١٠

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)

وصى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بأن لا يكون لهم تناج في مكروه، وذلك عام في جميع الناس إلى يوم القيامة. وخص «الإثم» بالذكر لعمومه وَالْعُدْوانِ لعظمته في نفسه، إذ هي ظلامات العباد، وكذلك مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ذكرها طعنا على المنافقين إذ كان تناجيهم في ذلك.

وقرأ جمهور الناس: «فلا تتناجوا» على وزن تتفاعلوا، وقرأ ابن محيصن «تناجوا» بحذف التاء الواحدة. وقرأ بعض القراء: «فلا تّناجوا» بشد التاء لأنها أدغمت التاء في التاء، وقرأ الأعمش وأهل الكوفة: «فلا تنتجوا» على وزن تفتعلوا. والناس: على ضم العين من «العدوان» . وقرأها أبو حيوة بكسر العين حيث وقع. وقرأ الضحاك وغيره: «ومعصيات الرسول» على الجمع فيهما.

ثم أمر بالتناجي بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى، وذكر بالحشر الذي معه الحساب ودخول أحد الدارين وقوله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى، ليست إِنَّمَا للحصر ولكنها لتأكيد الخبر.

واختلف الناس في النَّجْوى التي هي مِنَ الشَّيْطانِ التي أخبر عنها في هذه الآية، فقال جماعة من المفسرين أراد: إِنَّمَا النَّجْوى في الإثم والعدوان ومعصية الرسول مِنَ الشَّيْطانِ، وقال قتادة وغيره: الإشارة إلى نجوى المنافقين واليهود، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم: الإشارة إلى نجوى قوم من المسلمين كانوا يقصدون مناجاة النبي عليه السلام، وليس لهم حاجة ولا ضرورة إلى ذلك، وإنما كانوا يريدون التبجح بذلك، وكان المسلمون يظنون أن تلك النجوى في أخبار بعد وقاصد أو نحوه.

قال القاضي أبو محمد: وهذان القولان يعضدهما ما يأتي من ألفاظ الآية، ولا يعضد القول الأول.

وقال عطية العوفي في هذه الآية: نزلت في المنامات التي يراها المؤمن فتسوءه، وما يراه النائم فكأنه نجوى يناجى بها.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبله والذي بعده.

وقرأ نافع وأهل المدينة: «ليحزن» بضم الياء وكسر الزاي، والفعل مسند إلى الشَّيْطانِ، وقرأ أبو عمرو والحسن وعاصم وغيرهم: «ليحزن» بفتح الياء وضم الزاي، تقول حزنت قلب الرجل: إذا جعلت فيه حزنا، فهو كقولك كحلت العين، وهو ضرب من التعدي، كأن المفعول ظرف. وقد ذكر سيبويه رحمه الله هذا النوع من تعدي الأفعال، وقرأ بعض الناس: «ليحزن» بفتح الياء والزاي. و: الَّذِينَ على هذه القراءة رفع بإسناد الفعل إليهم، يقال حزن الرجل بكسر الزاي.

ثم أخبر تعالى أن الشيطان أو التناجي الذي هو منه ليس بضار أحدا إلا أن يكون ضر بإذن الله أي بأمره وقدره. ثم أمر بتوكل المؤمنين عليه تبارك وتعالى: وهذا كله يقوي أن التناجي الذي من الشيطان إنما هو الذي وقع منه للمؤمنين خوف، وللخوف اللاحق للقلوب في هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لا يتناجى اثنان دون الثالث» .

قوله عز وجل:

﴿ ١٠