بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة المنافقون

وهي مدنية بإجماع، وذلك أنها نزلت في غزوة بني المصطلق بسبب أن عبد الله بن أبيّ ابن سلول، كانت منه في تلك الغزوة أقوال، وكان له أتباع يقولون قوله، فنزلت السورة كلها بسبب ذلك، ذكر الله تعالى فيها ما تقدم من المنافقين من خلفهم وشهادتهم في الظاهر بالإيمان وأنهم كذبة، وذكر فيها ما تأخر منهم ووقع في تلك الغزوة، وسيأتي بيان ذلك فصلا فصلا عند تفسير الآيات إن شاء الله.

قوله عز وجل:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١

انظر تفسير الآية:٤

٢

انظر تفسير الآية:٤

٣

انظر تفسير الآية:٤

٤

إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)

فضح الله تعالى بهذه الآية سريرة المنافقين، وذلك أنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وهم في إخبارهم هذا كاذبون، لأن حقيقة الكذب أن يخبر الإنسان بضد ما في قلبه، وكسرت الألف من «إن» في الثلاثة، لدخول اللام المؤكدة في الخبر، وذلك لا يكون مع المفتوحة، وقوله: نَشْهَدُ وما جرى مجراها من أفعال اليقين، والعلم يجاب بما يجاب به القسم، وهي بمنزلة القسم، وقرأ الناس: «أيمانهم» جميع يمين، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بخلاف «إيمانهم» ، بكسر الألف، أي هذا الذي تظهرون، وهذا على حذف مضاف، تقديره: إظهار إيمانهم، والجنة: ما يستتر به في الأجرام والمعاني، وقوله تعالى: فَصَدُّوا يحتمل أن يكون غير متعد تقول: صد زيد، ويحتمل أن يكون متعديا كما قال:

صددت الكأس عنا أم عمرو والمعنى: صدوا غيرهم ممن كان يريد الإيمان أو من المؤمنين في أن يقاتلوهم وينكروا عليهم، وتلك سبيل الله فيهم، وقد تقدم تفسير نظير هذه الآية، وقوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى فعل الله تعالى في فضيحتهم وتوبيخهم، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى سوء ما عملوا، فالمعنى ساء عملهم أن كفروا بعد إيمانهم، وقوله تعالى: آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا إما أن يريد به منهم من كان آمن ثم نافق بعد صحة من إيمانه، وقد كان هذا موجودا، وإما أن يريدهم كلهم، فالمعنى ذلك أنهم أظهروا الإيمان ثم كفروا في الباطن أمرهم فسمى ذلك الإظهار إيمانا، وقرأ بعض القراء: «فطبع» على بناء الفعل للفاعل، وقرأ جمهور القراء:

«فطبع» بضم الطاء على بنائه للمفعول بغير إدغام. وأدغم أبو عمرو، وقرأ الأعمش: «فطبع الله» ، وعبر بالطبع عما خلق في قلوبهم من الريب والشك وختم عليهم به من الكفر والمصير إلى النار، وقوله تعالى:

وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ، وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ توبيخ لهم لأنهم كانوا رجالا أجمل شيء وأفصحه، فكان نظرهم يروق وقولهم يخيب، ولكن الله تعالى جعلهم «كالخشب المسندة» ، وإنما هي أجرام لا عقول لها، معتمدة على غيرها، لا تثبت بأنفسها، ومنه قولهم: تساند القوم إذا اصطفوا وتقابلوا للقتال، وقد يحتمل أن يشبه اصطفافهم في الأندية باصطفاف الخشب المسندة وخلوهم من الأفهام النافعة خلو الخشب من ذلك، وقال رجل لابن سيرين: رأيتني في النوم محتضنا خشبة، فقال ابن سيرين: أظنك من أهل هذه الآية وتلا: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ. وقرأ عكرمة وعطية: «يسمع» مضمومة بالياء، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة وعاصم: «خشب» بضم الخاء والشين، وقرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي: «خشب» بضم الخاء وإسكان الشين وهي قراءة البراء بن عازب واختيار ابن عبيد. وقرأ سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب:

«خشب» بفتح الخاء والشين، وذلك كله جمع خشبة بفتح الخاء والشين، فالقراءتان أولا كما تقول: بدنة وبدن وبدن: قاله سيبويه، والأخيرة على الباب في تمرة وتمر.

