٤

يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)

تقدم القول في لفظ الآية الأولى، واختلفت القراءة في إعراب الصفات في آخرها.

فقرأ جمهور الناس: الْمَلِكِ بالخفض نعتا لِلَّهِ، وكذلك ما بعده، وقرأ أبو وائل شقيق بن سلمة وأبو الدينار: «الملك» بالرفع على القطع، وفتح أبو الدينار القاف من «القدوس» ، والْأُمِّيِّينَ: يراد بهم العرب، والأمي في اللغة الذي لا يكتب ولا يقرأ كتابا، قيل هو منسوب إلى الأم، أي هو على الخلقة الأولى في بطن أمه، وقيل هو منسوب إلى الأمة، أي على سليقة البشر دون تعلم، وقيل منسوب إلى أم القرى وهي مكة وهذا ضعيف، لأن الوصف ب الْأُمِّيِّينَ على هذا يقف على قريش، وإنما المراد جميع العرب، وفيهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا» .

وهذه الآية تعديد نعمة الله عندهم فيما أولاهم، والآية المتلوة: القرآن يُزَكِّيهِمْ معناه: يطهرهم من الشرك ويمني الخير فيهم، والْكِتابَ: الوحي المتلو، وَالْحِكْمَةَ: السنة التي هي لسانه عليه السلام، ثم أظهر تعالى تأكيد النعمة بذكر حالهم التي كانت في الضد من الهداية، وذلك في قوله تعالى:

وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَآخَرِينَ في موضع خفض عطفا على الْأُمِّيِّينَ وفي موضع نصب عطفا على الضمائر المتقدمة.

واختلف الناس في المعنيين بقوله: وَآخَرِينَ من هم؟ فقال أبو هريرة وغيره: أراد فارسا، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الآخرون؟ فأخذ بيد سلمان وقال: «لو كان الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء» . أخرجه مسلم. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: أراد الروم والعجم، فقوله تعالى: مِنْهُمْ على هذين القولين: إنما يريد في البشرية والإيمان كأنه قال: وفي آخرين من الناس: وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل: أراد التابعين من أبناء العرب، فقوله: مِنْهُمْ يريد به النسب والإيمان، وقال ابن زيد ومجاهد والضحاك وابن حبان: أراد بقوله: وَآخَرِينَ جميع طوائف الناس، ويكون منهم في البشرية والإيمان على ما قلناه وذلك أنا نجد بعثه عليه السلام إلى جميع الخلائق، وقال ابن عمر لأهل اليمن: أنتم هم، وقوله تعالى: لَمَّا يَلْحَقُوا نفي لما قرب من الحال، والمعنى أنهم مزمعون أن يلحقوا فهي «لم» زيدت عليها «ما» تأكيدا. قال سيبويه «لما» نفي قولك قد فعل، و «لن» قولك فعل دون قد، وقوله تعالى: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ الآية، تبيين لموقع النعمة، وتخصيصه إياهم بها.

قوله عز وجل:

﴿ ٤