بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة المسدوهي مكية بإجماع. قوله عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١انظر تفسير الآية:٥ ٢انظر تفسير الآية:٥ ٣انظر تفسير الآية:٥ ٤انظر تفسير الآية:٥ ٥تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥) روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] قال: «يا صفية بنت عبد المطلب، ويا فاطمة بنت محمد لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من مالي ما شئتما» ، ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش: «يا بني فلان، يا بني فلان» ، وروي أنه صاح بأعلى صوته: «يا صباحاه» فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم: «أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا، جمعتنا» ؟ فافترقوا عنه ونزلت السورة، وتَبَّتْ معناه: خسرت، والتباب: الخسار والدمار، وأسند ذلك إلى اليدين من حيث اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك، ثم أوجب عليه أنه قد تب أي حتم ذلك عليه، ففي قراءة عبد الله بن مسعود: «تبت يدا أبي لهب وقد تب» ، و «أبو لهب» : هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سبقت له الشقاوة، وقرأ ابن كثير وابن محيصن: «أبي لهب» بسكون الهاء، وقرأ الباقون: بتحريك الهاء، ولم يختلفوا في فتحها في ذاتَ لَهَبٍ، وقوله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ يحتمل أن تكون ما نافية، ويكون الكلام خبرا عن أن جميع أحواله الدنياوية لم تغن عنه شيئا حين حتم عذابه بعد موته، ويحتمل أن تكون ما استفهاما على وجه التقرير أي أين الغناء الذي لماله ولكسبه؟ وَما كَسَبَ: يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه، أو ليكون الكلام دالا على أنه أتعب فيه نفسه لم يجئه عفوا لا بميراث وهبة ونحوه، وقال كثير من المفسرين: المراد ب ما كَسَبَ بنوه، فكأنه قال: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وولده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير ما كسب الرجل من عمل يده وإن ولد الرجل من كسبه» ، وروي أن أولاد أبي لهب اختصموا عند ابن عباس فتنازعوا وتدافعوا، فقام ابن عباس ليحجز بينهم، فدفعه أحدهم، فوقع على فراشه، وكان قد كف بصره فغضب وصاح: أخرجوا عني الكسب الخبيث، وقرأ الأعمش وأبي بن كعب: «وما اكتسب» وقوله: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ حتم عليه بالنار وإعلام بأنه يوافي على كفره، وانتزع أهل الأصول من هذه الآية تكليف ما لا يطاق، وأنه موجود في قصة أبي لهب، وذلك أنه مخاطب مكلف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومكلف أن يؤمن بهذه السورة وصحتها، فكأنه قد كلف أن يؤمن، وأن يؤمن أنه لا يؤمن، قال الأصوليون ومتى ورد تكليف ما لا يطاق فهي أمارة من الله تعالى أنه قد حتم عذاب ذلك المكلف كقصة أَبِي لَهَبٍ، وقرأ الجمهور «سيصلى» بفتح الياء، وقرأ ابن كثير والحسن وابن مسعود بضمها، وقوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وعطف قوله وَامْرَأَتُهُ على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها، وقال ابن عباس: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه ليعقرهم، فلذلك سميت حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، وعلى هذا التأويل، ف حَمَّالَةَ معرفة يراد به الماضي، وقيل إن قوله حَمَّالَةَ الْحَطَبِ استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها، ف حَمَّالَةَ على هذا نكرة، يراد بها الاستقبال، وقيل هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين، كما تقول: فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين، وقال الشاعر: [الرجز] إن بني الأدرم حمالوا الحطب ... هم الوشاة في الرضى وفي الغضب وقرأ ابن مسعود: «ومرياته» ، وقرأ الجمهور: «حمالة» بالرفع، وقرأ عاصم: «حمالة» بالنصب على الذم، وهي قراءة الحسن والأعرج وابن محيصن، وقرأ ابن مسعود: «حمالة للحطب» بالرفع ولام الجر، وقرأ أبو قلابة: «حاملة» الميم بعد الألف، وقوله: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، قال ابن عباس والضحاك والسدي وابن زيد: الإشارة إلى الحبل حقيقة الذي ربطت به الشوك وحطبه، قال السدي: «المسد» الليف، وقيل: ليف المقل ذكره أبو الفتح وغيره، وقال ابن زيد: هو شجر باليمن يسمى المسد، تصنع منه الحبال، وقال النابغة: [البسيط] مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد القعو: البكرة، والمسد: الحبل، وقال عروة بن الزبير وسفيان ومجاهد وغيرهم: هذا الكلام استعارة والمراد سلسلة من حديد في جهنم ذرعها سبعون ذراعا، ونحو هذا من العبارات، وقال قتادة: حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، قلادة من ودع، قال ابن المسيب: كان لها قلادة فاخرة فقالت: لأنفقنها على عداوة محمد. قال القاضي أبو محمد: فإنما عبر عن قلادتها ب حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ على جهة التفاؤل لها، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث، وروي في هذا الحديث أن هذه السورة لما نزلت وقرئت، بلغت أم جميل فجاءت أبا بكر وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقالت: يا أبا بكر: بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وإني شاعرة وقد قلت فيه: [الرجز] مذمما قلينا ودينه أبينا فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها» . |
﴿ ٠ ﴾