وكان عبد الله بن أبي من أبهى المنافقين وأطولهم، ويدل على ذلك أنه لم يوجد قميص يكسو العباس غير قميصه، وقد تقدم في سورة البقرة تحرير أمر المنافقين وكيف سترهم الإسلام.

وقوله تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، فضح أيضا لما كانوا يسرونه من الخوف، وذلك أنهم كانوا يتوقعون أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله بقتلهم، وقال مقاتل: فكانوا متى سمعوا نشدان ضالة أو صياحا بأي وجه كان أو أخبروا بنزول وحي طارت عقولهم حتى يسكن ذلك. ويكون في غير شأنهم، وجرى هذا اللفظ مثلا في الخائف، ونحو قول الشاعر [بشار بن برد العقيلي] : [الوافر]

يروّعه السرار بكل أرض ... مخافة أن يكون به السرار

وقول جرير: [الكامل]

ما زلت تحسب كل شيء بعدهم ... خيلا تكر عليهم ورجالا

ثم أخبر تعالى بأنهم الْعَدُوُّ وحذر منهم، والْعَدُوُّ يقع للواحد والجمع، وقوله تعالى:

قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء يتضمن الإقصاء والمنابذة، وتمني الشر لهم، وقوله تعالى: أَنَّى يُؤْفَكُونَ معناه:

كيف يصرفون، ويحتمل أن يكون أَنَّى استفهاما، كأنه قال كيف يصرفون أو لأي سبب لا يرون أنفسهم، ويحتمل أن يكون: أَنَّى ظرفا ل قاتَلَهُمُ كأنه قال قاتَلَهُمُ اللَّهُ، كيف انصرفوا أو صرفوا، فلا يكون في القول استفهام على هذا.

قوله عز وجل:

٥

انظر تفسير الآية:٨

٦

انظر تفسير الآية:٨

٧

انظر تفسير الآية:٨

٨

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨)

كان أمر عبد الله بن أبي ابن سلول، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فبلغ الناس إلى ماء سبق إليه المهاجرون وكأنهم غلبوا الأنصار عليه بعض الغلبة، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: قد كنت قلت لكم في هؤلاء الجلابيب ما قلت فلم تسمعوا مني، وكان المنافقون ومن لا يتحرى يسمي المهاجرين الجلابيب ومنه قول حسان بن ثابت: [البسيط]

أرى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا ... وابن القريعة أمسى بيضة البلد

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتحض علينا يا حسان» ، ثم إن الجهجاه الغفاري كان أجيرا لعمر بن الخطاب ورد الماء بفرس لعمر، فازدحم هو وسنان بن وبرة الجهني وكان حليفا للأوس فكسع الجهجاه سنانا، فغضب سنان فتأثروا، ودعا الجهجاه: يا للمهاجرين، ودعا سنان: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى الجاهلية» ، فلما أخبر بالقصة، قال: «دعوها فإنها منتنة» . واجتمع في الأمر عبد الله بن أبيّ في قوم من المنافقين، وكان معهم زيد بن أرقم فتى صغيرا لم يتحفظ منه، فقال عبد الله بن أبي: أوقد تداعوا علينا فو الله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، وقال لهم: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وقال لهم: إنما يقيم هؤلاء المهاجرون مع محمد بسبب معونتكم وإنفاقكم عليهم، ولو قطعتم ذلك عنهم لفروا، فذهب زيد بن أرقم إلى عمه وكان في حجره وأخبره، فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا زيد، غضبت على الرجل أو لعلك وهمت» ، فأقسم زيد ما كان شيء من ذلك، ولقد سمع من عبد الله بن أبيّ ما حكى، فعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله بن أبي عند رجال من الأنصار، فبلغه ذلك، فجاء وحلف ما قال، وكذّب زيدا، وحلف معه قوم من المنافقين، فكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، وصدق عبد الله بن أبي، فبقي زيد في منزله لا يتصرف حياء من الناس، فنزلت هذه السورة عند ذلك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيد وقال له: «لقد صدقك الله يا زيد ووفت أذنك» ، فخزي عند ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول، ومقته الناس، ولامه المؤمنون من قومه وقال بعضهم: امض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترف بذنبك يستغفر لك، فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي، وقال لهم: لقد أشرتم عليّ بأن أعطي زكاة من مالي ففعلت، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد.

