آمَنَ موسى عليه السلام، واحتجت هذه الفرقة بقوة كلامه، وأنه جلح معهم بالإيمان وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك، ولم يكن كلام الأول إلا بملاينة لهم.

وقوله: مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مثل يوم من أيامهم، لأن عذابهم لم يكن في يوم واحد ولا عصر واحد. والْأَحْزابِ: المتحزبون على أنبياء الله تعالى، ومِثْلَ الثاني بدل من الأول.

والدأب: العادة.

وقوله: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ أي من نفسه أن يظلمهم هو عز وجل، فالإرادة هنا على بابها، لأن الظلم منه لا يقع البتة، وليس معنى الآية أن الله لا يريد ظلم بعض العباد لبعض، والبرهان وقوعه، ومحال أن يقع ما لا يريده الله تعالى.

وقوله: يَوْمَ التَّنادِ معناه ينادي قوم قوما ويناديهم الآخرون. واختلف المتأولون في التَّنادِ المشار إليه، فقال قتادة: هو نداء أهل الجنة أهل النار فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا [الأعراف: ٤٤] ، ونداء أهل النار لهم: أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ [الأعراف: ٥٠] . وقالت فرقة: بل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء: ٧١] . وقال ابن عباس وغيره: هو التنادي الذي يكون بالناس عند النفخ في الصور نفخة الفزع في الدنيا وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم وينادي بعضهم بعضا، وروي هذا التأويل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة، ولها أجوبة بنداء وهي كثيرة منها ما ذكرناه، ومنها «يا أهل النار خلود لا موت» ، ومنها «يا أهل الجنة خلود لا موت» ، ومنها نداء أهل الغدرات والنداء لَمَقْتُ اللَّهِ [غافر: ١٠] ، والنداء لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر: ١٦] إلى غير ذلك.

وقرأت فرقة: «التناد» بسكون الدال في الوصل، وهذا على إجرائهم الوصل مجرى الوقف في غير ما موضع، وقرأ نافع وابن كثير: «التنادي» بالياء في الوصل والوقف وهذا على الأصل. وقرأ الباقون «التناد» بغير ياء فيهما، وروي ذلك عن نافع وابن كثير، وحذفت الياء مع الألف واللام حملا على حذفها مع معاقبها وهو التنوين. وقال سيبويه: حذفت الياء تخفيفا. وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو صالح والكلبي: «التنادّ» بشد الدال، وهذا معنى آخر ليس من النداء، بل هو من ند البعير إذا هرب، وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية، وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثا أن الله تعالى إذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفا بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب، فإذا رأى العالم هول القيامة وأخرجت جهنم عنقها إلى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين إلى كل جهة فتردهم الملائكة إلى المحشر خاسئين لا عاصم لهم، قالت هذه الفرقة، ومصداق هذا الحديث في كتاب الله تعالى قوله: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها [الحاقة: ١٧] وقوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢] وقوله تعالى: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ [الرحمن: ٣٣] .

وقوله تعالى: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ معناه: على بعض الأقاويل في التنادي تفرون هروبا من المفزع وعلى بعضها تفرون مدبرين إلى النار. والعاصم: المنجي.

قوله عز وجل:

٣٤

انظر تفسير الآية:٣٥

٣٥

وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)

قد قدمنا ذكر الخلاف في هذه الأقوال كلها، هل هي من قول مؤمني آل فرعون أو من قول موسى عليه السلام. وقالت فرقة من المتأولين منهم الطبري: يُوسُفُ المذكور هو يوسف بن يعقوب صلى الله عليه. وقالت فرقة: بل هو حفيده يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب. و «البينات» التي جاء بها يوسف لم تعين لنا حتى نقف على معجزاته. وروي عن وهب بن منبه أن فرعون موسى لقي يوسف، وأن هذا التقريع له كان. وروى أشهب عن مالك أنه بلغه أن فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة. وقالت فرقة:

بل هو فرعون آخر.

وقوله: قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا حكاية لرتبة قولهم لأنهم إنما أرادوا أن يجيء بعد هذا من يدعي مثل ما ادعى ولم يقر أولئك قط برسالة الأول ولا الآخر، ولا بأن الله يبعث الرسل فحكى رتبة قولهم، وجاءت عبارتهم مشنعة عليهم، ولذلك قال بإثر هذا: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ أي كما صيركم من الكفر والضلالة في هذا الحد فنحو ذلك هو إضلاله لصنعكم أهل السرف في الأمور وتعدي الطور والارتياب بالحقائق. وفي مصحف أبي بن كعب وابن مسعود: «قلتم لن يبعث الله» ، ثم أنحى لهم على قوم صفتهم موجودة في قوم فرعون، فكأنه أرادهم فزال عن مخاطبتهم حسن أدب واستجلابا، فقال الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أي بالإبطال لها والرد بغير برهان ولا حجة أتتهم من عند الله كبر مقت جدالهم عند الله، فاختصر ذكر الجدال لدلالة تقدم ذكره عليه، ورد الفاعل ب كَبُرَ نصيبا على التمييز كقولك: تفقأت شحما وتصببت عرقا. و: يَطْبَعُ معناه: يختم بالضلال ويحجب عن الهدى.

وقرأ أبو عمرو وحده والأعرج بخلاف عنه «على كلّ قلب» بالتنوين «متكبرا» على الصفة. وقرأ الباقون: «على كلّ قلب» بغير تنوين وبإضافته إلى «متكبر» . قال أبو علي: المعنى يطبع الله على القلوب إذ كانت قلبا قلبا من كل متكبر، ويؤكد ذلك أن في مصحف عبد الله بن مسعود: «على قلب كل متكبر جبار» .

قال القاضي أبو محمد: ويتجه أن يكون المراد عموم قلب المتكبر الجبار بالطبع أي لا ذرة فيه من إيمان ولا مقاربة فهي عبارة عن شدة إظلامه.

قوله عز وجل:

٣٦

انظر تفسير الآية:٤٠

٣٧

انظر تفسير الآية:٤٠

٣٨

انظر تفسير الآية:٤٠

٣٩

انظر تفسير الآية:٤٠

٤٠

وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠)

ذكر الله عز وجل مقالة فرعون حين أعيته الحيل في مقاومة موسى عليه السلام بحجة، وظهر لجميع المشاهدين أن ما يدعو إليه موسى من عبادة إله السماء حق، فنادى فرعون هامان وهو وزيره والناظر في أموره، فأمره أن يبني له بناء عاليا نحو السماء. و «الصرح» كل بناء عظيم شنيع القدر، مأخوذ من الظهور والصراحة، ومنه قولهم: صريح النسب، وصرح بقوله، فيروى أن هامان طبخ الآجر لهذا الصرح ولم يطبخ قبله، وبناه ارتفاع مائة ذراع فبعث الله جبريل فمسحه بجناحه فكسره ثلاث كسر، تفرقت اثنتان ووقعت ثالثة في البحر. وروي أن هامان لم يكن من القبط، وقيل: كان منهم. و: الْأَسْبابَ الطرق، قاله السدي.

وقال قتادة: أراد الأبواب وقيل: عنى لعله يجد مع قربه من السماء سببا يتعلق به.

وقرأ الجمهور: «فأطلع» بالرفع عطفا على «أبلغ» ، وقرأ حفص عن عاصم والأعرج: «فأطلع» بالنصب بالفاء في جواب التمني.

ولما قال فرعون بمحضر من ملإه فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى اقتضى كلامه الإقرار ب إِلهِ مُوسى، فاستدرك ذلك استدراكا قلقا بقوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً، ثم قال تعالى: وَكَذلِكَ زُيِّنَ أي إنه كما تخرق فرعون في بناء الصرح والأخذ في هذه الفنون المقصرة كذلك جرى جميع أمره. و: زُيِّنَ أي زين الشيطان سوء عمله في كل أفعاله.

وقرأ الجمهور: «وصد عن السبيل» بفتح الصاد بإسناد الفعل إلى فرعون. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وجماعة: «وصدّ» بضم الصاد وفتح الدال المشددة عطفا على زُيِّنَ وحملا عليه، وقرأ يحيى بن وثاب: «وصد» بكسر الصاد على معنى صد، أصله: صدد، فنقلت الحركة ثم أدغمت الدال في الدال. وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة بفتح الصاد ورفع الدال المشددة وتنوينها عطفا على قوله: سُوءُ عَمَلِهِ.

