سورة آل عمران

١

{ الم اللّه لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } [ ١-٢ ] قال : هو اسم اللّه الأعظم مكتوب على السماء بالنور الأخضر من المشرق إلى المغرب .

٤

قوله : { وَأَنْزَلَ الفرقان } [ ٤ ] يعني القرآن فيه المخرج من الشبهة والضلالة .

٧

قوله : { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتغاء الفتنة } [ ٧ ] يعني الكفر .

{ وابتغاء تَأْوِيلِهِ } [ ٧ ] يعني تفسيره على ما يوافق هوى نفوسهم .

{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّه } [ ٧ ] قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : أنزل القرآن على أربعة أحرف ، حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلاَّ اللّه تعالى ، فمن ادعى علمه سوى اللّه عزَّ وجلَّ فهو كاذب .

قوله : { والراسخون فِي العلم } [ ٧ ] قال : حكي عن علي رضي اللّه عنه : هم الذين حجبهم العلم عن الاقتحام بالهوى والحجج المضروبة ، دون الغيوب لما هداهم اللّه وأشرفهم على أسراره المغيبة في خزائن العلوم فقالوا :

{ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } [ ٧ ] فشكر اللّه تعالى لهم وجعلهم أهل الرسوخ والمبالغة في العلم زيادة منه لهم ، كما قال اللّه تعالى : { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : ١١٤ ] قال سهل : استثنى اللّه تبارك وتعالى الراسخين في العلم بقولهم :

{ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } [ ٧ ] يعني الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ، وهم الكاشفون عن العلوم الثلاثة إذ العلماء ثلاثة : الربانيون والنورانيون والذاتيون ، وبعد العلوم الأربعة : الوحي والتجلي والعندي واللدني ، كما قال تعالى : { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [ الكهف : ٦٥ ] ، { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الألباب } [ البقرة : ٢٦٩ ] أي وما يتذكر إلاَّ أولو الفهم والعقول الذين يقولون :

{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [ ٨ ] أي لا تُمل قلوبنا عن الإيمان بعد إذ هديتنا بهداية منك ،

{ وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب } [ ٨ ] لمن رجع إليك بالافتقار والتضرع والمسكنة . ثم قال سهل : ليس للعبد حيلة سوى أن يواظب في جميع عمره على قول : ( رب سلم سلم ، الأمان الأمان ، الغوث الغوث ) .

قال اللّه تعالى : { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [ الأعراف : ٢٩ ] يعني ينبغي للموحد أن يعلم يقيناً أنه ليس كل من أحل الحق أحبه ، لأن إبليس قابله بعلاء الحب فقال : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : ٦١ ] وأنت اللّه لا يجوز أن يعبد غيرك ، حتى لعنه . فليس كل من تقرب إليه قبله وليس كل من أطاعه قبل طاعته ، إنه بصير بما في الضمير ، فلا يأمن أحد أن يفعل به كما فعل بإبليس لعنه بأنوار عصمته ، وهو عنده في حقائق لعنته ، ستر عليه ما سبق منه إليه حتى عاقبه بإظهاره عليه ، فليس للعبد إلاَّ استدامة الغوث بين يديه . وقد كان الرسول صلى اللّه عليه وسلم يقول : ( يا ثابت المثبتين ثبتني بثباتك ، يا ثابت الوحدانية لا إله إلاَّ أنت ، سبحانك إني كنت من الظالمين ) وكان يقول : ( يا ولي الإسلام وأهله ثبتني بالإسلام حتى ألقاك به ) ، قال : وموضع الإيمان باللّه تعالى القلب ، وموضع الإسلام الصدر ، وفيه تقع الزيادة والنقصان .

١٥

وقوله : { وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [ ١٥ ] يعني من الأحداث التي كانت تنالهن في الدنيا من الحيض وغيره ، ألا ترى إلى قوله : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : ٢١ ] أي طهرهم به من بقاء أدناس الدنيا .

