بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة القدراختلف الناس في موضع نزول هذه السورة، فقال قتادة: هي مكية، وقال ابن عباس وغيره: هي مدنية. قوله عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١انظر تفسير الآية:٥ ٢انظر تفسير الآية:٥ ٣انظر تفسير الآية:٥ ٤انظر تفسير الآية:٥ ٥إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) الضمير في أَنْزَلْناهُ للقرآن وإن لم يتقدم ذكره لدلالة المعنى عليه، فقال ابن عباس وغيره: أنزله الله تعالى ليلة الْقَدْرِ إلى السماء الدنيا جملة، ثم نجمه على محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة، وقال الشعبي وغيره: إِنَّا ابتدأنا إنزال هذا القرآن إليك فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وقد روي أن نزول الملك في حراء كان في العشر الأواخر من رمضان، فيستقيم هذا التأويل وقد روي أنه قد نزل في الرابع عشر من رمضان، فلا يستقيم هذا التأويل إلا على قول من يقول إن ليلة القدر تستدير الشهر كله ولا تختص بالعشر الأواخر، وهو قول ضعيف، حديث النبي صلى الله عليه وسلم يرده في قوله: «فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان» وقال جماعة من المتأولين معنى قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، إنا أنزلنا هذه السورة في شأن ليلة القدر وفي فضلها. وإذا كانت السورة من القرآن جاء الضمير للقرآن تفخيما وتحسينا، فقوله تعالى: فِي لَيْلَةِ هو قول عمر بن الخطاب: لقد خشيت أن ينزل في قرآن ليلة نزول سورة الفتح، ونحو قول عائشة في حديث الإفك: لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل في قرآن، ولَيْلَةُ الْقَدْرِ: هي ليلة خصها الله تعالى بفضل عظيم وجعلها أفضل مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، لا ليلة قدر فيها، قاله مجاهد وغيره، وخصت هذه الأمة بهذه الفضيلة لما رأى محمد عليه السلام أعمال أمته فتقاصرها، وقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ليلة القدر عبارة عن تفخيم لها، ثم أداره تعالى بعد قوله: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ، قال ابن عيينة في صحيح البخاري ما كان في القرآن: وَما أَدْراكَ فقد أعلمه، وما قال: «وما يدريك» فإنه لم يعلم، وذكر ابن عباس وقتادة وغيره: أنها سميت ليلة القدر، لأن الله تعالى يقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العالم كلها ويدفع ذلك إلى الملائكة لتمتثله، وقد روي مثل هذا في ليلة النصف من شعبان، ولهذا ظواهر من كتاب الله عز وجل على نحو قوله تعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان: ٤] ، وأما الصحة المقطوع بها فغير موجودة، وقال الزهري معناه: ليلة القدر العظيم والشرف الشأن من قولك: رجل له قدر، وقال أبو بكر الوراق: سميت ليلة القدر لأنها تكسب من أحياها قدرا عظيما لم يكن من قبل، وترده عظيما عند الله تعالى، وقيل سميت بذلك لأن كل العمل فيها له قدر خطير، وليلة القدر مستديرة في أوتار العشر الأواخر من رمضان، هذا هو الصحيح المعول عليه، وهي في الأوتار بحسب الكمال والنقصان في الشهر، فينبغي لمرتقبها أن يرتقبها من ليلة عشرين في كل ليلة إلى آخر الشهر، لأن الأوتار مع كمال الشهر، ليست الأوتار مع نقصانه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثالثة تبقى لخامسة تبقى، لسابعة تبقى» ، وقال: «التمسوها في الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة» ، وقال مالك: يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين، وقال ابن حبيب: يريد مالك إذا كان الشهر ناقصا، فظاهر هذا أنه عليه السلام احتاط في كمال شهر ونقصانه، وهذا لا تتحصل معه الليلة إلا بعمارة العشر كله، وروي