و: السَّبِيلِ سبيل الشرع والإيمان و «التباب» : الخسران، ومنه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: ١] وبه فسر مجاهد وقتادة. وتب فرعون ظاهر، لأنه خسر ماله في الصرح وغيره، وخسر ملكه وخسر نفسه وخلد في جهنم، ثم وعظ الذي آمن فدعا إلى اتباع أمر الله.

وقوله: اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ يقوي أن المتكلم موسى، وإن كان الآخر يحتمل أن يقول ذلك، أي اتبعوني في اتباعي موسى، ثم زهد في الدنيا وأخبر أنه شيء يتمتع به قليلا، ورغب في الآخرة إذ هي دار الاستقرار.

وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأبو رجاء وشيبة والأعمش: «يدخلون» بفتح الياء وضم الخاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والأعرج والحسن وأبو جعفر وعيسى:

«يدخلون» بضم الياء وفتح الخاء.

قوله عز وجل:

٤١

انظر تفسير الآية:٤٥

٤٢

انظر تفسير الآية:٤٥

٤٣

انظر تفسير الآية:٤٥

٤٤

انظر تفسير الآية:٤٥

٤٥

وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥)

قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالة لموسى أو لمؤمن آل فرعون. والدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده هو الدعاء إلى سبب النجاة فجعله دعاء إلى النجاة اختصارا واقتضابا، وكذلك دعاؤهم إياه إلى الكفر واتباع دينهم: هو دعاء إلى سبب دخول النار، فجعله دعاء إلى النار اختصارا، ثم بين عليهم ما بين الدعوتين من البون في أن الواحدة شرك وكفر، والأخرى دعوة إلى الإسناد إلى عزة الله وغفرانه.

وقوله: ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ليس معناه أني جاهل به، بل معناه العلم بأن الأوثان وفرعون وغيره ليس لهم مدخل في الألوهية، وليس لأحد من البشر علم بوجه من وجوه النظر بأن لهم في الألوهية مدخلا، بل العلم اليقين بغير ذلك من حدوثهم متحصل، و: لا جَرَمَ مذهب سيبويه والخليل أنها لا النافية دخلت على جَرَمَ، ومعنى: جَرَمَ ثبت ووجب، ومن ذلك جرم بمعنى كسب، ومنه قول الشاعر [أبو اسماء بن الضريبة] : [الكامل]

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جرمت فزارة بعدها من أن يغضبوا

أي أوجبت لهم ذلك وثبتته لهم، فكأن الكلام نفي للكلام المردود عليه ب لا، وإثبات للمستأنف ب جَرَمَ و «أن» على هذا النظر في موضع رفع ب جَرَمَ، وكذلك أَنَّ الثانية والثالثة، ومذهب جماعة من أهل اللسان أن لا جَرَمَ بمعنى لا بد ولا محالة، ف أَنَّ على هذا النظر في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي لا محالة بأن ما. و «ما» بمعنى الذي واقعة على الأصنام وما عبدوه من دون الله.

وقوله: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ أي قدر وحق يجب أن يدعى أحد إليه، فكأنه تدعونني إلى ما لا غناء له وبين أيدينا خطب جليل من الرد إلى الله. وأهل الإسراف والشرك: هم أصحاب النار بالخلود فيها والملازمة، أي فكيف أطيعكم مع هذه الأمور الحقائق، في طاعتكم رفض العمل بحسبها والخوف. قال ابن مسعود ومجاهد: المسرفون: سفاكو الدماء بغير حلها. وقال قتادة: هم المشركون. ثم توعدهم بأنهم سيذكرون قوله عند حلول العذاب بهم، وسوف بالسين، إذ الأمر محتمل أن يخرج الوعيد في الدنيا أو في الآخرة، وهذا تأويل ابن زيد. وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو فتح الياء من: «أمري» ، والضمير في:

فَوَقاهُ يحتمل أن يعود على موسى، ويحتمل أن يعود على مؤمن آل فرعون، وقال قائلو ذلك: إن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر، وفر في جملة من فر معه من المتبعين.

وقرأ عاصم: فَوَقاهُ اللَّهُ بالإمالة.

وَحاقَ معناه: نزل، وهي مستعملة في المكروه. و: سُوءُ الْعَذابِ الغرق وما بعده من النار وعذابها.

قوله عز وجل:

٤٦

انظر تفسير الآية:٥٠

٤٧

انظر تفسير الآية:٥٠

٤٨

انظر تفسير الآية:٥٠

٤٩

انظر تفسير الآية:٥٠

٥٠

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠)

قوله: النَّارُ رفع على البدل من قوله: سُوءُ [غافر: ٤٥] . وقالت فرقة: النَّارُ رفع بالابتداء وخبره: يُعْرَضُونَ. وقالت فرقة: هذا الغدو والعشي هو في الدنيا، أي في كل غدو وعشي من أيام الدنيا يعرض آل فرعون على النار. وروي في ذلك عن الهزيل بن شرحبيل والسدي: أن أرواحهم في أجواف طير سود تروح بهم وتغدو إلى النار، وقاله الأوزاعي حين قال له رجل: إني رأيت طيورا بيضا تغدو من البحر ثم ترجع بالعشي سودا مثلها، فقال الأوزاعي: تلك هي التي في حواصلها أرواح آل فرعون يحترق رياشها وتسود بالعرض على النار. وقال محمد بن كعب القرظي وغيره: أراد أنهم يعرضون في الآخرة على النار على تقدير ما بين الغدو والعشي، إذ لا غدو ولا عشي في الآخرة، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا وقوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يحتمل أن يكون يَوْمَ عطفا على عَشِيًّا، والعامل فيه يُعْرَضُونَ، ويحتمل أن يكون كلاما مقطوعا والعامل في: يَوْمَ أَدْخِلُوا، والتقدير: على كل قول يقال ادخلوا.

وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعرج وأبو جعفر وشيبة والأعمش وابن وثاب وطلحة: «أدخلوا» بقطع الألف. وقرأ علي بن أبي طالب وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم والحسن وقتادة: «ادخلوا» بصلة الألف على الأمر ل آلَ فِرْعَوْنَ على هذه القراءة منادى مضاف.

و: أَشَدَّ نصب على ظرفية.

والضمير في قوله: يَتَحاجُّونَ لجميع كفار الأمم، وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون، والعامل في إِذْ، فعل مضمر تقديره: واذكر. قال الطبري: وَإِذْ هذه عطف على قوله: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ [غافر: ١٨] وهذا بعيد.

قال القاضي أبو محمد: والمحاجة: التحاور بالحجة والخصومة.

و: الضُّعَفاءُ يريد في القدر والمنزلة في الدنيا. و: الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا هم أشراف الكفار وكبراؤهم، ولم يصفهم بالكبر إلا من حيث استكبروا، لأنهم من أنفسهم كبراء، ولو كانوا كذلك في أنفسهم لكانت صفتهم الكبر أو نحوه مما يوجب الصفة لهم. و «تبع» : قيل هو جمع واحده تابع، كغائب وغيب، وقيل هو مفرد يوصف به الجمع، كعدل وزور وغيره.

وقوله: مُغْنُونَ عَنَّا أي يحملون عنا كله ومشقته، فأخبرهم المستكبرون أن الأمر قد انجزم بحصول الكل منهم فيها وأن حكم الله تعالى قد استمر بذلك.

وقوله: كُلٌّ فِيها ابتداء وخبر، والجملة موضع خبر «إن» .

وقرأ ابن السميفع: «إنا كلّا» ، بالنصب على التأكيد.

ثم قال جميع من في النار لخزنتها وزبانيتها: ادْعُوا رَبَّكُمْ عسى أن يخفف عنا مقدار يوم من أيام الدنيا من العذاب، فراجعتهم الخزنة على معنى التوبيخ لهم. والتقرير: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ فأقر الكفار عند ذلك وقالوا بَلى، أي قد كان ذلك، فقال لهم الخزنة عند ذلك: فادعوا أنتم إذا، وعلى هذا معنى الهزء بهم، فادعوا أيها الكافرون الذين لا معنى لدعائهم. وقالت فرقة: وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ هو من قول الخزنة. وقالت فرقة: هو من قول الله تعالى إخبارا منه لمحمد صلى الله عليه وسلم، وجاءت هذه الأفعال على صيغة المضي، قال الناس الذين استكبروا وقال للذين في النار، لأنها وصف حال متيقنة الوقوع فحسن ذلك فيها.