١٨

قوله : { شَهِدَ اللّه } [ ١٨ ] قال : أي علم اللّه وبيّن

{ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ } [ ١٨ ] شهد لنفسه بنفسه ، وهو خاص لذاته واستشهد من استشهد من خلقه قبل خلقهم بعلمه ، فنبه به أهل معرفته أنه عالم بما يكون قبل كونه ، وأن حقيقة التوحيد ما كان بدون الأكوان ، كما شهد به الحق لنفسه بنفسه قبل الأكوان . وقال عبد الواحد : كنت مع أيوب السختياني فرأى حمالاً يحمل الحطب ، فقلت : هل لك برب؟ فقال : أمثلي يُسأل عن ربه . فقلت له : إن كان لك خالق كما تزعم ، فلم اشتغلت بالحطب؟ فأشار الرجل إلى السماء ، فصار الحطب ذهباً ، فتعجبنا منه لذلك ، ثم قال : اللّهم لا حاجة لي إلى هذا ، فتحول الذهب حطباً كما كان ، فقلنا له : ما حملك على هذا؟ فقال : لأني عبد ، فأحمل هذا كي لا أنسى نفسي .

١٩

وكذلك قوله : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّه الإسلام } [ ١٩ ] .

٢٦

قوله : { قُلِ اللّهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ } [ ٢٦ ] يعني المعرفة والتوحيد وشرائع دينك الإسلام والعاقبة المحمودة ، وهو أن يتولى اللّه العبد ولا يكله إلى نفسه .

٢٨

قوله : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه نَفْسَهُ } [ ٢٨ ] قال : أي عدله ، لأن النار عدله لمن خالفه ، والجنة فضله لمن أطاعه ، ألا ترون إلى قوله عليه الصلاة والسلام : ( يا من لا يرجى إلاَّ فضله ولا يخشى إلاَّ عدله ) .

٣٥

قوله : { قَالَتِ امرأت عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } [ ٣٥ ] أي حررته وأعتقته من رق الدنيا من متابعة هواه ومرادات نفسه ، وجعلته خادماً لعباد بيت المقدس خالصاً للّه تعالى .

٣٧

{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } [ ٣٧ ] أي وقال : الملك الأعلى أولى بالمحرر عن رقّ النفس ورقّ الدنيا .

{ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } [ ٣٧ ] قال : بالعمل الصالح في ذكر اللّه تعالى وجوارحها في خدمة اللّه وقلبها في معرفة اللّه عزَّ وجلَّ .

٤٣

{ يامريم اقنتي لِرَبِّكِ } [ ٤٣ ] أي للّه فصلي ، وإياه بالإخلاص فاعبدي ، وإليه بالدعاء فاقنتي وتضرعي .

٤٧

قوله : { كَذَلِكَ اللّه يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ ٤٧ ] قال : إذا كان في علمه السابق الأزلي أمر فأراد إظهاره قال له كن فيكون ، قال القائل شعر : [ من الطويل ]

قضى قبلَ خلقِ ما هو خالقٌ ... خلائقَ لا يَخفى عليه أمورُها

هواها ونجواها ومضمر قلبها ... وقبل الهوى ماذا يكون ضميرُها

٦١

قوله : { ثُمَّ نَبْتَهِلْ } [ ٦١ ] أي يدعو بعضنا على بعض باللعنة والمبتهل الداعي ، والابتهال الدعاء ، والمسبح الذاكر ، وهو الذي لا تكتبه إلاَّ الحفظة لأنه مشاهدة المذكور في الذكر بالمذكور وهو معنى قوله : ( أنا جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني ) .

٦٤

قوله : { قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوا إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّه } [ ٦٤ ] يعني إلى طمع عدل بيننا وبينكم ، لأنهم كانوا مقرين بأن خالقهم وخالق السماوات والأرض هو اللّه تعالى ، فنوحده ولا نعبد إلاَّ إياه . وأصل العبادة : التوحيد مع أكل الحلال وكف الأذى ، ولا يحصل الأكل الحلال إلاَّ بكف الأذى ، ولا كف الأذى إلاَّ بأكل الحلال ، وأن تعلموا أكل الحلال وترك أذى الخلق والنية في الأعمال كما تعلموا فاتحة الكتاب ، ليصفوا إيمانكم وقلوبكم وجوارحكم ، فإنما هي الأصول . قال : حكى محمد بن سوار عن الثوري أنه قال : منزلة لا إله إلاَّ اللّه في العبد بمنزلة الماء في الدنيا ، قال اللّه تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء : ٣٠ ] فمن لم ينفعه اعتقاد لا إله إلاَّ اللّه والاقتداء بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهو ميت . قال سهل : وإني لأعرف رجلاً من أولياء اللّه تعالى اجتاز برجل مصلوب وجهه إلى غير القبلة ، فقال : أين ذلك اللسان الذي كنت تقول به صادقاً : ( لا إله إلاَّ اللّه ) ، ثم قال : اللّهم هب لي ذنبه . قال سهل : فاستدار نحو القبلة بقدرة اللّه .