قال القاضي أبو محمد: فهذا هو قصص هذه السورة موجزا، و «تعال» نداء يقتضي لفظه أنه دعاء الأعلى للأسفل، ثم استعمل لكل داع لما فيه من حسن الأدب. وقرأ نافع والمفضل عن عاصم «لووا» بتخفيف الواو، وهي قراءة الحسن بخلاف ومجاهد، وأهل المدينة، وقرأ الباقون وأبو جعفر والأعمش:

«لوّوا» بشد الواو على تضعيف المبالغة، وهي قراءة طلحة وعيسى وأبي رجاء وزر والأعرج، وقرأ بعض القراء هنا: «يصدون» بكسر الصاد، والجمهور بضمها، وقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ الآية، روي أنه لما نزلت: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: ٨٠] ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لأزيدن على السبعين» ، وفي حديث آخر: «لو علمت أني إن زدت على السبعين غفر لهم لزدت» ، فكأنه عليه السلام رجا أن هذا الحد ليس على جهة الحتم جملة، بل على أن ما يجاوزه يخرج عن حكمه، فلما فعل ابن أبي وأصحابه ما فعلوا شدد الله تعالى عليهم في هذه السورة، وأعلم أنه لن يغفر لهم دون حد في الاستغفار، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أعلم أني إن زدت غفر لهم» نص على رفض دليل الخطاب.

وقرأ جمهور الناس: «أستغفرت» بالقطع وألف الاستفهام، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: «آستغفرت» بمدّ على الهمزة وهي ألف التسوية، وقرأ أيضا: بوصل الألف دون همز على الخبر، وفي هذا كله ضعف لأنه في الأولى: أثبت همزة الوصل، وقد أغنت عنها همزة الاستفهام، وفي الثانية: حذف همزة الاستفهام وهو يريدها وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر.

وقوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ أشار عبد الله بن أبي ومن قال بقوله، قاله علي بن سليمان ثم سفه أحلامهم في أن ظنوا إنفاقهم هو سبب رزق المهاجرين ونسوا أن جريان الرزق بيد الله تعالى، إذا انسد باب انفتح غيره، وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي: «حتى ينفضوا» بضم الياء وتخفيف الفاء، يقال: «أنفض» الرجل إذا فني طعامه فنفض وعاءه والخزائن موضع الإعداد، ونجد القرآن قد نطق في غير موضع بالخزائن ونجد في الحديث: «خزنة الربح» وفي القرآن: مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النور: ٤٣] ، فجائز أن تكون هذه عبارة عن القدرة وأن هذه الأشياء إيجادها عند ظهورها جائز. وهو الأظهر. إن منها أشياء مخلوقة موجودة يصرفها الله تعالى حيث شاء، وظواهر ألفاظ الشريعة تعطي هذا. ومعناه في التفسير قال عتت على الخزان، وفي الحديث: «ما انفتح من خزائن الربح على قوم عاد إلا قدر حلقة الخاتم، ولو انفتح مقدار منخر الثور لهلكت الدنيا» ، وقال رجل لحاتم الأصم: من أين تأكل، فقرأ: وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وقال الجنيد: خَزائِنُ السماء: الغيوب، وخَزائِنُ الأرض: القلوب: وقرأ الجمهور: «ليخرجن الأعز» بضم الياء وكسر الراء بمعنى أن العزيز يخرج الذليل ويبعده، وقال أبو حاتم: وقرىء «لنخرجن» بنون الجماعة مفتوحة، وضم الراء، «الأعزّ» نصبا منها، «الأذلّ» أيضا نصبا على الحال، وذكرها أبو عمر الداني عن الحسن، ورويت هذه القراءة: «لنخرجن» بضم النون وكسر الراء، وقرأ قوم فيما حكى الفراء والكسائي، وذكرها المهدوي: «ليخرجن الأعز منها الأذلّ» بفتح الياء وضم الراء. ونصب «الأذلّ» على الحال بمعنى: أن نحن الذين كنا أعزة سنخرج أذلاء، وجاءت هذه الحال معرفة، وفيها شذوذ، وحكى سيبويه: أدخلوا الأول فالأول، ثم أعلم تعالى أن العزة لله وللرسول وللمؤمنين، وفي ذلك وعيد، وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي، وكان رجلا صالحا لما سمع الآية، جاء إلى أبيه فقال له: أنت والله يا أبت الذليل، ورسول الله العزيز، فلما وصل الناس إلى المدينة، وقف عبد الله بن عبد الله على باب السكة التي يسلكها أبوه، وجرد السيف ومنعه الدخول، وقال: والله لا دخلت إلى منزلك إلا أن يأذن في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله ابن أبي في أذل الرجال، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه أن خلّه يمض إلى منزله، فقال: أما الآن فنعم، فمضى إلى منزله.