قوله عز وجل:

٥١

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٢

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٣

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٤

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٥

انظر تفسير الآية:٥٦

٥٦

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)

أخبر الله تعالى أنه ينصر رسله والمؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال بعض المفسرين: وهذا خاص فيمن أظهره الله على أمته كنوح وموسى ومحمد وليس بعام، لأنا نجد من الأنبياء من قتله قومه كيحيى ولم ينصر عليهم، وقال السدي: الخبر عام على وجهه، وذلك أن نصرة الرسل واقعة ولا بد، إما في حياة الرسول المنصور كنوح وموسى، وإما فيما يأتي من الزمان بعد موته، ألا ترى إلى ما صنع الله ببني إسرائيل بعد قتلهم يحيى من تسليط بختنصر عليهم حتى انتصر ليحيى، ونصر المؤمنين داخل في نصر الرسل، وأيضا فقد جعل الله للمؤمنين الفضلاء ودا ووهبهم نصرا إذ ظلموا وحضت الشريعة على نصرهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «من رد عن أخيه المسلم في عرضه، كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم» ، وقوله عليه السلام: «من حمى مؤمنا من منافق يغتابه، بعث الله ملكا يحميه يوم القيامة» .

وقوله تعالى: وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يريد يوم القيامة.

وقرأ الأعرج وأبو عمرو بخلاف «تقوم» بالتاء. وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة: «يقوم» بالياء.

والْأَشْهادُ: جمع شاهد، كصاحب وأصحاب. وقالت فرقة: أشهاد: جمع شهيد، كشريف وأشراف.

و: يَوْمَ لا يَنْفَعُ بدل من الأول. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتادة وعيسى وأهل مكة «لا تنفع» بالتاء من فوق. وقرأ الباقون: «لا ينفع» بالياء، وهي قراءة جعفر وطلحة وعاصم وأبي رجاء، وهذا لأن تأنيث المعذرة غير حقيقي، وأن الحائل قد وقع، والمعذرة: مصدر يقع كالعذر. و: اللَّعْنَةُ: الإبعاد.

و: سُوءُ الدَّارِ فيه حذف مضاف تقديره: سوء عاقبة الدار.

ثم أخبر تعالى بقصة موسى وما أتاه من النبوة تأنيسا لمحمد عليه السلام، وضرب أسوة وتذكيرا لما كانت العرب تعرفه من أمر موسى، فيبين ذلك أن محمدا ليس ببدع من الرسل. و: الْهُدى النبوة والحكمة، والتوراة تعم جميع ذلك.

وقوله: وَأَوْرَثْنا عبر عن ذلك بالوراثة إذ كانت طائفة بني إسرائيل قرنا بعد قرن تصير فيهم التوراة إماما، فكان بعضهم يرثها عن بعض وتجيء التوراة في حق الصدر الأول منهم على تجوز. و: الْكِتابَ التوراة. ثم أمر نبيه عليه السلام بالصبر وانتظار إنجاز الوعد أي فستكون عاقبة أمرك كعاقبة أمره. وقال الكلبي: نسخت آية القتال الصبر حيث وقع.

وقوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ يحتمل أن يكون ذلك قبل إعلام الله إياه إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لأن آية هذه السورة مكية، وآية سورة الفتح مدنية متأخرة، ويحتمل أن يكون الخطاب في هذه الآية له والمراد أمته، أي إنه إذا أمر هو بهذا فغيره أحرى بامتثاله. وَالْإِبْكارِ والبكر: بمعنى واحد.

وقال الطبري: الْإِبْكارِ من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. وحكي عن قوم أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى. وقال الحسن: بِالْعَشِيِّ، يريد صلاة العصر وَالْإِبْكارِ: يريد به صلاة الصبح.

ثم أخبر تعالى عن أولئك الكفار الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان وهم يريدون بذلك طمسها والرد في وجهها أنهم ليسوا على شيء، بل في صدورهم وضمائرهم كبر وأنفة عليك حسدا منهم على الفضل الذي آتاك الله، ثم نفى أن يكونوا يبلغون آمالهم بحسب ذلك الكبر فقال: ما هُمْ بِبالِغِيهِ وهنا حذف مضاف تقديره: ببالغي إرادتهم فيه، وفي هذا النفي الذي تضمن أنهم لا يبلغون أملا تأنيس لمحمد عليه السلام. ثم أمره تعالى الاستعاذة بالله في كل أمره من كل مستعاذ منه، لأن الله يسمع أقواله وأقوال مخالفيه، وهو بصير بمقاصدهم ونياتهم، ويجازي كلّا بما يستوجبه، (والمقصد بأن يستعاذ منه عند قوم الكبر المذكور) ، كأنه قال: هؤلاء لهم كبر لا يبغون منه أملا، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من حالهم. وذكر الثعلبي: أن هذه الاستعاذة هي من الدجال وفتنته، والأظهر ما قدمناه من العموم في كل مستعاذ منه.

قوله عز وجل:

٥٧

انظر تفسير الآية:٦٠

٥٨

انظر تفسير الآية:٦٠

٥٩

انظر تفسير الآية:٦٠

٦٠

لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠)

قوله تعالى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ توبيخ لهؤلاء الكفرة المتكبرين، كأنه قال: مخلوقات الله أكبر وأجل قدرا من خلق البشر، فما لأحد منهم يتكبر على خالقه، ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة، فأعلم أن الذي خلق السماوات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى. والخلق على هذا التأويل مصدر مضاف إلى المفعول. وقال النقاش: المعنى مما يخلق الناس، إذ هم في الحقيقة لا يخلقون شيئا، فالخلق في قوله: مِنْ خَلْقِ النَّاسِ مضاف إلى الفاعل على هذا التأويل.

وقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يقتضي أن الأقل منهم يعلم ذلك، ولذلك مثل الأكثر الجاهل:

ب الْأَعْمى، والأقل العالم: ب الْبَصِيرُ، وجعل: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعادلهم قوله:

وَلَا الْمُسِيءُ وهو اسم جنس يعم المسيئين، وأخبر تعالى أن هؤلاء لا يستوون، فكذلك الأكثر الجهلاء من الناس لا يستوون مع الأقل الذين يعلمون.

وقرأ أكثر القراء والأعرج وأبو جعفر وشيبة والحسن: «يتذكرون» بالياء على الكناية عن الغائب. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وقتادة وطلحة وعيسى وأبو عبد الرحمن: «تتذكرون» بالتاء من فوق على المخاطبة.

والمعنى: قل لهم يا محمد. ثم جزم الإخبار بأن الساعة آتية، وهي القيامة المتضمنة للبعث من القبور والحساب بين يدي الله تعالى، واقتران الجمع إلى الجنة وإلى النار.

وقوله تعالى: لا رَيْبَ فِيها، أي في نفسها وذاتها، وإن وجد من العالم من يرتاب فيها فليست فيها في نفسها ريبة.

وقوله تعالى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ آية تفضل ونعمة ووعد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالإجابة عند الدعاء، وهذا الوعد مقيد بشرط المشيئة لمن شاء تعالى، لا أن الاستجابة عليه حتم لكل داع، لا سيما لمن تعدى في دعائه، فقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الذي قال: اللهم أعطني القصر الأبيض الذي عن يمين الجنة. وقالت فرقة: معنى: ادْعُونِي وأَسْتَجِبْ، معناه:

بالثواب والنصر، ويدل على هذا التأويل قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي ويحتج له لحديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة» وقرأ هذه الآية. وقال ابن عباس:

المعنى: وحدوني أغفر لكم. وقيل للثوري: ادع الله، فقال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.

وقرأ ابن كثير وأبو جعفر: «سيدخلون» بضم الياء وفتح الخاء. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وابن عامر والحسن وشيبة: بفتح الياء وضم الخاء، واختلف عن أبي عمرو وعن عاصم. والداخر: هو الصاغر الذليل.