وهو قوله تعالى : { تَعَالَوا إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [ ٦٤ ] الآية . والثالث إطاعة بالجوارح خالصاً للّه ، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والقنوع والرضا ، فدعاهم بذلك إلى أطيب القول وأحسن الفعال ، ولو لم يكن الإيمان باللّه والقرآن الذي هو علم اللّه فيه الدعوة إلى الإقرار بالربوبية والتبعد إياه في الفزع ، لم تعرف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أجابهم من الخلق .

٧٢

قوله : { وَجْهَ النهار } [ ٧٢ ] أي أول النهار .

٧٣

قوله : { واللّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ ٧٣ ] أي كثير العطاء بقدرته الأزلية أن يعطى جميع ما يُسأل ، وهو المحيط بكل شيء ، كما قال : { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } [ طه : ٩٨ ]

٧٩

وسئل عن قوله : { ولكن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكتاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } [ ٧٩ ] قال محمد بن سوار : الربّاني الذي لا يختار على ربه أحداً سواه ، وهو اسم مشتق من الربوبية . وقال سهل : الربانيون هم العالمون في الدرجة من العلم بالعلم . كما قال محمد بن الحنفية ، لما مات عبداللّه بن عباس رضي اللّه عنهما : لقد مات هذا اليوم رباني هذه الأمة . وإنما نسب إلى الرب لأنه عالم من علمه . كما قال : { مَنْ أَنبَأَكَ هذا قَالَ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير } [ التحريم : ٣ ] ، فنسبه إلى النبوة بما علمه اللّه عزَّ وجلَّ . وكل من أنبأك بخبر موافق للكتاب والسنة فهو منبئ . والعلماء ثلاث : رباني ونوراني وذاتي بلا واسطة بينه وبين اللّه تعالى فيه بقية من اللّه عزَّ وجلَّ . وقال عمر بن واصل : الربانيون هم المجموعون من العلماء ، كما قال علي رضي اللّه عنه : الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق .

٨٥

قوله : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً } [ ٨٥ ] قال : الإسلام هو التفويض .

٩٢

وسئل عن قوله : { لَن تَنَالُوا البر حتى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [ ٩٢ ] أي لن تبلغوا التقوى كلها حتى تحاربوا أنفسكم ، فتنفقوا بعض ما تحبون ، ولا إنفاق كإنفاق النفس في مخالفتها وطلب مرضاة اللّه عزَّ وجلَّ . وحكي عن عيسى عليه السلام مر بثلاثة نفر نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم ، فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا : الخوف من خالقنا ، والحذر من عقوبة عصياننا فقال : حق على اللّه أن يؤمن الخائف . قال : فجاوزهم إلى ثلاثة هم أشد نحولاً ، فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا : الشوق إلى ربنا . فقال : حق على اللّه أن يعطيكم ما رجوتم . فجاوزهم إلى ثلاثة نفر هم أشد نحولاً ، كأن وجوههم البدور ، قال : ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا : الحب قال : أنتم المقربون ثلاثاً ، فمن أحب اللّه تعالى فهو المقرب ، لأن من أحب شيئاً تسارع إليه ، فالمرتبة الأولى مرتبة التوابين ، والمرتبة الثانية مرتبة المشتاقين ، ثم يبلغ العبد المرتبة الثالثة ، وهي المحبة ، ألا ترون أنهم كيف اتفقوا كلهم فيمن الكل له ، وأعرضوا عن الكل إلى من له الكل؟ .

٩٦

وقوله : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً } [ ٩٦ ] أي أول بيت وضع للناس بيت اللّه عزَّ وجلَّ بمكة هذا هو الظاهر ، وباطنها الرسول يؤمن به من أثبت اللّه في قلبه التوحيد من الناس .

١٠٢

كقوله : { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ ١٠٢ ] أي مفوضون .

١٠٣

قوله : { واعتصموا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا } [ ١٠٣ ] أي تمسكوا بعهده وهو التوحيد ، كما قال تعالى : { أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } [ مريم : ٧٨ ] أي توحيداً وتمسكوا بما ملككم من تأدية فرضه وسنة نبيه .

