الحديد{ بسم اللّه الرحمن الرحيم } وهى كلها مكية أو مدنية آياتها تسع وعشرون وكلماتها خمسمائة وأربع وأربعون وحروفها ألفان وأربعمائة وست وسبعون قوله جل ذكره ١{ سبح للّه } يقول صل للّه ويقال ذكر اللّه { ما في السماوات } من الخلق { والأرض } من الخلق { وهو العزيز } بالنقمة لمن لا يؤمن به { الحكيم } فى أمره وقضائه أمر أن لا يعبد غيره ٢{ له ملك السماوات والأرض } خزائن السموات المطر والأرض النبات { يحيي } للبعث { ويميت } فى الدنيا { وهو على كل شيء } من الأحياء والإماتة { قدير ٣{ هو الأول } قبل كل شىء { والآخر } بعد كل شىء { والظاهر } على كل شىء { والباطن } بكل شىء { وهو بكل شيء عليم } معناه هو الأول الحى القديم الأزلى كان قبل كل حى أحياه اللّه والآخر هو الحى الباق الدائم يكون بعد كل حى أماته والظاهر الغالب على كل شىء والباطن هو العالم بكل شىء ويقال هو الأول هو القديم بلا إقدام أحد والآخر هو الباقى بلا إبقاء أحد والظاهر هو الغالب بلا إغلاب أحد والباطن هو العالم بالظاهر والباطن بلا اعلام أحد ويقال هو الأول قبل كل أول بلا غاية الأولية والآخر بعد كل آخر بلا غاية الآخرية ويقال هو الأول مؤول كل أول والآخر مؤخر كل آخر كان قبل كل شىء خلقه ويكون بعد كل شىء أفناه وهو الحى الباقى الدائم بلا موت ولا فناء ولا زوال وهو بكل شىء من الأول والآخر والظاهر عليم ٤{ هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } من أيام أول الدنيا طول كل يوم ألف سنة أول يوم منها يوم الأحد وآخر يوم منها يوم الجمعة { ثم استوى } استقر ويقال امتلأ { على العرش } وكان اللّه قبل أن خلق السموات والأرض على العرش بلا كيف { يعلم ما يلج في الأرض } ما يدخل فى الأرض من الأمطار والكنوز والأموات { وما يخرج منها } من الأرض من الأموات والنبات والمياه والكنوز { وما ينزل من السماء } من الرزق والمطر والملائكة والمصائب { وما يعرج فيها } وما يصعد إليها من الملائكة والحفظة والأعمال { وهو معكم } عالم بكم { أين ما كنتم } فى بر أو بحر { واللّه بما تعملون } من الخير والشر { بصير ٥{ له ملك السماوات والأرض } خزائن السموات المطر والأرض النبات { وإلى اللّه ترجع الأمور } عواقب الأمور فى الآخرة ٦{ يولج } يدخل ويزيد { الليل في النهار ويولج } يدخل ويزيد { النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور } بما فى القلوب من الخير والشر ٧{ آمنوا باللّه } يا أهل مكة { ورسوله } محمد صلى اللّه عليه وسلم { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } مالكين عليه فى سبيل اللّه { فالذين آمنوا منكم } يا أهل مكة { وأنفقوا } مالهم فى سبيل اللّه { لهم أجر كبير } ثواب عظيم فى الجنة بالإيمان والنفقة ٨{ وما لكم } يا أهل مكة { لا تؤمنون باللّه } لا توحدون باللّه { والرسول } محمد صلى اللّه عليه وسلم { يدعوكم } إلى التوحيد { لتؤمنوا بربكم } لكى توحدوا بربكم { وقد أخذ ميثاقكم } إقراركم بالتوحيد { إن كنتم } إذ كنتم { مؤمنين } يوم الميثاق ٩{ هو الذي ينزل على عبده } محمد صلى اللّه عليه وسلم { آيات بينات } جبريل بآيات مبينات بالأمر والنهى والحلال والحرام { ليخرجكم } بالقرآن ودعوة النبى صلى اللّه عليه وسلم { من الظلمات إلى النور } من الكفر إلى الإيمان ويقال قد أخرجكم من الكفر إلى الإيمان { وإن اللّه بكم } يا معشر المؤمنين { لرؤوف رحيم } حين أخرجكم من الكفر إلى الإيمان ١٠{ وما لكم } يا معشر المؤمنين { ألا تنفقوا في سبيل اللّه } فى طاعة اللّه { وللّه ميراث السماوات والأرض } ميراث أهل السموات وأهل الأرض يموت أهلها ويبقى