سورة النساء٤ سئل عن قوله : { وَآتُوا النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [ ٤ ] قال : أعطوهن الصداق هبة من اللّه عزَّ وجلَّ لهن . وقد قال : إن النحلة الديانة ، وقال : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( أقذر المعاصي عند اللّه تعالى منع الأجير أجيرته ، ومنع المرأة مهرها ) . ١٧ قوله تعالى : { إِنَّمَا التوبة عَلَى اللّه لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السواء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ } [ ١٧ ] قال : التائب يتقي المعصية ويلزم الطاعة ، والمطيع يتقي الرياء ويلزم الذكر ، والذاكر يتقي العجب ويلزم نفسه التقصير . وحكي أن اللّه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام أن أنين المذنبين أحب إلي من صراخ الصديقين . ٢٩ قوله : { وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ } [ ٢٩ ] يعني لا تهلكوا أنفسكم بالمعاصي والإصرار ، وترك التوبة عند الرجوع إلى الاستقامة ، { إِنَّ اللّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [ ٢٩ ] حيث حرم عليكم المعصية ، كي لا تهلكوا . ٣١ قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [ ٣١ ] وقال : روي عن ابن مسعود أنه قال : الكبائر من أول النساء إلى هذه الآية . قال سهل : الكبائر ما أوعد اللّه تعالى النار عليه في كتابه . ٣٦ قوله : { والجار ذِي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل } [ ٣٦ ] قال : أما ظاهرها فالجار الجنب : البعيد الأجنبي ، والصاحب بالجنب : هو الرفيق في السفر ، وقد قيل الزوجة ، وابن السبيل : الضيف ، أما باطنها فالجار ذو القربى هو القلب ، والجار الجنب هو الطبيعة ، والصاحب بالجنب هو العقل المقتدي بالشريعة ، وابن السبيل هو الجوارح المطيعة للّه ، هذا باطن الآية . ٤١ قوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً } [ ٤١ ] قال سهل : إن اللّه تعالى وكل بكل عبد مسلم ثلاثمائة وستين ملكاً بعدد عروقه ، إن أراد خيراً أعانوه ، وإن أراد شراً عاتبوه عليه ، فإن عمل شيئاً من ذلك حفظوه عليه ، حتى إذا كان يوم القيامة عرضوه عليه ووافقوه على ذلك ، حتى إذا صاروا إلى اللّه تعالى شهدوا عليه بوفاء الطاعة واقتراف الخطيئة ، قال اللّه تعالى : { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } [ ق : ٢١ ] . ٤٧ قوله تعالى : { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } [ ٤٧ ] أي يحول اللّه عن الهدى والبصيرة إلى طبع الجهالة . ٤٨ قوله تعالى : { إِنَّ اللّه لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ ٤٨ ] قال : إذا لم يكن بينه وبين أحد مظلمة ، وإنما كانت ذنوبه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، فإنه يغفرها وهو الجواد الكريم ، وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( يؤتى بعبد يوم القيامة فيؤمر به إلى النار ، فيقول : ما كذا كان ظني . فيقول اللّه عزَّ وجلَّ : ما كان ظنك بي؟ فيقول : أن تغفر لي . فيقول اللّه عزَّ وجلَّ : قد غفرت لك ، فيأمر به إلى الجنة ) . ٦٣ قوله تعالى : { وَقُل لَّهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } [ ٦٣ ] أي مبلغاً بلسانك كنه ما في قلبك بأحسن العبارة عني . ٧٦ قوله : { الذين آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّه والذين كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت } [ ٧٦ ] قال : المؤمنون خصماء اللّه على أنفسهم ، والمنافقون خصماء النفوس على اللّه عزَّ وجلَّ ، يبتدرون إلى السؤال ولا يرضون بما يختار اللّه لهم وهو سبيل الطاغوت ، إذ النفس أكبر الطواغيت ، إذا خلا العبد معها ، قيل له عن المعصية . ٧٧ قوله تعالى : { قُلْ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ } [ ٧٧ ] فسئل : ما الدنيا؟ فقال : الدنيا كلها جهل إلاَّ موضع العلم ، العلم كله حجة إلاَّ موضع العمل به ، والعمل كله هباء إلاَّ موضع الإخلاص ، والإخلاص لا يتم إلاَّ بالسنة . ثم قال : دنياك نفسك ، فإذا أفنيتها فلا دنيا لك . ٨١ قوله تعالى : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه } [ ٨١ ] فسئل : ما التوكل؟ فقال : التوكل طرح البدن في العبودية ، وتعلق القلب بالربوبية ، والتبري من الحول والقوة . قيل له : ما حقيقة التوكل في الأصل ، فقال : حقيقة التوكل في الأصل الإقرار بالتوحيد ، وفي الفرع علم الساعة ، وفي السكون المعاينة . ثم قال : لا تجزعوا من التوكل ، فإنه عيش لأهله . قيل : من أهله؟ قال : الذين خصوا بالخصوصية . فقيل له : لو زدت لنا وضوحاً . فقال سهل : إن العلوم كلها أدنى باب من التعبد ، وجملة التعبد أدنى باب من الورع ، وجملة الزهد أدنى باب من ظهور القدرة ، ولا تظهر القدرة إلاَّ للمتوكل ، وليس للتوكل غاية وصف يوصف به ، ولا حد يضرب له بالأمثال ، ولا غاية ينتهي إليها . فقيل له : صف لنا بعضه . فقال : إن المتوكل له ألف منزل ، أول منزل منه المشي في الهواء . قيل له : بماذا يصل العبد إليه؟ فقال : إن أول الأشياء المعرفة ، ثم الإقرار ، ثم التوحيد ، ثم الإسلام ، ثم الإحسان ، ثم التفويض ، ثم التوكل ، ثم السكون إلى الحقّ جلَّ وعزَّ في جميع الحالات ، وقال : لا يصح التوكل إلاَّ للمتقي . قيل : ما التقوى؟ قال : كف الأذى . ٨٥ قوله تعالى : { وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا } [ ٨٥ ] يعني الحظ منها ، لأنها تمنع رضا اللّه تعالى . ٨٦ قوله : { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أو رُدُّوهَآ } [ ٨٦ ] يعني زيادة على سلامه الصادر بالنصح للّه تعالى . وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( السلام اسم من أسماء اللّه تعالى أظهره في أرضه ، فأفشوه بينكم ) . ٨٨ قوله تعالى : { واللّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كسبوا } [ ٨٨ ] يعني أعادهم إلى ما جبلت عليه أنفسهم من الجهل به . وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تستنجوا بعظم ولا روث فإنه ركس ) ، يعني رجع من حاله الأول إلى أن صار طعام الجن . { أَتُرِيدُونَ } [ ٨٨ ] معشر المخلصين { أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللّه } [ ٨٨ ] قال سهل : الإضلال من اللّه ترك العصمة عما نهى عنه ، وترك المعونة على ما أمر به . ٩٠ قوله تعالى : { أو جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } [ ٩٠ ] أي ضاقت قلوبهم عن قتالكم وقتال قومهم ، لحبهم السلامة وركونهم إلى العافية ، وهم بنو مدرج . ١٠٥ قوله : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ اللّه } [ ١٠٥ ] يعني بما علمك اللّه تعالى من الحكمة في القرآن وشرائع الإسلام . ١١٧ قوله تعالى : { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } [ ١١٧ ] يعني أصواتاً وهو الحجارة والحديد . ١٢١ قوله عزَّ وجلَّ : { وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } [ ١٢١ ] يعني معدلاً . ١٣٩ قوله : { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة } [ ١٣٩ ] يعني المنافقين يبتغون عند اليهود المنعة والقوة ، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام : ( ما نزل من السماء شيء أعز من اليقين ) أي أمنع وأعظم . ١٤١ قوله : { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } [ ١٤١ ] يعني نغلب ونستولي عليكم . ١٤٢ قوله : { إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ ١٤٢ ] أي يسرع لهم الجزاء على إظهار الإيمان وإضمار الكفر بترك العصمة والتوفيق ، وتمديد الأموال والبنين ، والإطراق على عاجل الدنيا ، وخاتمتهم النار ، فهذا هو المراد من قوله : { يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ ١٤٢ ] . قال سهل في قوله تعالى : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ } [ الصافات : ١٢ ] أراد به سرعة مجازاتهم على الإقامة والنفي ، فسمى قوله باسم فعلهم . وقد أخبر عنهم بالعجب في مواضع ، قال في قوله في قل أوحي : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } [ الجن : ١ ] وفي ق : { بَلْ عجبوا } [ ق : ٢ ] وفي ص : { إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : ٥ ] وقد ذكر في الصافات : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ } [ الصافات : ١٢ ] أي رأيت جزاءهم عظيماً ، فسمى تعظيم الثواب عجباً ، لأن المتعجب إنما يتعجب من أمر بلغ نهايته ، فهذا هو المراد من قوله : { بَلْ عَجِبْتَ } [ الصافات : ١٢ ] . وقد حكي أن شقيقاً قرأ على شريح : ( بَلْ عَجِبْتُ ) فقال له شريح : ( بَلْ عَجِبْتَ ) إن اللّه لا يعجب من شيء ، إنما يعجب مَنْ لا يعلم . قال شقيق : فأخبرت به إبراهيم فقال : إن شريحاً يعجبه علمه ، وإن ابن مسعود أعلم منه ، وكان يقرأ : ( بَلْ عَجِبْتُ ) بالضم . { وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُوا كسالى } [ ١٤٢ ] فهذه من علامات المنافقين ، حيث خانوا في هذه الأمانة التي تحمّلوها في الظاهر ، واعلم أن للّه تعالى أمانة في سمعك وبصرك ولسانك وفرجك ، وظاهرك وباطنك ، عرضها عليك ، فإن لم تحفظها خنت اللّه ، و { اللّه لاَ يُحِبُّ الخائنين } [ الأنفال : ٥٨ ] . وقد حكي عن أبي حبان أنه قال : ارتحلت إلى مكة وجئت سعيد بن جبير فقلت له : جئتك من خراسان في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام : ( علامة المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ) ولا أرى أنها في نفسي ، فتبسم سعيد وقال : وقع في سري ما وقع في سرك ، فأتيت علي بن أبي طالب وعبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما وقت القيلولة ، فوجدتهما عند البيت ، فسألتهما عن تأويل هذا الحديث فتبسما ، وقالا : لقد أشكل علينا ما أشكل عليك ، فذهبنا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقت القيلولة ، فأذن لنا فذكرنا له صلى اللّه عليه وسلم هذا ، فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال : ( ألستما على شهادة أن لا إله إلا ا للّه؟ قلنا : بلى . فقال : هل رجعتما عن ذلك؟ فقلنا : لا . قال : لقد قلتما وصدقتما . ثم قال : ألستما على ما قررتكما عليه من الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث؟ قلنا : نعم ، كأنها رأي العين . فقال صلى اللّه عليه وسلم : هذا من الإنجاز . ثم قال صلى اللّه عليه وسلم : ألستما تصليان وتسجدان في الصلاة في الخلوة؟ فقلنا : نعم . فقال : هي الأمانة لا خيانة فيها ) . وقال سهل : إن اليقين أوتاد قلوب العارفين وأرواح المشتاقين ، كما أن جبال الدنيا مع جبل ق أوتاد الأرضين قوام للعالمين ، ثم زاد قوة قلبك حيث قال تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللّه } [ الحشر : ٢١ ] وقد أنزلته على قلوبهم حفظاً وعليكم أمراً ، فلم يؤمر حمله فيكم لحفظي إياكم ولطفي ونظري إليكم . ثم قال : انتهت عقول المؤمنين سائرة إلى العرش فسلمت وحفت بظرائف حكمه وفنون بره ، وسارت عقول المنافقين ، فلما بلغت رامت الغيوب ، فردت منكسة ، قال اللّه تعالى : { وَمَن يُضْلِلِ اللّه فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } [ النساء : ٨٨ و١٤٣ ] . ١٧١ قوله تعالى : { ياأهل الكتاب لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ } [ ١٧١ ] قال : أي لا تجاوزوا دينكم بالبدع ، وتعدلوا عن الحق ، وهو الكتاب والسنة والإجماع ، ميلاً إلى هوى نفوسكم . وقال : قوام الدين والدنيا في ثلاث : العلم والأدب والمبادرة ، وهلاك الدين والدنيا في ثلاث : الجهل والخرق والكسل . وسمعته مرة أخرى يقول : أربع من دعائم الدين : القيام بالحق على نفسك وغيرها ، والقعود عن باطل نفسك وغيرها ، والمودة لأهل طاعة اللّه ، والبغض لأهل معصيته . |
﴿ ٠ ﴾