عن أبي حنيفة وقوم: أن ليلة القدر رفعت، وهذا قول مردود، وإنما رفع تعيينها، وقال ابن مسعود: من يقم السنة كلها يصبها، وقال أبو رزين هي أول ليلة من شهر رمضان، وقال الحسن: هي ليلة سبع عشرة، وهي التي كانت في صبيحتها وقعة بدر، وقال كثير من العلماء: هي ليلة ثلاث وعشرين، وهي رواية عبد الله بن أنيس الجهني، وقاله ابن عباس، وقال أيضا هو وجماعة من الصحابة: هي ليلة سبع وعشرين، واستدل ابن عباس على قوله بأن الإنسان خلق من سبع وجعل رزقه في سبع، واستحسن ذلك عمر رضي الله عنه، وقال زيد بن ثابت وبلال: هي ليلة أربع وعشرين، وقال بعض العلماء: أخفاها الله تعالى عن عباده ليجدوا في العمل ولا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها، ثم عظم تعالى أمر ليلة القدر على نحو قوله: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: ٢] وغير ذلك، ثم أخبر أنها أفضل لمن عمل فيها عملا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام وثلث عام. وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال حين عوتب في تسليمه الأمر لمعاوية: إن الله تعالى أرى نبيه في المنام بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فاهتم لذلك فأعطاه الله ليلة القدر، وهي خير من مدة ملك بني أمية، وأعلمه أنهم يملكون الناس هذا القدر من الزمان. قال القاضي أبو محمد: ثم كشف الغيب أن كان من سنة الجماعة إلى قتل مروان الجعدي هذا القدر من الزمان بعينه مع أن القول يعارضه أنه قد ملك بنو أمية في غرب الأرض مدة غير هذه، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» . والرُّوحُ هو جبريل وقيل: هم صنف حفظة الملائكة وقوله تعالى: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ اختلف الناس في معناه، فمن قال إن في هذه الليلة تقدر الأمور للملائكة قال: إن هذا التنزل لذلك، ومِنْ لابتداء الغاية أي نزولهم من أجل هذه الأمور المقدرة وسببها، ويجيء سَلامٌ خبرا بنداء مستأنفا أي سلام هذه الليلة إلى أول يومها، وهذا قول نافع المقرئ والفراء وأبي العالية، وقال بعضهم مِنْ بمعنى الباء أي بكل أمر، ومن لم يقل بقدر الأمور في تلك الليلة قال معنى الآية تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بالرحمة والغفران والفواضل، ثم جعل قوله مِنْ كُلِّ أَمْرٍ متعلقا بقوله: سَلامٌ هِيَ أي من كل أمر مخوف ينبغي أن يسلم منه فهي سلام، وقال مجاهد: لا يصيب أحدا فيها داء. وقال الشعبي ومنصور: سَلامٌ بمعنى التحية أي تسلم الملائكة على المؤمنين، وقرأ ابن عباس وعكرمة والكلبي: «من كل امرئ» أي يسلم فيها من كل امرئ سوء، فهذا على أن سلاما بمعنى سلامة، وروي عنه أن سلاما بمعنى تحية، «وكل امرئ» يراد بهم الملائكة أي من كل ملك تحية على المؤمنين، وهذا للعاملين فيها بالعبادة. وذهب من يقول بانتهاء الكلام في قوله: سَلامٌ إلى أن قوله هِيَ إنما هذا إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين من الشهر، إذ هذه الكلمة هي السابعة والعشرون من كلمات السورة، وذكر هذا الغرض ابن بكير وأبو بكر الوراق والنقاش عن ابن عباس، وقرأ جمهور السبعة: «حتى مطلع الفجر» بفتح اللام، وقرأ الكسائي والأعمش وأبو رجاء وابن محيصن وطلحة: «حتى مطلع» بكسر اللام، فقيل هما بمعنى مصدران في لغة بني تميم، وقيل الفتح المصدر والكسر موضع الطلوع عند أهل الحجاز، والقراءة بالفتح أوجه على هذا القول، والأخرى تتخرج على تجوز كان الوقت ينحصر في ذلك الموضع ويتم فيه، ويتجه الكسر على وجه آخر، وهو أنه قد شذ من هذه المصادر ما كسر كالمعجزة، وقولهم علاه المكبر بفتح الميم وكسر الباء، ومنه المحيض فيجري المطلع مصدرا مجرى ما شذ، وفي حرف أبيّ بن كعب رضي الله عنه: «سلام هي إلى مطلع الفجر» . |
﴿ ٠ ﴾