٤

وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤)

اختلف الناس في معنى قوله عز وجل: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فقال قوم: المعنى وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ في الجاهلية، كأنه قال: والذين كان الظهار عادتهم ثم يعودون إلى ذلك في الإسلام، وقاله القتبي وقال أهل الظاهر المعنى: والذين يظاهرون ثم يظاهرون ثم ثانية فلا يلزم عندهم كفارة إلا بأن يعيد الرجل الظهار، قاله منذر بن سعيد، وحينئذ هو عائد إلى القول الذي هو منكر وزور.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف، وإن كان القشيري قد حكاه عن بكير بن عبد الله بن الأشج وقال بعض الناس في هذه الآية تقديم وتأخير، وتقديرها: «فتحرير رقبة لما قالوا» ، وهذا أيضا قول يفسد نظر الآية، وحكي عن الأخفش، لكنه غير قوي. وقال قتادة وطاوس ومالك والزهري وجماعة كثيرة من أهل العلم معنى: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا أي للوطء فالمعنى ثم يعودون لما قالوا إنهم لا يعودون فإذا ظاهر الرجل ثم وطئ فحينئذ تلزمه الكفارة في ذمته وإن طلق أو ماتت امرأته. وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك أيضا وفريق يَعُودُونَ معناه: بالعوم على إمساك الزوجة ووطئها والتزام التكفير لذلك، فمتى وقع من المظاهر هذا العزم لزمت الكفارة ذمته، طلق أو ماتت المرأة.

قال القاضي أبو محمد: وهذان القولان في مذهب مالك رحمه الله وهما حسنان لزمت الكفارة فيهما بشرطين: ظهار وعود.

واختلفا في العود ما هو؟ وقال الشافعي العود الموجب للكفارة: أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار ويمضي بعد الظهار ما يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق، والرقبة في الظهار لا تكون عند مالك إلا مؤمنة، رد هذا: إلى المقيد الذي في كفارة القتل الخطأ.

واختلف والناس في قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فقال الحسن والثوري وجماعة من قبل الوطء، وجعلت المسيس هاهنا الوطء، فأباحت للمظاهر التقبيل والمضاجعة والاستمتاع بأعلى المرأة كالحائض.

وقال جمهور أهل العلم قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا عام في نوع المسيس الوطء والمباشرة، فلا يجوز لمظاهر أن يطأ ولا يقبل ولا يلمس بيده، ولا يفعل شيئا من هذا النوع إلا بعد الكفارة، وهذا قول مالك رحمه الله.

وقوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى التحرير أي فعل عظة لكم لتنتهوا عن الظهار، والتتابع في الشهرين صيامهما ولا بين أيامهما، وجائز أن يصومهما الرجل بالعدد، فيصوم ستين يوما تباعا، وجائز أن يصومهما بالأهلة، يبدأ مع الهلال ويفطر مع الهلال، وإن جاء أحد شهريه ناقصا، وذلك مجزئ عنه، وجائز إن بدأ صومه في وسط الشهر أن يبعض الشهر الأول فيصوم إلى الهلال ثم يصوم شهرا بالهلال ثم يتم الشهر الأول بالعدد. ولا خلاف أحفظه من أهل العلم أن الصائم في الظهار إن أفسد التتابع باختياره أنه يبتدأ صومها.

واختلف الناس إذا أفسده لعذر غالب: كالمرض والنسيان ونحوه، فقال أصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه والنخعي وابن جبير والحكم بن عيينة والثوري: يبتدئ، وقال مالك والشافعي وغيره: يبني. وأجمعوا على الحائض وأنها تبني في صومها التتابع.

وإطعام المساكين في الظهار هو بالمد الهاشمي عند مالك، وهو مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل مدان غير ثلث. وروى عنه ابن وهب أنه يطعم كل مسكين مدين بمد النبي عليه السلام وفي العلماء من يرى إطعام الظهار مدا بمد النبي عليه السلام، ولا يجزئ في إطعام الظهار إلا إكمال عدد المساكين، ولا يجوز أن يطعم ثلاثين مرتين ولا ما أشبهه، والطعام عو غالب قوت البلد. قال مالك رحمه الله وعطاء وغيره: إطعام المساكين أيضا هو قبل التماس حملا على العتق والصوم. وقال أبو حنيفة وجمهور من أهل العلم لم ينص الله على الشرط هنا، فنحن نلتزمه، فجاز للمظاهر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة ويستمتع.

وقوله: ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا إشارة إلى الرخصة والتسهيل في النقل من التحرير إلى الصوم، والإطعام ثم شدد تعالى بقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ أي فالتزموها وقفوا عندها، ثم توعد الكافرين بهذا الحديث والحكم الشرعي.

قوله عز وجل:

﴿ ٤