قوله عز وجل:

٦١

انظر تفسير الآية:٦٤

٦٢

انظر تفسير الآية:٦٤

٦٣

انظر تفسير الآية:٦٤

٦٤

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤)

هذا تنبيه من الله تعالى على آيات وعبر، متى تأملها العاقل أدته إلى توحيد الله والإقرار بربوبيته.

وقوله تعالى: وَالنَّهارَ مُبْصِراً مجازه يبصر فيه، كما تقول: نهار صائم، وليل قائم.

وقوله تعالى: خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مخلوق، وما يستحيل أن يكون مخلوقا كالقرآن والصفات فليس يدخل في هذا العموم، وهذا كما قال تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ [الأحقاف: ٢٥] معناه كل شيء مبعوث لتدميره.

وقرأت فرقة: «تؤفكون» بالتاء، وقرأت فرقة: «يؤفكون» بالياء، والمعنى في القراءة الأولى قل لهم.

و: تُؤْفَكُونَ معناه: تصرفون على طريق النظر والهدى، وهذا تقرير بمعنى التوبيخ والتقريع، ثم قال لنبيه: كَذلِكَ يُؤْفَكُ أي على هذه الهيئة وبهذه الصفة صرف الله تعالى الكفار الجاحدين بآيات الله من الأمم المتقدمة على طريق الهدى، ثم بين تعالى نعمته في أن جعل الْأَرْضَ قَراراً ومهادا للعباد، وَالسَّماءَ بِناءً وسقفا.

وقرأ الناس: «صوركم» بضم الصاد. وقرأ أبو رزين: «صوركم» بكسر الصاد. وقرأت فرقة:

«صوركم» بكسر الواو على نحو بسرة وبسر.

وقوله تعالى: مِنَ الطَّيِّباتِ يريد من المستلذات طعما ولباسا ومكاسب وغير ذلك، ومتى جاء ذكر الطَّيِّباتِ بقرينة رَزَقَكُمْ ونحو فهو المستلذ، ومتى جاء بقرينة تحليل أو تحريم كما قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: ٣٢] وكما قال: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ [الأعراف: ١٥٧] والطيبات في مثل هذا: الحلال، وعلى هذا النظر يخرج مذهب مالك رحمه الله في الطيبات والخبائث، وقول الشافعي رحمه الله: إن الطيبات هي المستلذات، والخبائث، هي المستقذرات ضعيف ينكسر بمستلذات محرمة ومستقذرات محللة لا رد له في صدرها، وأما حيث وقعت الطيبات مع الرزق فإنما هي تعديد نعمة فيما يستحسنه البشر، لا سيما هذه الآية التي هي مخاطبة لكفار، فإنما عددت عليهم النعمة التي يعتقدونها نعمة، وباقي الآية بين.

قوله عز وجل:

٦٥

انظر تفسير الآية:٦٧

٦٦

انظر تفسير الآية:٦٧

٦٧

هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧)

لما سددت الآيات صفات الله تعالى التي تبين فساد حال الأصنام كان من أبينها أن الأصنام موات جماد، وأنه عز وجل الحي القيوم، وصدور الأمور من لدنه، وإيجاد الأشياء وتدبير الأمر دليل قاطع على أنه حي لا إله إلا هو.

وقوله: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كلام متصل مقتضاه: ادعوه مخلصين بالجهد، وبهذه الألفاظ قال ابن عباس: من قال لا إله إلا الله، فليقل على أثرها: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وقال نحو هذا سعيد بن جبير ثم قرأ هذه الآية.

ثم أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يصدع بأنه نهي عن عبادة الأصنام التي عبدها الكفار من دون الله، ووقع النهي لما جاءه الوحي والهدي من ربه تعالى. وأمر بالإسلام الذي هو الإيمان والأعمال. وقوله:

لِرَبِّ الْعالَمِينَ أي إن استسلم لرب العالمين واخضع له بالطاعة.

ثم بين تعالى أمر الوحدانية والألوهية بالعبرة في ابن آدم وتدريج خلقه، فأوله خلق آدم عليه السلام من تراب من طين لازب، فجعل البشر من التراب كما كان منسلا من المخلوق من التراب. وقوله تعالى:

مِنْ نُطْفَةٍ إشارة إلى التناسل من آدم فمن بعده. والنطفة: الماء الذي خلق المرء منه. والعلقة: الدم الذي يصير من النطفة. والطفل هنا: اسم جنس. وبلوغ الأشد: اختلف فيه: فقيل ثلاثون، وقيل ستة وثلاثون، وقيل أربعون، وقيل ستة وأربعون، وقيل عشرون، وقيل ثمانية عشر، وقيل خمسة عشر، وهذه الأقوال الأخيرة ضعيفة في الأشد.

وقوله تعالى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ عبارة تتردد في الأدراج المذكورة كلها، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلا، وآخرون قبل الأشد، وآخرون قبل الشيخوخة.

وقوله: وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى أي هذه الأصناف كلها مخلوقة ميسرة ليبلغ كل واحد منها أجلا مسمى لا يتعداه ولا يتخطاه ولتكون معتبرا. وَلَعَلَّكُمْ أيها البشر تَعْقِلُونَ الحقائق إذا نظرتم في هذا وتدبرتم حكمة الله تعالى.

قوله عز وجل:

٦٨

انظر تفسير الآية:٧٤

٦٩

انظر تفسير الآية:٧٤

٧٠

انظر تفسير الآية:٧٤

٧١

انظر تفسير الآية:٧٤

٧٢

انظر تفسير الآية:٧٤

٧٣

انظر تفسير الآية:٧٤

٧٤

هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (٧٤)

قوله تعالى: فَإِذا قَضى أَمْراً عبارة عن إنقاذ الإيجاد، وإخراج المخلوق من العدم وإيجاد الموجودات هو بالقدرة، واقتران الأمر بذلك: هو عظمة في الملك وتخضيع للمخلوقات وإظهار للقدرة بإيجاده، والأمر للموجد إنما يكون في حين تلبس القدرة بإيجاده لا قبل ذلك، لأنه حينئذ لا يخاطب في معنى الوجود والكون ولا بعد ذلك، لأن ما هو كائن لا يقال له كُنْ.

وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ظاهر الآية أنها في الكفار المجادلين في رسالة محمد والكتاب الذي جاء به بدليل قوله: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ. وهذا قول ابن زيد والجمهور من المفسرين. وقال محمد بن سيرين وغيره، قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمة، وروت هذه الفرقة في نحو هذا حديثا وقالوا هي في أهل القدر ومن جرى مجراهم، ويلزم قائلي هذه المقالة أن يجعلوا قوله تعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا كلاما مقطوعا مستأنفا في الكفار. الَّذِينَ ابتداء وخبره: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، ويحتمل أن يكون خبر الابتداء محذوفا والفاء متعلقة به.

وقوله تعالى: إِذِ الْأَغْلالُ يعني يوم القيامة، والعامل في الظرف يَعْلَمُونَ وعبر عن ظرف الاستقبال بظرف لا يقال إلا في الماضي، وذلك لما تيقن وقوع الأمر حسن تأكيده بالإخراج في صيغة المضي، وهذا كثير في القرآن كما قال تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة: ١١٦] قال الحسن بن أبي الحسن: لم تجعل السلاسل في أعناق أهل النار، لأنهم أعجزوا الرب، لكن لترسبهم إذا أطفاهم اللهب.

وقرأ جمهور الناس: «والسلاسل» عطفا على الْأَغْلالُ. وقرأ ابن عباس وابن مسعود:

«والسلاسل» بالنصب «يسحبون» بفتح الحاء وإسناد الفعل إليهم وإيقاع الفعل على «السلاسل» . وقرأت فرقة «والسلاسل» بالخفض على تقدير إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ، إذ ترتيبه فيه قلب، وهو على حد قول العرب: أدخلت القلنسوة في رأسي. وفي مصحف أبي بن كعب: «وفي السلاسل يسحبون» . و: يُسْحَبُونَ معناه يجرون، والسحب الجر.