١٠٦

قوله : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ ١٠٦ ] يعني تبيض وجوه المؤمنين بنور إيمانهم ،

{ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ ١٠٦ ] الكافرين بظلم كفرهم . وسئل عن قوله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة } [ البقرة : ٦١ ] فقال : هذه الأجسام الغرض منها ما أودع اللّه فيها من الودائع ، ابتلى اللّه الخليقة بها ، فمنها ما هو اعتبار للطائعين وهو الكفر ، ومنها ما هو حجة على الغافلين ، وهو المعرفة والتصديق في الأقوال والأفعال ، كما قال : { وَجَعَلَ الظلمات والنور } [ الأنعام : ١ ] فباطن هذه الآية : النور العلم ، والظلمات الجهل ، لقوله : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللّه لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : ٤٠ ] أي ما يستبصر به القلب الإيمان باللّه ، فنور الإيمان من أعظم منن اللّه عزَّ وجلَّ وكراماته . والثاني الطيب من القول .

١١٢

وكذلك قوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّه } [ ١١٢ ] معناه إلاَّ بعهد من اللّه ودينه ، وإنما سماه حبلاً لأنه من تمسك به توصل إلى الأمر الذي يؤمنه .

١٤١

قوله : { وَلِيُمَحِّصَ اللّه الذين آمَنُوا } [ ١٤١ ] يعني تخليصهم من عيوب الذنوب ، كما أخلصوا له بالعمل ، وهو الجهاد في سبيل اللّه ،

{ وَيَمْحَقَ الكافرين } [ ١٤١ ] أي وليهلك الكافرين بالذنوب عن الابتلاء .

١٥٢

قوله : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } [ ١٥٢ ] يعني الفئة المنهزمة يوم أحد حين لم يستأصلهم جميعاً .

{ واللّه ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين } [ ١٥٢ ] بالعفو عنهم وقبول التوبة منهم .

١٥٥

قوله : { إِنَّ الذين تَوَلَّوا مِنكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان إِنَّمَا استزلهم الشيطان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } [ ١٥٥ ] فسئل ما هذا الكسب؟ فقال : هو الإعجاب الذي كان منهم بكثرة عددهم يوم حنين ، وأخذهم العزة يوم بدر ، وكان لشرك الشيطان إياهم بعد مساكنة قلوبهم ورؤيتهم نفوسهم بما سولت لهم أنفسهم من الإعجاب ، فترك اللّه عصمتهم جزاءً لهم . وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم حين سمع من أصحابه يوم حنين يقولون لن نؤتى من قلة : ( لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا اللّه العافية ) من تدبيركم إلى نفوسكم بحال ، دون الافتقار إلى اللّه عزَّ وجلَّ ، ألا ترى أن داود عليه السلام لما سأل ربه اللحوق بإبراهيم وإسماعيل وإسحاق فقال له : لست هناك يا داود . فقال : ولِمَ يا رب؟ فقال : لأن أولئك ابتليتهم فصبروا ولم يعرفوا الدنيا ولا عرفتهم وإنك عرفت الدنيا وعرفتك واتخذتها أهلاً . فقال داود عليه السلام : فأرني من عبادك من لو ابتليته صبر . فقال اللّه عزَّ وجلَّ : فإني مبتليك . فكان هو المبتدي في طلب البلاء للامتحان من اللّه تعالى ، يعني وذلك لعلم اللّه السابق في غيب مستور تفرد بمعرفته ، فأتاه إبليس في صورة حمامة ، وكان من قصته وقصة أوريا ابن حنان ما كان ، واللّه تعالى لم يعصمه من الهم والقصد والفعل ، وعصم يوسف من الفعل ولم يعصمه من الهم والقصد .

١٥٩

قوله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّه لِنتَ لَهُمْ } [ ١٥٩ ] يعني بتعطف من اللّه لنت لهم

{ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً } [ ١٥٩ ] باللسان

{ غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [ ١٥٩ ] أي لتفرقوا من عندك

{ فاعف عَنْهُمْ } [ ١٥٩ ] أي تجاوز عن زللّهم

{ واستغفر لَهُمْ } [ ١٥٩ ] هزيمتهم يوم أحد ،

{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر } [ ١٥٩ ] أي لا تبعدهم بالعصيان عنك واشملهم بفضلك فإنك بنا تعفو وبنا تستغفر وإيانا تطالع ،

{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه } [ ١٥٩ ] أي إذا أردت إمضاءه بعد المشورة

{ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه } [ ١٥٩ ] أي ثق باللّه مع ذلك ، وفوض إليه جميع أمورك ، وافتقر إليه دون غيره فلم يخرج من الدنيا حتى كشف اللّه تعالى في قلبه العلوم التي كانت بينه وبين اللّه تعالى بلا واسطة فيها ، لما كان يجب من النظر والتفكر اعتباراً بقدرة ربه ، كي ينال المزيد من اللّه تعالى كما أمره بقوله تعالى : { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : ١١٤ ] وقد حث على ذلك أمته بما روي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( شاوروا المتقين الذين يؤثرون الآخرة على الدنيا ويؤثرون على أنفسهم في أموركم ) ، وقال : ( شاوروا العلماء الصالحين فإذا عزمتم إلى إمضاء ذلك فتوكلوا على اللّه ) وقال : آخِ من الإخوان أهل التقى ، واجعل مشورتك من يخاف اللّه تعالى ، ولا يكن كلامك بدلاً ، ولا تعادين أحداً أبداً حتى تعلم كيف صنعه بينه وبين اللّه تعالى ، فإن كان حسن الصنيع فلا تعادينه ، فإن اللّه تعالى لا يكله إليك ، وإن كان سيئ الصنيع فلا تعادينه ، فإن الصنيع السوء يكفيه . وقال : من استشير فأشار بغير رأيه سلبه اللّه تعالى رأيه يعني غشه فيما أشار به عليه ، وقال : من شاور واتكل في إمضاء ما عزم ثم ندم فقد اتهم اللّه تعالى .

١٦٠

قوله : { إِن يَنصُرْكُمُ اللّه فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } [ ٦٠ ] قال : الخذلان هو غاية الترك ، وأما الترك فإن صاحبه يذنب وهو مقر بذنبه ، فإذا أذنب على أنه ديانة فهو الخذلان ، وهو عقوبة اللّه تعالى صاحب الخذلان لأنه أقامه على ذنبه مع علمه به وتسويفه بالتوبة ، ألا ترى أن إبليس لما أبى وأصر عليه بعد الإباء خذله اللّه بعلمه السابق فيه ، لأنه أراد منه ما علم ولم يرد منه ما أمره به ، وآدم عليه السلام لما لم يكن بالترك مخذولاً أقر بالذنب بعد إتيانه ورجع إلى ربه جل وعز ، فقبل توبته .

١٧٣

فقوله تعالى : { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّه وَنِعْمَ الوكيل } [ ١٧٣ ] أي نعم الكفيل بأرزاقنا ونعم الرب . كقوله تعالى : { أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً } [ الإسراء : ٢ ] أي : رباً .

١٨٧

قوله : { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } [ ١٨٧ ] أي : لم يعملوا بالكتاب

{ واشتروا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } [ ١٨٧ ] يعني اشتروا بالآخرة الباقية عرض الدنيا الفانية .

١٩١

قوله تعالى : { الذين يَذْكُرُونَ اللّه قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ } [ ١٩١ ] قال : من أراد حفظ القرآن فليختم بثلاث ختمات على شرط الآية ، ختمة قائماً يصلي ، وختمة قاعداً يدرس ، وختمة مضجعاً على جنبيه ، فإنه لا ينسى إن شاء اللّه عزَّ وجلَّ . ومن اشتغل بطلب العلم بالتقوى وقراءة القرآن وذكر اللّه عزَّ وجلَّ واتباع السنة واجتناب اللّهو لم تصبه الأمراض والأسقام . ومن أطاع اللّه بالعلم وصدق النية لم يفقد عقله . وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( من أطاع اللّه عزَّ وجلَّ فقد ذكره ومن عصاه فقد نسيه ) .

٢٠٠

قوله : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا اصبروا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا واتقوا اللّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ ٢٠٠ ] قال : الإيمان أربعة أركان : الأول التوكل على اللّه ، والثاني الاستسلام لأمره ، والثالث الرضا بقضائه ، والرابع الشكر لنعمائه والتقوى .

باب الإيمان

اليقين قلب الإيمان ، والصبر عماد الإيمان ، والإخلاص كمال الإيمان ، لأن العبد بالإخلاص ينال التصديق ، وبالتصديق ينال التحقيق ، وبالتحقيق يصل إلى الحق . والإخلاص ثمرة اليقين ، لأن اليقين مشاهدة السر ، فمن لم تكن له مشاهدة السر مع مولاه لم يخلص عمله للّه ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم .

﴿ ٠