قوله عز وجل:

٩

انظر تفسير الآية:١١

١٠

انظر تفسير الآية:١١

١١

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)

الإلهاء الإشغال بملتذ وشهوة، وذكر اللَّهِ هنا عام في الصلاة والتوحيد والدعاء، وغير ذلك من فرض ومندوب، وهذا قول الحسن وجماعة من المفسرين، وقال الضحاك وعطاء وأصحابه: المراد بالذكر:

الصلاة المكتوبة، والأول أظهر، وكذلك قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ، قال جمهور من المتأولين:

المراد الزكاة، وقال آخرون: ذلك عام في مفروض ومندوب. وقوله: يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي علاماته، وأوائل أمره وقوله: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، طلب للكرة والإمهال، وفي مصحف أبي بن كعب:

«آخرتن» بغير ياء، وسماه قريبا لأنه آت، وأيضا فإنما يتمنى ذلك ليقضي فيه العمل الصالح فقط، وليس يتسع الأمل حينئذ لطلب العيش ونضرته، وفي مصحف أبي: «فأتصدق» ، وقوله: وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ظاهره العموم، فقال ابن عباس هو الحج، وروي عنه أنه قال في مجلسه يوما: ما من رجل لا يؤدي الزكاة ولا يحج إلا طلب الكرة عند موته فقال له رجل: أما تتقي الله المؤمن بطلب الكرة؟ فقال له ابن عباس:

نعم، وقرأ الآية، وقرأ جمهور السبعة والناس: «وأكن» بالجزم عطفا على الموضع، لأن التقدير: «إن تؤخرني أصدق، وأكن» ، هذا مذهب أبي علي، فأما ما حكاه سيبويه عن الخليل فهو غير هذا وهو جزم «أكن» على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، ولا موضع هنا، لأن الشرط ليس بظاهر، وإنما يعطف على الوضع حيث يظهر الشرط كقوله تعالى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ [الأعراف: ١٨٦] ، ونذرهم، فمن قرأ بالجزم عطف على موضع فَلا هادِيَ لَهُ [الأعراف: ١٨٦] ، لأنه وقع هنالك فعل كان مجزوما، وكذلك من قرأ: «ونكفر» بالجزم عطفا على موضع فهو خير لكم، وقرأها أبو عمرو وأبو رجاء والحسن وابن أبي إسحاق، ومالك بن دينار وابن محيصن والأعمش وابن جبير وعبيد الله بن الحسن العنبري، قال أبو حاتم، وكان من العلماء الفصحاء: «وأكون» بالنصب عطفا على فَأَصَّدَّقَ، وقال أبو حاتم في كتبها في المصحف بغير واو، وإنهم حذفوا الواو كما حذفوها من «أبجد» وغيره، ورجحها أبو علي، وفي مصحف أبيّ بن كعب وابن مسعود: «فأتصدق وأكن» وفي قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها، حض على المبادرة ومسابقة الأجل بالعمل الصالح، وقرأ السبعة والجمهور: «تعملون» بالتاء على المخاطبة لجميع الناس، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: «بما يعملون» بالياء على تخصيص الكفار بالوعيد.

﴿ ٠