والْحَمِيمِ: الذائب الشديد الحر من النار، ومنه يقال للماء السخن: حميم. و: يُسْجَرُونَ قال مجاهد معناه: توقد النار بهم، والعرب تقول: سجرت التنور إذا ملأتها. وقال السدي: يُسْجَرُونَ يحرقون.

ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة على جهة التوبيخ والتقريع، فيقال لهم أين الأصنام التي كنتم تعبدون من دون الله؟ فيقولون: ضَلُّوا عَنَّا أي تلفوا لنا وغابوا واضمحلوا، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون: بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً وهذا من أشد الاختلاط وأبين الفساد في الدهر والنظر فقال الله تعالى لنبيه: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ أي كهذه الصفة المذكورة وبهذا الترتيب.

قوله عز وجل:

٧٥

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٦

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٧

انظر تفسير الآية:٧٨

٧٨

ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨)

المعنى يقال للكفار المعذبين ذلِكُمْ العذاب الذي أنتم فيه بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الدنيابالمعاصي والكفر. و: تَمْرَحُونَ قال مجاهد معناه: الأشر والبطر. وقال ابن عباس: الفخر والخيلاء.

وقوله تعالى: ادْخُلُوا معناه: يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادْخُلُوا، لأن هذه المخاطبة إنما هي بعد دخولهم وفي الوقت الذي فيه الأغلال في أعناقهم. و: أَبْوابَ جَهَنَّمَ هي السبعة المؤدية إلى طبقاتها وأدراكها السبعة. والمثوى: موضع الإقامة.

ثم أنس تعالى نبيه ووعده بقوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي في نصرك وإظهار أمرك، فإن ذلك أمر إما أن ترى بعضه في حياتك فتقر عينك به، وإما أن تموت قبل ذلك فإلى أمرنا وتعذيبنا يصيرون ويرجعون.

وقرأ الجمهور: «يرجعون» بضم الياء. وقرأ أبو عبد الرحمن ويعقوب «يرجعون» بفتح الياء. وقرأ طلحة بن مصرف ويعقوب في رواية الوليد بن حسان: بفتح التاء منقوطة من فوق.

وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ الآية رد على العرب الذين قالوا: إن الله لا يبعث بشرا رسولا واستبعدوا ذلك.

وقوله تعالى: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا قال النقاش: هم أربعة وعشرون.

وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ روي من طريق أنس بن مالك عن النبي عليه السلام أن الله تعالى بعث ثمانية آلاف رسول. وروي عن سلمان عن النبي عليه السلام قال: بعث الله أربعة آلاف نبي. وروي عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال: بعث الله رسولا من الحبشة أسود، وهو الذي يقص على محمد.

قال القاضي أبو محمد: وهذا إنما ساقه على أن هذا الحبشي مثال لمن لم يقص، لا أنه هو المقصود وحده، فإن هذا بعيد.

وقوله تعالى: وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ رد على قريش في إنكارهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقولهم إنه كاذب على الله تعالى. والإذن يتضمن علما وتمكينا. فإذا اقترن به أمر قوي كما هو في إرسال النبي، ثم قال تعالى: فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ أي إذا أراد الله إرسال رسول وبعثة نبي، قضى ذلك وأنفذه بالحق، وخسر كل مبطل وحصل على فساد آخرته، وتحتمل الآية معنى آخر، وهو أن يريد ب أَمْرُ اللَّهِ القيامة، فتكون الآية توعدا لهم بالآخرة.

قوله عز وجل:

٧٩

انظر تفسير الآية:٨٢

٨٠

انظر تفسير الآية:٨٢

٨١

انظر تفسير الآية:٨٢

٨٢

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)

هذه آيات عبر وتعديد نعم. و: الْأَنْعامَ الأزواج الثمانية. ع و: مِنْها الأولى للتبعيض، لأن المركوب ليس كل الأنعام، بل الإبل خاصة. وَمِنْها الثانية لبيان الجنس، لأن الجميع منها يؤكل. وقال الطبري في هذه الآية: إن الْأَنْعامَ تعم الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما ينتفع به في البهائم، ف مِنْها في الموضعين للتبعيض على هذا، لكنه قول ضعيف، وإنما الأنعام: الأزواج الثمانية التي ذكر الله فقط. ثم ذكر تعالى المنافع ذكرا مجملا، لأنها أكثر من أن تحصى.

وقوله تعالى: وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ يريد قطع المهامة الطويلة والمشاق البعيدة.

و: الْفُلْكِ السفن، وهو هنا جمع. و: تُحْمَلُونَ يريد: برا وبحرا. وكرر الحمل عليها، وقد تقدم ذكر ركوبها لأن المعنى مختلف وفي الأمرين تغاير، وذلك أن الركوب هو المتعارف فيما قرب واستعمل في القرى والمواطن نظير الأكل منها وسائر المنافع بها، ثم خصص بعد ذلك السفر الأطول وحوائج الصدور مع البعد والنوى، وهذا هو الحمل الذي قرنه بشبيهه من أمر السفن. ثم ذكر تعالى آياته عامة جامعة لكل عبرة وموضع نظر، وهذا غير منحصر لاتساعه، ولأن في كل شيء له آية تدل على وحدانيته، ثم قررهم على جهة التوبيخ بقوله: أَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ. ثم احتج تعالى على قريش بما يظهر في الأمم السالفة من نقمات الله في الكفرة الذين كانُوا أَكْثَرَ عددا وَأَشَدَّ قُوَّةً أبدان وممالك، وأعظم آثارا في المباني والأفعال من قريش والعرب، فلم يغن عنهم كسبهم ولا حالهم شيئا حين جاءهم عذاب الله وأخذه.

و «ما» في قوله: فَما أَغْنى عَنْهُمْ نافية. قال الطبري: وقيل هي تقرير وتوقيف.

قوله عز وجل:

٨٣

انظر تفسير الآية:٨٥

٨٤

انظر تفسير الآية:٨٥

٨٥

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)

الضمير في: جاءَتْهُمْ عائد على الأمم المذكورين الذين جعلوا مثلا وعبرة. واختلف المفسرون في الضمير في: فَرِحُوا على من يعود، فقال مجاهد وغيره: هو عائد على الأمم المذكورين، أي بما عندهم من العلم في ظنهم ومعتقدهم من أنهم لا يبعثون ولا يحاسبون. قال ابن زيد: واغتروا بعلمهم في الدنيا والمعايش، وظنوا أنه لا آخرة ففرحوا، وهذا كقوله تعالى: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الروم: ٧] وقالت فرقة: الضمير في فَرِحُوا عائد على الرسل، وفي هذا الرسل حذف، وتقديره:

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ كذبوهم، ففرح الرسل بما عندهم من العلم بالله والثقة به، وبأنه سينصرهم. وَحاقَ معناه: نزل وثبت، وهي مستعملة في الشر. وما في قوله: ما كانُوا هو العذاب الذي كانوا يكذبون به ويستهزئون بأمره، والضمير في بِهِمْ عائد على الكفار بلا خلاف. ثم حكى حالة بعضهم ممن آمن بعد تلبس العذاب بهم فلم ينفعهم ذلك، وفي ذكر هذا حض للعرب على المبادرة وتخويف من التأني لئلا يدركهم عذاب لا تنفعهم توبة بعد تلبسه بهم. وأما قصة قوم يونس فرأوا العذاب ولم يكن تلبس بهم، وقد مر تفسيرها مستقصى في سورة يونس عليه السلام. و: سُنَّتَ اللَّهِ نصب على المصدر. و: خَلَتْ معناه: مضت واستمرت وصارت عادة.

وقوله: هُنالِكَ إشارة إلى أوقات العذاب، أي ظهر خسرانهم وحضر جزاء كفرهم.

