بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة التغابن

قال بعض المفسرين: هي مدنية، وقال آخرون: هي مكية، إلا من قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ ... [التغابن: ١٤] إلى آخر السورة فإنه مدني. وذكر الثعلبي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مولود يولد إلا في تشابيك رأسه خمس آيات من فاتحة سورة التغابن.

قوله عز وجل:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١

انظر تفسير الآية:٤

٢

انظر تفسير الآية:٤

٣

انظر تفسير الآية:٤

٤

يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤)

قوله تعالى: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عموم معناه التنبيه، والشيء: الموجود، وقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ تعديد نعمة، والمعنى فَمِنْكُمْ كافِرٌ لنعمته في الإيجاد حين لم يوجد كافر لجهله بالله تعالى، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بالله، والإيمان به شكر لنعمته، فالإشارة في هذا التأويل في الإيمان والكفر هي إلى اكتساب العبد، هذا قول جماعة من المتأولين، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة» ، وقوله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: ٣٠] ، وكأن العبارة في قوله تعالى: فَمِنْكُمْ تعطي هذا، وكذلك يقويه قوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وقيل: المعنى «خلقكم منكم مؤمن ومنكم كافر» في أصل الخلق فهي جملة في موضع الحال، فالإشارة على هذا في الإيمان والكفر هي إلى اختراع الله تعالى وخلقه، وهذا تأويل ابن مسعود وأبي ذر، ويجري مع هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم يكون في بطن أمه نطفة أربعين يوما، ثم علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ثم يجيء الملك فيقول يا رب: أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق فما الأجل؟

فيكتب ذلك في بطن أمه» فقوله في الحديث: «أشقي أم سعيد» هو في هذه الآية: فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ويجري مع هذا المعنى قوله في الغلام الذي قتله الخضر: إنه طبع يوم طبع كافرا، وما روى ابن مسعود أنه عليه السلام قال: «خلق الله فرعون في البطن كافرا وخلق يحيى بن زكرياء مؤمنا» وقال عطاء بن أبي رباح: فمعنى الآية: فَمِنْكُمْ كافِرٌ بالله مُؤْمِنٌ بالكوكب، ومؤمن بالله كافر بالكوكب، وقدم الكافر لأنه أعرف من جهة الكثرة، وقوله تعالى: بِالْحَقِّ أي حين كان خلقها محقوقا في نفسه ليست عبثا ولا لغير معنى.

وقرأ جمهور الناس: «صوركم» بضم الصاد، وقرأ أبو رزين: «صوركم» بكسرها، وهذا تعديد النعمة في حسن الخلقة، لأن أعضاء ابن آدم متصرفة لجميع ما تتصرف به أعضاء الحيوان، وبزيادات كثيرة فضل بها ثم هو مفضل بحسن الوجه، وجمال الجوارح، وحجة هذا قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: ٤] ، وقال بعض العلماء: النعمة المعددة هنا إنما هي صورة الإنسان من حيث هو إنسان مدرك عاقل، فهذا هو الذي حسن له حتى لحق ذلك كمالات كثيرة.

قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أحرى في لغة العرب، لأنها لا تعرف الصور إلا الشكل، وذكر تعالى علمه بما في السماوات والأرض، فعم عظام المخلوقات، ثم تدرج القول إلى أخفى من ذلك وهو جميع ما يقوله الناس في سر وفي علن، ثم تدرج إلى ما هو أخفى، وهو ما يهجس بالخواطر، وذات الصدور: ما فيها من خطرات واعتقادات كما يقال: الذئب مغبوط بذي بطنه، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: إنما هو ذو بطن بنت خارجة، و «الصدور» هنا عبارة عن القلب، إذا القلب في الصدر.

قوله عز وجل:

٥

انظر تفسير الآية:٧

٦

انظر تفسير الآية:٧

٧

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧)