هو ويرجع الأمر كله إليه { لا يستوي منكم } يا معشر المؤمنين عند اللّه فى الفضل والطاعة والثواب { من أنفق من قبل الفتح } فتح مكة { وقاتل } العدو مع النبى صلى اللّه عليه وسلم { أولئك } أهل هذه الصفة { أعظم درجة } فضيلة ومنزلة عند اللّه بالطاعة والثواب وهو أبو بكر الصديق { من الذين أنفقوا من بعد } من بعد فتح مكة { وقاتلوا } العدو فى سبيل اللّه مع النبى صلى اللّه عليه وسلم { وكلا } كلا لفريقين من أنفق وقاتل من قبل الفتح وبعد الفتح { وعد اللّه الحسنى } الجنة بالإيمان { واللّه بما تعملون } بما تنفقون { خبير ١١{ من ذا الذي يقرض اللّه } فى الصدقة { قرضا حسنا } محتسبا صادقا من قلبه { فيضاعفه له } يقبله ويضاعف له فى الحسنات ما بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة إلى ألفى ألف إلى ما شاء من الأضعاف { وله } عنده { أجر كريم } ثواب حسن فى الجنة نزلت هذه الآية فى أبى الدحداح ١٢{ يوم } وهو يوم القيامة { ترى } يا محمد { المؤمنين } المصدقين { والمؤمنات } المصدقات بالإيمان { يسعى نورهم } يضىء نورهم { بين أيديهم } على الصراط { وبأيمانهم } وشمائلهم { بشراكم اليوم } تقول لهم الملائكة على الصراط لكم اليوم { جنات تجري من تحتها } من تحت شجرها ومساكنها { الأنهار } أنهار الخمر والماء والعسل واللبن { خالدين فيها } مقيمين فى الجنة لا يموتون فيها ولا يخرجون منها { ذلك هو الفوز العظيم } النجاة الوافرة فازوا بالجنة وما فيها ونجوا من النار وما فيها ١٣{ يوم } وهو يوم القيامة بعد ما طفىء نور المنافقين على الصراط { يقول المنافقون } من الرجال { والمنافقات } من النساء { للذين آمنوا } للمؤمنين المخلصين على الصراط { انظرونا } ارقبونا وانتظرونا يا معشر المؤمنين { نقتبس من نوركم } نستضىء بنوركم ونجوز به على الصراط معكم { قيل } يقول لهم المؤمنون ويقال يقول لهم الملائكة ويقال يقول اللّه لهم { ارجعوا وراءكم } خلفكم إلى الدنيا ويقال إلى الموقف حيث أعطينا النور { فالتمسوا } فاطلبوا { نورا } وهذا استهزاء من اللّه على المنافقين ويقال من المؤمنين على المنافقين فيرجعون فى طلب النور { فضرب بينهم } يقول بنى بينهم وبين المؤمنين { بسور } بحائط { له باب باطنه فيه الرحمة } الجنة { وظاهره من قبله العذاب } من نحوه النار ١٤{ ينادونهم } من وراء السور { ألم نكن معكم } على دينكم يا معشر المؤمنين { قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم } أهلكتم أنفسكم بكفر السر والنفاق { وتربصتم } تركتم التوبة من الكفر والنفاق ويقال انتظرتم موت محمد صلى اللّه عليه وسلم وإظهار الكفر { وارتبتم } شككتم باللّه وبالكتاب والرسول { وغرتكم الأماني } الأباطيل والتمنى { حتى جاء أمر اللّه } وعد اللّه بالموت على غير التوبة من الكفر والنفاق { وغركم باللّه } عن طاعة اللّه { الغرور } يعنى الشيطان ويقال أباطيل الدنيا إن قرأت بضم الغين ١٥{ فاليوم } وهو يوم القيامة { لا يؤخذ منكم } لا يقبل منكم يا معشر المنافقين { فدية } فداء { ولا من الذين كفروا } بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن ولم يؤمنوا { مأواكم النار } مصيركم النار { هي مولاكم } أولى بكم النار { وبئس المصير } صاروا إليه النار قرناؤهم الشياطين وجيرانهم الكفار وطعامهم الزقوم وشرابهم الحميم ولباسهم مقطعات النيران وزوارهم الحيات والعقارب ١٦ثم ذكر قلوبهم إذا كانوا فى الدنيا فقال { ألم يأن } ألم يحن وقت { للذين آمنوا } بالعلانية { أن تخشع قلوبهم } أن تلين وتذل وتخلص قلوبهم { لذكر اللّه } وعد اللّه ووعيده ويقال لتوحيد اللّه { وما نزل من الحق } من الأمر والنهى والحلال والحرام فى القرآن { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب } أعطوا العلم بالتوراة { من قبل } من قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن فهم أهل التوراة { فطال عليهم الأمد } الأجل { فقست } غشيت ويبست وجفت { قلوبهم } عن الإيمان وهم الذين خالفوا دين موسى { وكثير منهم } من أهل التوراة { فاسقون } كافرون لا يؤمنون باللّه فى علم اللّه ١٧{ اعلموا أن اللّه يحيي الأرض } بالمطر { بعد موتها } بعد قحطها ويبوستها كذلك يحيى اللّه بالمطر الموتى { قد بينا لكم الآيات } إحياء الموتى { لعلكم تعقلون } لكى تصدقوا بالبعث بعد الموت ١٨{ إن المصدقين } من الرجال { والمصدقات } من النساء بالإيمان ويقال المصدقين من الرجال والمتصدقات من النساء { وأقرضوا اللّه } فى الصدقات { قرضا حسنا } محتسبا صادقا من قلوبهم { يضاعف لهم } يقبل منهم ويضاعف لهم فى الحسنات ما بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة إلى ألفى ألف إلى ما شاء اللّه من الأضعاف { ولهم أجر كريم } ثواب حسن فى الجنة ١٩{ والذين آمنوا باللّه ورسله } من جميع الأمم { أولئك هم الصديقون } فى إيمانهم { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم } ثوابهم { ونورهم } على الصراط ويقال والشهداء مفصول من الكلام الأول وهم الأنبياء الذين يشهدون على قومهم بالتبليغ ويقال هم الشهداء للأنبياء على قومهم ويقال هم الشهداء الذين قتلوا فى سبيل اللّه لهم أجرهم ثوابهم ثواب النبيين بتبليغ الرسالة ونورهم على الصراط يمشون به { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } بالكتاب والرسول { أولئك أصحاب الجحيم } أهل النار ٢٠{ اعلموا أنما الحياة الدنيا } ما فى الحياة الدنيا { لعب } فرح { ولهو } باطل { وزينة } منظر { وتفاخر بينكم } فى الحسب والنسب { وتكاثر في الأموال والأولاد } يذهب ولا يبقى { كمثل غيث } مطر { أعجب الكفار } الزراع { نباته } نبات المطر { ثم يهيج } يتغير بعد خضرته { فتراه مصفرا } بعد خضرته { ثم يكون حطاما } يابسا بعد صفرته كذلك الدنيا لا تبقى كما لا يبقى هذا النبات { وفي الآخرة عذاب شديد } لمن ترك طاعة اللّه ومنع حق اللّه { ومغفرة من اللّه ورضوان } فى الآخرة لمن أطاع اللّه وأدى حق اللّه من ماله { وما الحياة الدنيا } ما فى بقائها وفنائها { إلا متاع الغرور } كمتاع البيت من القدر والقصعة والسكرجة ثم قال لجميع الخلق ٢١{ سابقوا } بالتوبة من ذنوبكم { إلى مغفرة } إلى تجاوز { من ربكم وجنة } وإلى جنة بالعمل الصالح { عرضها كعرض السماء والأرض } لو وصلت بعضها إلى بعض { أعدت } خلقت وهيئت { للذين آمنوا باللّه ورسله } من جميع الأمم { ذلك } المغفرة والرضوان والجنة { فضل اللّه } من اللّه { يؤتيه } يعطيه { من يشاء } من كان أهلا لذلك { واللّه ذو الفضل } ذو المن { العظيم } بالجنة ٢٢{ ما أصاب من مصيبة في الأرض } من القحط والجدوبة وغلاء السعر وتتابع الجوع { ولا في أنفسكم } من الأمراض والأوجاع والبلايا وموت الأهل والولد وذهاب المال { إلا في كتاب } يقول مكتوب عليكم فى اللوح المحفوظ { من قبل أن نبرأها } أن نخلقها تلك الأنفس والأرض { إن ذلك } حفظ ذلك { على اللّه يسير } هين من غير كتاب ولكن كتب ٢٣{ لكي لا تأسوا } لا تحزنوا { على ما فاتكم } من الرزق والعافية فتقولوا لم يكتب لنا { ولا تفرحوا } لا تبطروا { بما آتاكم } بما أعطاكم فتقولوا هو أعطانا { واللّه لا يحب كل مختال } فى مشيته { فخور } بنعم اللّه ويقال مختال فى الكفر فخور فى الشرك وهم اليهود ٢٤{ الذين يبخلون } يكتمون صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته فى التوراة { ويأمرون الناس بالبخل } فى التوراة بكتمان صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته { ومن يتول } عن الإيمان { فإن اللّه هو الغني } عن الإيمان { الحميد } لمن وحدوه ويقال المحمود فى فعاله يشكر اليسير ويجزى الجزيل ٢٥{ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } بالأمر والنهى والعلامات { وأنزلنا معهم الكتاب } وأنزلنا عليهم جبريل بالكتاب { والميزان } بينا فيه العدل { ليقوم } ليأخذ { الناس بالقسط } بالعدل { وأنزلنا الحديد } خلقنا الحديد { فيه بأس شديد } قوة شديدة لا تلينه إلا النار ويقال فيه بأس شديد الحرب والقتال { ومنافع للناس } لأمتعتهم مثل السكاكين والفأس والمبرد وغير ذلك { وليعلم اللّه } لكى يرى اللّه { من ينصره ورسله بالغيب } بهذه الأسلحة { إن اللّه قوي } بنصرة أوليائه { عزيز } بنقمة أعدائه ٢٦{ ولقد أرسلنا نوحا } إلى قومه بعد آدم بثمانمائة سنة فلبث فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يؤمنوا فأهلكهم اللّه بالطوفان { وإبراهيم } وأرسلنا إبراهيم إلى قومه بعد نوح بألف ومائتى عام واثنتين وأربعين سنة { وجعلنا في ذريتهما } فى نسلهما نسل نوح وإبراهيم { النبوة والكتاب } وكان فيهم الأنبياء وفيهم الكتاب { فمنهم مهتد } مؤمن بالكتاب والرسول { وكثير منهم فاسقون } كافرون بالكتاب والرسول ٢٧{ ثم قفينا على آثارهم } أتبعنا وأردفنا بعد نوح وإبراهيم فى ذريتهما { برسلنا } بعضهم على أثر بعض { وقفينا على آثارهم } اتبعنا وأردفنا بعد هؤلاء الرسل غير محمد صلى اللّه عليه وسلم { بعيسى ابن مريم وآتيناه } أعطيناه { الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه } اتبعوا دين عيسى { رأفة } رقة وتعطفا يعطف بعضهم على بعض { ورحمة } يرحم بعضهم بعضا { ورهبانية ابتدعوها } أعدوا لها الصوامع والديور ليترهبوا فيها وينجوا من فتنة بولس اليهودى { ما كتبناها عليهم } ما فرضنا عليهم الرهبانية { إلا ابتغاء رضوان اللّه } إلا طلب رضا اللّه ويقال ابتدعوها إلا إبتغاء رضوان اللّه ما كتبناها عليهم ما فرضنا عليهم الرهبانية ولو فرضنا عليهم الرهبانية { فما رعوها } فما حفظوا الرهبانية { حق رعايتها } حق حفظها { فآتينا } فأعطينا { الذين آمنوا منهم } من الرهبان { أجرهم } ثوابهم مرتين بالإيمان والعبادة وهم الذين لم يخالفوا دين عيسى بن مريم وبقى منهم أربعة وعشرون رجلا فى أهل اليمن جاءوا إلى النبى صلى اللّه عليه وسلم وآمنوا به ودخلوا فى دينه { وكثير منهم } من الرهبان { فاسقون } كافرون وهم الذين خالفوا دين عيسى ٢٨{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه } اخشوا اللّه { وآمنوا برسوله } اثبتوا على إيمانكم باللّه ورسوله { يؤتكم } يعطكم { كفلين } ضعفين { من رحمته } من ثوابه وكرامته { ويجعل لكم نورا تمشون به } بين الناس وعلى الصراط { ويغفر لكم } ذنوبكم فى الجاهلية { واللّه غفور } لمن تاب { رحيم } لمن مات على التوبة ٢٩{ لئلا يعلم } لكى يعلم { أهل الكتاب } عبد اللّه بن سلام وأصحابه { ألا يقدرون على شيء من فضل اللّه } من ثواب اللّه { وأن الفضل } الثواب والكرامة { بيد اللّه يؤتيه } يعطيه { من يشاء } من كان أهلا لذلك { واللّه ذو الفضل } ذو المن { العظيم } على المؤمنين بالثواب والكرامة نزلت من قوله { يا أيها الذين آمنوا } إلى ههنا فى شأن عبد اللّه بن سلام حيث افتخر على أبى بن كعب وأصحابه بأن لنا أجرين ولكم أجر واحد ومن السورة التى يذكر فيها المجادلة |
﴿ ٠ ﴾