٣٠ وسئل عن قوله : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً } [ ٣٠ ] قال : إن اللّه تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السلام قال للملائكة : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً } وخلق آدم عليه السلام من طين العزة من نور محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وأعلمه أن نفسه الأمّارة بالسوء أعدى عدو له ، وأنه خلقها ليسارها عليه بمعلومه فيها خواطر وهمماً ، يأمرها بإدامة الافتقار واللجأ إليه ، إن أبدى عليها طاعة قالت : أعني ، وإن حركت إلى معصية قالت : اعصمني ، وإن حركت إلى نعمة قالت : أوزعني ، وإن قال لها : اصبري على البلاء ، قالت : صبرني ، ولا يساكن قلبه أدنى وسوسة لها دون الرجوع عنها إلى ربه ، وجعل طبعها في الأمر ساكناً ، وفي النهي متحركاً ، وأمره بأن يسكن عن المتحرك ، ويتحرك عن الساكن بلا حول ولا قوة إلاَّ باللّه ، أي لا حول له عن معصيته إلاَّ بعصمته ، ولا قوة له على طاعته إلاَّ بمعونته ، ثم أمره بدخول الجنة والأكل منها رغداً حيث شاء . ونص عليه النهي عن الأكل من الشجرة ، فلما دخل الجنة ورأى ما رأى قال : لو خلدنا ، وإنما لنا أجل مضروب إلى غاية معلومة . فأتاه إبليس من قبل مساكنة قلبه بوسوسة نفسه في ذلك ، فقال : هل أدلك على شجرة الخلد التي تتمناها في هذه الدار ، وهي سبب البقاء والخلود : { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } [ الأعراف : ٢٠ ] فكانت دلالته هذه غروراً . وألحق اللّه عزَّ وجلَّ به وسوسة العدو لسابق علمه فيه ، وبلوغ تقديره وحكمه العادل عليه . وأول نسيان وقع في الجنة نسيان آدم عليه السلام ، وهو نسيان عمد لا نسيان خطأ ، يعني تركُ العهد . قال سهل : بلغني عن بعض التابعين أنه قال : النسيان في كتاب اللّه عزَّ وجلَّ على وجهين : الترك ، كما قال في سورة البقرة : { أو نُنسِهَا } [ البقرة : ١٠٦ ] أي نتركها فلا ننسخها ، ومثله قوله : { وَلاَ تَنسَوا الفضل بَيْنَكُمْ } [ البقرة : ٢٣٧ ] أي لا تتركوا الفضل بينكم ، كذلك في طه : { فَنَسِيَ } [ طه : ٨٨ ] يعني ترك العهد ، ومثله في تنزيل السجدة : { فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ } [ السجدة : ١٤ ] أي تركناكم في العذاب كما تركناكم من العصمة عند الإقامة على الإصر . قال : والوجه الآخر النسيان هو الذي لا يحفظ فيذهب من ذكره ، كما قال في الكهف : { فَإِنِّي نَسِيتُ الحوت } [ الكهف : ٦٣ ] أي لم أحفظ ذكره ، وذلك أن اللّه تعالى جعل للشيطان شركة مع نفس الجبلة فيما هو من حظوظها الذي هو شيء غير اللّه تعالى ، وقول موسى للخضر : { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } [ الكهف : ٧٣ ] أي ذهب مني ذكره ، وقال في سبح : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى } [ الأعلى : ٦ ] أي سنحفظك فلا تنسى ، وهذا لإطراقه إلى تدبير نفسه . ولم تكن فكرته اعتباراً ، فكانت تكون عبادة ، وإنما كانت فكرة بطبع نفس الجبلة ، وهذا حكم اللّه تعالى به قبل خلق السماوات والأرض أنه لا يرى بقلبه عنده شيئاً ، وهو غيره مساكناً إياه ، إلاَّ سلط عليه إبليس يوسوس في صدره إلى نفسه بالهوى في معنى دعته إليه ، أو يرجع باللجأ إلى ربه والاعتصام به ، فستر اللّه بذكره في أوطانه عند الإقامة على النهي ، حتى تم سابق علم اللّه إليه فيما نهاه عنه أن سيكون ذلك منه ، وصار فعله علم سنّة في ذريته إلى يوم القيامة . ولم يرد اللّه معاني الأكل في الحقيقة ، وإنما أراد معاني مساكنة الهمة مع شيء هو غيره ، أي لا يهتم بشيء هو غيري . فآدم صلوات اللّه عليه لم يعتصم من الهمة والفعل في الجنة ، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك . وكذلك من ادعى ما ليس له ، وساكنه قلبه ناظراً إلى هوى نفسه فيه ، لحقه الترك من اللّه عزَّ وجلَّ مع ما حل عليه نفسه إلاَّ إن رحمه ، فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها ، يعني إبليس ، فأهل الجنة معصومون فيها من التدبير الذي كانوا به في دار الدنيا ، فآدم صلوات اللّه عليه لم يعصم من مساكنة قلبه تدبير نفسه بالخلود لما أدخل الجنة ، ألا ترى أن البلاء دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه ، فغلب الهوى والشهوة على العلم والعقل والبيان ونور القلب لسابق القدر من اللّه تعالى ، حتى انتهى كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( إن الهوى والشهوة يغلبان العلم والعقل ) . وسئل عن قوله : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } [ ٣٠ ] فقال : أي نطهر أنفسنا بقولنا ما ألهمتنا تفضلاً منك علينا ، تباركت ربنا . |
﴿ ٣٠ ﴾