يَأْتِكُمْ جزم وأصله «يأتيكم» قال سيبويه: واعلم أن الآخر إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم، والخطاب في هذه الآية لقريش، ذكروا بما حل بعاد وثمود وقوم إبراهيم وغيرهم ممن سمعت قريش أخبارهم، و «وبال الأمر» : مكروهه، وما يسوء منه، وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُ إشارة إلى ذوق الوبال، وكون عذاب الآخرة لهم، ثم ذكر تعالى من مقالة أولئك الماضين ما هو مشبه لقول كفار قريش من استبعاد بعث الله للبشر، ونبوة أحد من بني آدم، وحسد الشخص المبعوث، وقوله: أَبَشَرٌ رفع بالابتداء، وجمع الضمير في قوله: يَهْدُونَنا من حيث كان البشر اسم هذا النوع الآدمي، كأنهم قالوا أناس هداتنا؟ وقوله تعالى: اسْتَغْنَى اللَّهُ عبارة عما ظهر من هلاكهم، وأنهم لن يضروا الله شيئا، فبان أنه كان غنيا أزلا وبسبب ظهور هلاكهم بعد أن لم يكن ظاهرا ساغ استعمال هذا البناء مسندا إلى اسم الله تعالى، لأن بناء استفعل إنما هو لطلب الشيء وتحصيله بالطلب، وقوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا يريد قريشا ثم هي بعد تعم كل كافر بالبعث، وقال عبد الله بن عمر: الزعم: كنية الكذب، وقال عليه السلام: بئس مطية الرجل زعموا، ولا توجد «زعم» مستعملة في فصيح من الكلام إلا عبارة عن الكذب، أو قول انفرد به قائله فيريد ناقله أن يبقي عهدته على الزاعم، ففي ذلك ما ينحو إلى تضعيف الزعم، وقول سيبويه: زعم الخليل إنما يجيء فيما انفرد الخليل به، ثم أمره تعالى أن يجيب نفيهم يما يقتضي الرد عليه إيجاب البعث وأن يؤكد ذلك بالقسم، ثم توعدهم تعالى في آخر الآية بأنهم يخبرون بأعمالهم على جهة التوقيف والتوبيخ، المؤدي إلى العقاب.

قوله عز وجل:

٨

انظر تفسير الآية:١١

٩

انظر تفسير الآية:١١

١٠

انظر تفسير الآية:١١

١١

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١)

هذا دعاء إلى الله تعالى وتبليغ وتحذير من يوم القيامة، و «النور» القرآن ومعانيه، والعامل في قوله يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ يحتمل أن تكون لَتُنَبَّؤُنَّ [التغابن: ٧] ، ويحتمل أن تكون خَبِيرٌ، وهو تعالى خبير في كل يوم، ولكن يخص ذلك اليوم، لأنه يوم تضرهم فيه خبرة الله تعالى بأمورهم، وقرأ جمهور السبعة:

«يجمعكم» بضم العين، وقرأ أبو عمر بسكونها، وروي عنه أنه أشمها الضم وهذا على جواز تسكين الحركة وإن كانت لإعراب، كما قال جرير: ولا تعرفكم العرب، وقرأ سلام ويعقوب: «نجمعكم» بالنون وضم العين، و: يوم الْجَمْعِ هو يوم القيامة، وهو يَوْمُ التَّغابُنِ، وذلك أن كل واحد ينبعث من قبره وهو يرجو حظا ومنزلة، فإذا وقع الجزاء غبن المؤمنون الكافرين لأنهم يحوزون الجنة ويحصل الكفار في النار، نحا هذا المنحى مجاهد وغيره، وليس هذا الفعل من التغابن من اثنين، بل كتواضع وتحامل، وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم: «نكفر عنه» بنون وكذلك: «ندخله» ، وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة والحسن بخلاف وطلحة، وقرأ الباقون والأعمش وعيسى والحسن في الموضعين بالياء على معنى يكفر الله، والأول هو نون العظمة وقوله تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ يحتمل أن يريد المصائب التي هي رزايا وخصها بالذكر بأنها الأهم على الناس والأبين أثرا في أنفسهم، ويحتمل أن يريد جميع الحوادث من خير وشر، وذلك أن الحكم واحد في أنها بِإِذْنِ اللَّهِ، والإذن في هذا الموضع عبارة عن العلم والإرادة وتمكين الوقوع، وقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ قال فيه المفسرون المعنى: ومن آمن وعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وعلمه، هانت عليه مصيبته وسلم الأمر لله تعالى.

وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف: «نهد» بالنون، وقرأ الضحاك: «يهد قلبه» برفع الياء. وقرأ عكرمة وعمرو بن دينار: «يهدأ» برفع القلب، وروي عن عكرمة أنه سكن بدل الهمزة ألفا، على معنى أن صاحب المصيبة يسلم فتسكن نفسه، ويرشد الله المؤمن به إلى الصواب في الأمور. وقوله تعالى: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ عموم مطلق على ظاهره.