فهرس الجزء الرابع من المحرر الوجيز فهرس المحتويات تفسير سورة مريم الآيات: ١- ٦ ٣ الآيات: ٧- ١١ ٦ الآيات: ١٢- ١٥ ٧ الآيات: ١٦- ٢٠ ٨ الآيات: ٢١- ٢٣ ٩ الآيات: ٢٤- ٢٦ ١١ الآيتان: ٢٧، ٢٨ ١٣ الآيات: ٢٩- ٣٣ ١٤ الآيات: ٣٤- ٣٦ ١٥ الآيات: ٣٧- ٤٠ ١٦ الآيات: ٤١- ٤٦ ١٧ الآيات: ٤٧- ٥٠ ١٩ الآيات: ٥١- ٥٥ ٢٠ الآيات: ٥٦- ٥٨ ٢١ الآيات: ٥٩- ٦٣ ٢٢ الآيتان: ٦٤، ٦٥ ٢٣ الآيات: ٦٦- ٦٩ ٢٥ الآيات: ٧٠- ٧٢ ٢٦ الآيتان: ٧٣، ٧٤ ٢٨ الآيات: ٧٥- ٨٠ ٢٩ الآيات: ٨١- ٨٧ ٣١ الآيات: ٨٨- ٩٦ ٣٣ الآيتان: ٩٧، ٩٨ ٣٤ تفسير سورة طه الآيات: ١- ٨ ٣٦ الآيات: ٩- ١٤ ٣٨ الآيات: ١٥- ١٨ ٣٩ الآيات: ١٩- ٣٥ ٤١ الآيات: ٣٦- ٣٩ ٤٣ الآيات: ٤٠- ٤٦ ٤٥ الآيات: ٤٧- ٤٩ ٤٦ الآيات: ٥٠- ٥٢ ٤٧ الآيات: ٥٣- ٥٩ ٤٨ الآيات: ٦٠- ٦٤ ٤٩ الآيات: ٦٥- ٦٩ ٥١ الآيتان: ٧٠، ٧١ ٥٢ الآيات: ٧٢- ٧٦ ٥٣ الآيات: ٧٧- ٧٩ ٥٤ الآيات: ٨٠- ٨٢ ٥٥ الآيات: ٨٣- ٨٥ ٥٧ الآيتان: ٨٦، ٨٧ ٥٨ الآيات: ٨٨- ٩١ ٥٩ الآيات: ٩٢- ٩٤ ٦٠ الآيات: ٩٥- ٩٧ ٦١ الآيات: ٩٨- ١٠٢ ٦٣ الآيات: ١٠٣- ١١١ ٦٤ الآيات: ١١٢- ١١٤ ٦٥ الآيات: ١١٥- ١١٧ ٦٦ الآيات: ١١٨- ١٢١ ٦٧ الآيات: ١٢٢- ١٢٦ ٦٨ الآيات: ١٢٧- ١٣٠ ٦٩ الآيات: ١٣١- ١٣٣ ٧٠ الآيتان: ١٣٤، ١٣٥ ٧١ تفسير سورة الأنبياء الآيات: ١- ٤ ٧٣ الآيات: ٥- ٨ ٧٤ الآيات: ٩- ١٢ ٧٥ الآيات: ١٣- ١٦ ٧٦ الآيات: ١٧- ٢٠ ٧٧ الآيات: ٢١- ٢٤ ٧٨ الآيات: ٢٥- ٣٠ ٧٩ الآيات: ٣١- ٣٣ ٨٠ الآيات: ٣٤- ٣٨ ٨١ الآيات: ٣٩- ٤٤ ٨٣ الآيتان: ٤٥، ٤٦ ٨٤ الآيات: ٤٧- ٥٠ ٨٥ الآيات: ٥١- ٦٣ ٨٦ الآيات: ٦٤- ٧٠ ٨٧ الآيات: ٧١- ٧٣ ٨٩ الآيات: ٧٤- ٧٩ ٩٠ الآيتان: ٨٠، ٨١ ٩٣ الآيات: ٨٢- ٨٤ ٩٤ الآيتان: ٨٥، ٨٦ ٩٥ الآيتان: ٨٧، ٨٨ ٩٦ الآيات: ٨٩- ٩٥ ٩٨ الآيتان: ٩٦، ٩٧ ٩٩ الآيات: ٩٨- ١٠٣ ١٠١ الآيتان: ١٠٤، ١٠٥ ١٠٢ الآيات: ١٠٦- ١١٢ ١٠٣ تفسير سورة الحج الآيتان: ١، ٢ ١٠٥ الآيات: ٣- ٥ ١٠٧ الآيات: ٥- ١٠ ١٠٨ الآيات: ١١- ١٣ ١١٠ الآيات: ١٤- ١٧ ١١١ الآيات: ١٨- ٢٢ ١١٣ الآيات: ٢٣- ٢٥ ١١٤ الآيات: ٢٦- ٢٨ ١١٧ الآيات: ٢٩- ٣١ ١١٩ الآيات: ٣٢- ٣٥ ١٢١ الآيتان: ٣٦، ٣٧ ١٢٢ الآيات: ٣٨- ٤٠ ١٢٣ الآيات: ٤١- ٤٨ ١٢٦ الآيات: ٤٩- ٥٤ ١٢٨ الآيات: ٥٥- ٦٢ ١٣٠ الآيات: ٦٣- ٦٥ ١٣١ الآيات: ٦٦- ٧٢ ١٣٢ الآيتان: ٧٣، ٧٤ ١٣٣ الآيات: ٧٥- ٧٧ ١٣٤ الآية: ٧٨ ١٣٥ تفسير سورة المؤمنون الآيات: ١- ٧ ١٣٦ الآيات: ٨- ١٤ ١٣٧ الآيات: ١٥- ٢٠ ١٣٩ الآيتان: ٢١، ٢٢ ١٤٠ الآيات: ٢٣- ٣٠ ١٤١ الآيات: ٣١- ٣٤ ١٤٢ الآيات: ٣٥- ٣٩ ١٤٣ الآيات: ٤٠- ٤٨ ١٤٤ الآيات: ٤٩- ٥١ ١٤٥ الآيات: ٥٢- ٥٦ ١٤٦ الآيات: ٥٧- ٦١ ١٤٧ الآيات: ٦٢- ٦٤ ١٤٨ الآيات: ٦٥- ٦٨ ١٤٩ الآيات: ٦٩- ٧٥ ١٥١ الآيتان: ٧٦، ٧٧ ١٥٢ الآيات: ٧٨- ٨٣ ١٥٢ الآيات: ٨٤- ٨٩ ١٥٣ الآيات: ٩٠- ٩٨ ١٥٤ الآيات: ٩٩- ١٠٢ ١٥٥ الآيات: ١٠٣- ١٠٨ ١٥٦ الآيات: ١٠٩- ١١١ ١٥٧ الآيات: ١١٢- ١١٥ ١٥٨ الآيات: ١١٦- ١١٨ ١٥٩ تفسير سورة النور الآيتان: ١، ٢ ١٦٠ الآية: ٣ ١٦٢ الآيتان: ٤، ٥ ١٦٤ الآيات: ٦- ١٠ ١٦٥ الآية: ١١ ١٦٨ الآيات: ١٢- ١٨ ١٧٠ الآيتان: ١٩، ٢٠ ١٧١ الآيتان: ٢١، ٢٢ ١٧٢ الآيات: ٢٣- ٢٥ ١٧٣ الآية: ٢٦ ١٧٤ الآيتان: ٢٧، ٢٨ ١٧٥ الآيتان: ٢٩، ٣٠ ١٧٧ الآية: ٣١ ١٧٨، ١٧٩ الآية: ٣٢ ١٨٠ الآية: ٣٣ ١٨١ الآيات: ٣٣- ٣٥ ١٨٢ الآيتان: ٣٦، ٣٧ ١٨٥ الآيات: ٣٨- ٤٠ ١٨٧ الآيتان: ٤١، ٤٢ ١٨٨ الآيتان: ٤٣، ٤٤ ١٨٩ الآيات: ٤٥- ٥٠ ١٩٠ الآيات: ٥١- ٥٤ ١٩١ الآيات: ٥٥- ٥٧ ١٩٢ الآية: ٥٨ ١٩٣ الآيتان: ٥٩، ٦٠ ١٩٤ الآية: ٦١ ١٩٥ الآية: ٦٢ ١٩٧ الآيتان: ٦٣، ٦٤ ١٩٨ تفسير سورة الفرقان الآيات: ١- ٣ ١٩٩ الآيات: ٤- ١٠ ٢٠٠ الآيات: ١١- ١٤ ٢٠٢ الآيات: ١٥- ١٩ ٢٠٣ الآيتان: ٢٠، ٢١ ٢٠٥ الآيات: ٢٢- ٢٦ ٢٠٦ الآيات: ٢٧- ٣١ ٢٠٨ الآيات: ٣٢- ٣٤ ٢٠٩ الآيات: ٣٥- ٣٩ ٢١٠ الآيات: ٤٠- ٤٤ ٢١١ الآيات: ٤٥- ٤٧ ٢١٢ الآيات: ٤٨- ٥٢ ٢١٣ الآيات: ٥٣- ٥٧ ٢١٤ الآيات: ٥٨- ٦٠ ٢١٦ الآيات: ٦١- ٦٣ ٢١٧ الآيات: ٦٤- ٧٠ ٢١٩ الآيات: ٧١- ٧٤ ٢٢١ الآيات: ٧٥- ٧٧ ٢٢٣ تفسير سورة الشعراء الآيات: ١- ٩ ٢٢٤ الآيات: ١٠- ١٩ ٢٢٦ الآيات: ٢٠- ٢٨ ٢٢٨ الآيات: ٢٩- ٣٧ ٢٢٩ الآيات: ٣٨- ٥١ ٢٣٠ الآيات: ٥٢- ٦٢ ٢٣١ الآيات: ٦٣- ٦٨ ٢٣٣ الآيات: ٦٩- ٨٧ ٢٣٤ الآيات: ٨٨- ٩٥ ٢٣٥ الآيات: ٩٦- ١٠٤ ٢٣٦ الآيات: ١٠٥- ١٢٢ ٢٣٧ الآيات: ١٢٣- ١٤٠ ٢٣٨ الآيات: ١٤١- ١٥٩ ٢٣٩ الآيات: ١٦٠- ١٧٥ ٢٤٠ الآيات: ١٧٦- ١٩١ ٢٤١ الآيات: ١٩٢- ١٩٩ ٢٤٢ الآيات: ٢٠٠- ٢١٦ ٢٤٤ الآيات: ٢١٧- ٢٢٦ ٢٤٥ الآية: ٢٢٧ ٢٤٧ تفسير سورة النمل الآيات: ١- ٥ ٢٤٨ الآيات: ٦- ٩ ٢٤٩ الآيات: ١٠- ١٢ ٢٥٠ الآيتان: ١٣، ١٤ ٢٥٢ الآيات: ١٥- ١٧ ٢٥٣ الآيتان: ١٨، ١٩ ٢٥٤ الآيات: ٢٠- ٢٣ ٢٥٥ الآيات: ٢٤- ٢٨ ٢٥٦ الآيات: ٢٩- ٣٤ ٢٥٨ الآيات: ٣٥- ٤٠ ٢٥٩ الآيات: ٤١- ٤٤ ٢٦١ الآيات: ٤٥- ٥١ ٢٦٣ الآيات: ٥٢- ٥٨ ٢٦٤ الآيات: ٥٩- ٦١ ٢٦٥ الآيات: ٦٢- ٦٦ ٢٦٧ الآيات: ٦٧- ٧٤ ٢٦٨ الآيات: ٧٥- ٨٢ ٢٦٩ الآيات: ٨٣- ٨٧ ٢٧١ الآيات: ٨٨- ٩٣ ٢٧٣ تفسير سورة القصص الآيات: ١- ٤ ٢٧٥ الآيات: ٥- ٧ ٢٧٦ الآيات: ٨- ١١ ٢٧٧ الآيات: ١٢- ١٥ ٢٧٩ الآيات: ١٦- ١٨ ٢٨٠ الآيات: ١٩- ٢١ ٢٨١ الآيات: ٢٢- ٢٤ ٢٨٢ الآيات: ٢٥- ٢٧ ٢٨٤ الآيات: ٢٨- ٣٢ ٢٨٥ الآيات: ٣٣- ٣٩ ٢٨٨ الآيات: ٤٠- ٤٦ ٢٨٩ الآيات: ٤٧- ٥٠ ٢٩٠ الآيات: ٥١- ٥٥ ٢٩١ الآيات: ٥٦- ٥٨ ٢٩٢ الآيات: ٥٩- ٦١ ٢٩٣ الآيات: ٦٢- ٦٤ ٢٩٤ الآيات: ٦٥- ٦٨ ٢٩٥ الآيات: ٦٩- ٧٣ ٢٩٦ الآيتان: ٧٤- ٧٥ ٢٩٧ الآيتان: ٧٦- ٧٧ ٢٩٨ الآيتان: ٧٨- ٧٩ ٣٠٠ الآيات: ٨٠- ٨٢ ٣٠١ الآيات: ٨٣- ٨٥ ٣٠٢ الآيات: ٨٦- ٨٨ ٣٠٣ تفسير سورة العنكبوت الآيات: ١- ٣ ٣٠٥ الآيات: ٤- ٧ ٣٠٦ الآيات: ٨- ١١ ٣٠٧ الآيات: ١٢- ١٥ ٣٠٩ الآيتان: ١٦، ١٧ ٣١٠ الآيات: ١٨- ٢٠ ٣١١ الآيات: ٢١- ٢٥ ٣١٢ الآيات: ٢٦- ٣١ ٣١٤ الآيات: ٣٢- ٣٥ ٣١٥ الآيات: ٣٦- ٣٨ ٣١٦ الآيات: ٣٩، ٤٠- ٣١٧ الآيات: ٤١- ٤٣ ٣١٨ الآيتان: ٤٤، ٤٥ ٣١٩ الآية: ٤٦ ٣٢٠ الآيات: ٤٧- ٤٩ ٣٢١ الآيات: ٥٠- ٥٢ ٣٢٢ الآيات: ٥٣- ٥٥ ٣٢٣ الآيات: ٥٦- ٦٣ ٣٢٤ الآيات: ٦٤- ٦٧ ٣٢٥ الآيتان: ٦٨، ٦٩ ٣٢٦ تفسير سورة الروم الآيات: ١- ٦ ٣٢٧ الآيتان: ٧، ٨ ٣٢٩ الآيات: ٩- ١٣ ٣٣٠ الآيات: ١٤- ١٨ ٣٣١ الآيات: ١٩- ٢٢ ٣٣٢ الآيات: ٢٣- ٢٥ ٣٣٣ الآيات: ٢٦- ٢٨ ٣٣٤ الآيات: ٢٩- ٣٢ ٣٣٦ الآيات: ٣٣- ٣٥ ٣٣٧ الآيات: ٣٦- ٣٨ ٣٣٨ الآيات: ٣٩- ٤١ ٣٣٩ الآيات: ٤٢- ٤٤ ٣٤٠ الآيات: ٤٥- ٥٠ ٣٤١ الآيات: ٥١- ٥٣ ٣٤٢ الآيات: ٥٤- ٥٦ ٣٤٣ الآيات: ٥٧- ٦٠ ٣٤٤ تفسير سورة لقمان الآيات: ١- ٦ ٣٤٥ الآيات: ٧- ١١ ٣٤٦ الآيتان: ١٢، ١٣ ٣٤٧ الآيتان: ١٤، ١٥ ٣٤٨ الآيات: ١٦- ١٩ ٣٥٠ الآيتان: ٢٠، ٢١ ٣٥٢ الآيات: ٢٢- ٢٨ ٣٥٣ الآيتان: ٢٩، ٣٠ ٣٥٤ الآيتان: ٣١، ٣٢ ٣٥٥ الآيتان: ٣٣، ٣٤ ٣٥٦ تفسير سورة السجدة الآيات: ١- ٤ ٣٥٧ الآية: ٥ ٣٥٨ الآيات: ٦- ١١ ٣٥٩ الآيات: ١٢- ١٥ ٣٦١ الآيات: ١٦- ٢٠ ٣٦٢ الآيتان: ٢١، ٢٢ ٣٦٣ الآيات: ٢٣- ٢٥ ٣٦٤ الآيات: ٢٦- ٣٠ ٣٦٥ تفسير سورة الأحزاب الآيات: ١- ٤ ٣٦٧ الآيتان: ٥، ٦ ٣٦٩ الآيات: ٧- ٩ ٣٧١ الآيات: ١٠- ١٢ ٣٧٢ الآيات: ١٣- ١٥ ٣٧٣ الآيات: ١٦- ١٨ ٣٧٤ الآية: ١٩ ٣٧٥ الآيتان: ٢٠، ٢١ ٣٧٦ الآيات: ٢٢- ٢٤ ٣٧٧ الآيات: ٢٥- ٢٧ ٣٧٩ الآيتان: ٢٨- ٢٩ ٣٨٠ الآيات: ٣٠- ٣٢ ٣٨١ الآية: ٣٣ ٣٨٣ الآيتان: ٣٤، ٣٥ ٣٨٤ الآيتان: ٣٦، ٣٧ ٣٨٥ الآيات: ٣٨- ٤٤ ٣٨٧ الآيات: ٤٥- ٤٩ ٣٨٩ الآية: ٥٠ ٣٩٠ الآيتان: ٥١، ٥٢ ٣٩٢ الآية: ٥٣ ٣٩٥ الآيتان: ٥٤، ٥٥ ٣٩٦ الآيات: ٥٦- ٥٨ ٣٩٧ الآيات: ٥٩- ٦٢ ٣٩٩ الآيات: ٦٣- ٦٨ ٤٠٠ الآيات: ٦٩- ٧١ ٤٠١ الآيتان: ٧٢، ٧٣ ٤٠٢ تفسير سورة سبأ الآيتان: ١، ٢ ٤٠٤ الآيات: ٣- ٨ ٤٠٥ الآيات: ٩- ١١ ٤٠٦ الآية: ١٢ ٤٠٨ الآية: ١٣ ٤٠٩ الآية: ١٤ ٤١١ الآيات: ١٥- ١٧ ٤١٣ الآيتان: ١٨، ١٩ ٤١٥ الآيات: ٢٠- ٢٢ ٤١٧ الآية: ٢٣ ٤١٨ الآيات: ٢٤- ٢٧ ٤١٩ الآيات: ٢٨- ٣٢ ٤٢٠ الآية: ٣٣ ٤٢١ الآيات: ٣٤- ٣٧ ٤٢٢ الآيات: ٣٨- ٤٣ ٤٢٣ الآيات: ٤٤- ٤٦ ٤٢٤ الآيات: ٤٧- ٥١ ٤٢٥ الآيات: ٥٢- ٥٤ ٤٢٦ تفسير سورة فاطر الآيات: ١- ٥ ٤٢٨ الآيات: ٦- ١٠ ٤٣٠ الآية: ١١ ٤٣٢ الآية: ١٢ ٤٣٣ الآيات: ١٣- ١٨ ٤٣٤ الآيات: ١٩- ٢٦ ٤٣٥ الآيتان: ٢٧، ٢٨ ٤٣٦ الآيات: ٢٩- ٣٤ ٤٣٨ الآيات: ٣٥- ٣٧ ٤٤٠ الآيات: ٣٨- ٤١ ٤٤٢ الآيتان: ٤٢، ٤٣ ٤٤٣ الآيتان: ٤٤، ٤٥ ٤٤٤ تفسير سورة يس الآيات: ١- ٥ ٤٤٥ الآيات: ٦- ٩ ٤٤٦ الآيات: ١٠- ١٢ ٤٤٧ الآيات: ١٣- ٢١ ٤٤٩ الآيات: ٢٢- ٢٧ ٤٥٠ الآيات: ٢٨- ٣٢ ٤٥٢ الآيات: ٣٣- ٤٠ ٤٥٣ الآيات: ٤١- ٤٦ ٤٥٤ الآيات: ٤٧- ٥٠ ٤٥٦ الآيات: ٥١- ٥٤ ٤٥٧ الآيات: ٥٥- ٦١ ٤٥٨ الآيات: ٦٢- ٦٥ ٤٦٠ الآيات: ٦٦- ٧٠ ٤٦١ الآيات: ٧١- ٨٠ ٤٥٣ الآيات: ٨١- ٨٣ ٤٦٤ تفسير سورة الصافات الآيات: ١- ٧ ٤٦٥ الآيات: ٨- ١٠ ٤٦٦ الآيات: ١١- ١٨ ٤٦٧ الآيات: ١٩- ٢٦ ٤٦٨ الآيات: ٢٧- ٣٤ ٤٦٩ الآيات: ٣٥- ٤٩ ٤٧١ الآيات: ٥٠- ٥٣ ٤٧٣ الآيات: ٥٤- ٦١ ٤٧٤ الآيات: ٦٢- ٧٠ ٤٧٥ الآيات: ٧١- ٧٩ ٤٧٦ الآيات: ٨٠- ٩٠ ٤٧٧ الآيات: ٩١- ٩٨ ٤٧٨ الآيات: ٩٩- ١٠٢ ٤٨٠ الآيات: ١٠٣- ١١١ ٤٨١ الآيات: ١١٢- ١٢٥ ٤٨٣ الآيات: ١٢٦- ١٤٦ ٤٨٥ الآيات: ١٤٧- ١٥٧ ٤٨٧ الآيات: ١٥٨- ١٦٩ ٤٨٨ الآيات: ١٧٠- ١٨٢ ٤٨٩ تفسير سورة ص الآيات: ١- ٥ ٤٩١ الآيات: ٦- ٩ ٤٩٣ الآيات: ١٠- ١٤ ٤٩٤ الآيات: ١٥- ٢٠ ٤٩٥ الآيات: ٢١- ٢٤ ٤٩٧ الآيات: ٢٥- ٢٩ ٥٠٢ الآيات: ٣٠- ٣٥ ٥٠٣ الآيات: ٣٦- ٤٤ ٥٠٦ الآيات: ٤٥- ٥٤ ٥٠٨ الآيات: ٥٥- ٦١ ٥١٠ الآيات: ٦٢- ٦٦ ٥١٢ الآيات: ٦٧- ٧٤ ٥١٣ الآيات: ٧٥- ٨١ ٥١٤ الآيات: ٨٢- ٨٨ ٥١٦ تفسير سورة الزمر الآيات: ١- ٣ ٥١٧ الآيات: ٣- ٥ ٥١٨ الآية: ٦ ٥١٩ الآية: ٧ ٥٢٠ الآية: ٨ ٥٢١ الآيتان: ٩، ١٠ ٥٢٢ الآيات: ١١- ١٥ ٥٢٤ الآيات: ١٦- ١٨ ٥٢٥ الآيات: ١٩- ٢١ ٥٢٦ الآيتان: ٢٢، ٢٣ ٥٢٧ الآيات: ٢٤- ٢٨ ٥٢٨ الآيات: ٢٩- ٣٢ ٥٢٩ الآيات: ٣٣- ٣٧ ٥٣١ الآيات: ٣٨- ٤٠ ٥٣٢ الآيتان: ٤١، ٤٢ ٥٣٣ الآيات: ٤٣- ٤٥ ٥٣٤ الآيات: ٤٦- ٥٢ ٥٣٥ الآيات: ٥٣- ٥٥ ٥٣٦ الآيات: ٥٦- ٦٠ ٥٣٨ الآيات: ٦١- ٦٥ ٥٣٩ الآيات: ٦٦- ٦٨ ٥٤٠ الآيات: ٦٩- ٧٢ ٥٤٢ الآيات: ٧٣- ٧٥ ٥٤٣ تفسير سورة غافر الآيات: ١- ٥ ٥٤٥ الآيات: ٦- ٩ ٥٤٧ الآيات: ١٠- ١٢ ٥٤٨ الآيات: ١٣- ١٧ ٥٥٠ الآيات: ١٨- ٢١ ٥٥٢ الآيات: ٢٢- ٢٥ ٥٥٤ الآيات: ٢٦- ٢٨ ٥٥٥ الآيات: ٢٩- ٣٣ ٥٥٧ الآيتان: ٣٤، ٣٥ ٥٥٩ الآيات: ٣٦- ٤٠ ٥٦٠ الآيات: ٤١- ٤٥ ٥٦١ الآيات: ٤٦- ٥٠ ٥٦٢ الآيات: ٥١- ٥٦ ٥٦٣ الآيات: ٥٧- ٦٠ ٥٦٥ الآيات: ٦١- ٦٤ ٥٦٦ الآيات: ٦٥- ٦٧ ٥٦٧ الآيات: ٦٨- ٧٤ ٥٦٨ الآيات: ٧٥- ٧٨ ٥٦٩ الآيات: ٧٩- ٨٥ ٥٧١

[المجلد الخامس]

﴿ ٠