قوله عز وجل:

١٢

انظر تفسير الآية:١٥

١٣

انظر تفسير الآية:١٥

١٤

انظر تفسير الآية:١٥

١٥

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥)

قوله تعالى: وَأَطِيعُوا عطف على فَآمِنُوا [التغابن: ٨] ، وقوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ... إلى إلى آخر الآية. وعيد وتربية لمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بلغ، وفي قوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ تحريض للمؤمنين على مكافحة الكفار والصبر على دين الله، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ ... إلى آخر السورة قرآن مدني، اختلف الناس في سببه، فقال عطاء بن أبي رباح: إنه نزل في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنه أراد غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاجتمع أهله وأولاده فثبطوه وتشكوا إليه فراقه، فرق ولم يغز، ثم إنه ندم وهم بمعاقبتهم، فنزلت الآية بسببه محذرة من الأزواج والأولاد وفتنتهم، ثم صرفه تعالى عن معاقبتهم بقوله: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وقال بعض المفسرين سبب الآية: إن قوما آمنوا بالله وثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة فلم يهاجروا إلا بعد مدة، فوجدوا غيرهم قد تفقه في الدين، فندموا وأسفوا وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم، ثم أخبر تعالى أن الأموال والأولادتْنَةٌ تشغل المرء عن مراشده وتحمله من الرغبة في الدنيا على ما لا يحمده في آخرته، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «الولد مجبنة» (مبخلة) ، وخرج أبو داود حديثا في مصنفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يخطب يوم الجمعة على المنبر حتى جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يجرانهما يعثران ويقومان، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى أخذهما وصعد بهما، ثم قرأ: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ الآية، وقال إني رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ في خطبته.

قال القاضي أبو محمد: وهذه ونحوها هي فتنة الفضلاء، فأما فتنة الجهال والفسقة، فمؤدية إلى كل فعل مهلك، وقال ابن مسعود: لا يقول أحدكم اللهم اعصمني عن الفتنة فإنه ليس يرجع أحد إلى أهل ومال إلا وهو مشتمل على فتنة، ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن. وقال عمر لحذيفة: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق، فقال عمر: ما هذا؟ فقال: أحب ولدي وأكره الموت.

وقوله تعالى: اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة.

قوله عز وجل:

١٦

انظر تفسير الآية:١٨

١٧

انظر تفسير الآية:١٨

١٨

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)

قال قتادة وفريق من الناس: إن قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ناسخ لقوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] ، وروي أن الأمر بحق التقاة نزل، فشق ذلك على الناس حتى نزل: مَا اسْتَطَعْتُمْ، وذهبت فرقة منهم أبو جعفر النحاس إلى أنه لا نسخ في الآيتين، وأن قوله: حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] مقصده «فيما استطعتم» ، ولا يعقل أن يطيع أحد فوق طاقته واستطاعته، فهذه على هذا التأويل مبينة لتلك، وتحتمل هذه الآية أن يكون: فَاتَّقُوا اللَّهَ مدة استطاعتكم التقوى، وتكون: مَا ظرفا للزمان كله كأنه يقول: حياتكم وما دام العمل ممكنا، وقوله: خَيْراً ذهب بعض النحاة إلى أنه نصب على الحال وفي ذلك ضعف، وذهب آخرون منهم إلى أنه نصب بقوله: وَأَنْفِقُوا قالوا والخبر هنا: المال، وذهب فريق منهم إلى أنه نعت لمصدر محذوف، تقديره: إنفاقا خَيْراً، ومذهب سيبويه:

أنه نصب بإضمار فعل يدل عليه أَنْفِقُوا.

وقرأ أبو حيوة: «يوقّ» بفتح الواو وشد القاف، وقرأ أبو عمرو «شح» بكسر الشين، وقد تقدم القول في: «شح» النفس ما هو في سورة الحشر. وقال الحسن: نظرك لامرأة لا تملكها شح، وقيل: يا رسول الله: ما يدخل العبد النار؟ قال: «شح مطاع، وهوى متبع، وجبن هالع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك» .

وقرأ جمهور السبعة: «تضاعفه» وقرأ ابن كثير وابن عامر: «يضاعفه» ، وذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحض هو على أداء الزكاة المفروضة، وذهب آخرون منهم إلى أن الآية، في المندوب إليه وهو الأصح إن شاء الله.

وقوله تعالى: وَاللَّهُ شَكُورٌ إخبار بمجرد شكره تعالى على الشيء اليسير، وأنه قد يحط به عن من يشاء الحوب العظيم لا رب غيره.

﴿ ٠