سورة المائدة٢ سئل عن قوله : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى البر والتقوى } [ ٢ ] فقال : البر الطاعة للّه واتقاء المعصية . ٣ قوله : { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشون } [ ٣ ] يعني : فلا تخشوا الكفار في عبادتي واخشوني في اتباعهم ، فقال : أعجز الناس من خشي من لا ينفعه ولا يضره ، والذي بيده النفع والضر يخاطبه في قوله : { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشون } [ ٣ ] . ٥ قوله تعالى : { اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات } [ ٥ ] قال : الطيبات الحلال من الرزق . ٦ قوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ } [ ٦ ] قال : الطهارة أربعة أشياء : صفاء المطعم وصدق اللسان ومباينة الآثام وخشوع السر ، وكل واحد من هذه الأربعة يقابل بكل واحد من تطهير الأعضاء الظاهرة . قوله تعالى : { ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } [ ٦ ] يعني يطهركم من أحوالكم وأخلاقكم وأفعالكم ، لترجعوا إليه بحقيقة الفقر من غير تعلق بسبب من الأسباب . والطهارة على سبعة أوجه : طهارة العلم من الجهل ، وطهارة الذكر من النسيان ، وطهارة الطاعة من المعصية ، وطهارة اليقين من الشك ، وطهارة العقل من الحمق ، وطهارة الظن من النميمة ، وطهارة الإيمان مما دونه ، ولكل عقوبة طهارة ، إلاَّ عقوبة القلب فإنها قسوة . ٢٣ قوله تعالى : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِمَا } [ ٢٣ ] فسئل : ما هذه النعمة؟ فقال : أنعم اللّه عليهما بالخوف والمراقبة ، إذ الخوف والهم والحزن يزيد في الحسنات ، والأشر والبطر يزيد في السيئات . ٥٤ قوله : { أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } [ ٥٤ ] يعني غليظة عليهم . ٥٥ قوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ والذين آمَنُوا } [ ٥٥ ] قال : ولاية اللّه تعالى الاختيار لمن استولاه ، ثم أعلم الرسول أنه ولي المؤمنين ، فيجب عليه أن يوالي من والى اللّه تعالى والذين آمنوا . ٥٦ قال : { وَمَن يَتَوَلَّ اللّه وَرَسُولَهُ والذين آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه هُمُ الغالبون } [ ٥٦ ] يعني غالبون هوى نفوسهم . ٦٤ قوله : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } [ ٦٤ ] وقال : يعني حكمه وأمره ونهيه نافذ في ملكه . ٦٦ قوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [ ٦٦ ] يعني لو علموا بما أنزل اللّه على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فلو علمت به لبلغت هذه المنزلة كما بلغها من عمل بها ، ولو أقبلت على الرازق لكفيت مؤنة الرزق . ثم قال : ولست أكبر من عمرو بن الليث كان يمر وبين يديه ألف راكب وألف غلام ، في يد كل غلام عمود من ذهب وفضة ، فآل أمره إلى أن حبس في بيت حين حمل إلى الخليفة ، ومنع عنه الطعام والشراب ، وفتح الباب فوجدوه ميتاً ، وفمه مملوء من الجص والآجر من شدة جوعه . ثم قال : إني نصحت لكم ، وإني لكم من الناصحين . وقد حكى مالك بن دينار عن حماد بن سلمة وحماد بن يزيد أنهما دخلا على رابعة فذكرا شيئاً من أمر الدنيا فقالت رابعة : لقد أكثرتما ذكر الدنيا ، ما أظنكما إلاَّ جياعاً ، فإن كنتما جياعاً فاعمدا إلى القدر وذلك الدقيق ، فاصنعا لأنفسكما ما وسوس ، قال بعض من كان معها : لو كان لنا ثوم . فقال حماد : فرأيت رابعة حركت شفتيها ، فما سكتت حتى جاء طير في منقاره رأس ثوم ، فرمى به ومضى . ٦٧ قوله تعالى : { واللّه يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } [ ٦٧ ] قيل : ما هذه العصمة؟ فقال : إن اللّه تعالى وعده أن لا يبتليه كما ابتلى سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، إبراهيم بالنار ، وإسماعيل بالذبح ، وغيرهما ، إذ كان لا يشعر بما يفعل به ، كما قال : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } [ الأحقاف : ٩ ] فأعلمه اللّه تعالى أنه يعصمه من الناس . ٨٣ قوله : { وَإِذَا سَمِعُوا مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحق } [ ٨٣ ] قال : هم القسيسون والرهبان ، كان الناس يتمحسون بهم لعلمهم في الدين ، قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقرأ عليهم القرآن ، فرقُّوا له ، ففاضت أعينهم ولم يستكبروا ، بعصمة اللّه إياهم عن الاستكبار ، فدخلوا في دينه لما وضع اللّه تعالى من علمه فيهم ، ثم قال : فساد الدين بثلاث : الملوك إذا أخذوا في السرف والشهوات ، والعلماء إذا أفتوا بالرخص ، والقراء إذا تعبدوا بغير علم وإن العلماء يحتاج إليهم الخلق في الدنيا والآخرة ، وقد حكي عن جابر بن عبداللّه رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( إن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا ، يزورون ربهم في كل جمعة فيقال لهم : تمنوا ما شئتم . فينطلقون إلى العلماء ، فيقول لهم العلماء : تمنوا كذا تمنوا كذا ، فيتمنون ) . ١٠٩ وقوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرسل فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَآ } [ ١٠٩ ] يعني لا علم لنا بما كان في قلوبهم من الإيمان بك وغيره ، إنما علمنا بما أظهروه من الإقرار باللسان { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب } [ ١٠٩ ] فقيل له : يطالبهم بحقيقة ما في قلوب الأمة؟ فقال : لا ، وإنما وقع السؤال بنفسه إياهم عن حقيقة الظاهر الذي لا يظهر إلاَّ بحقيقة الباطن ، فأجابوا بالإشارة إلى رد العلم إليه . ويحتمل أن يكون معناه : لا علم لنا بمعنى سؤالك ، مع علمك بما أجبنا : { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب } [ ١٠٩ ] . ١١٦ قوله تعالى : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } [ ١١٦ ] أي لا أعلم غيبك في سؤالك ، مع علمك به . ويحتمل أن يريد : تعلم ما في سري ولا أعلم ما في نفسك المستودع في سري ، لأن سرك بينك وبينها لا يطلع عليه أحد دونك ، وهي العين التي ترى بها الحق ، وأذن تسمع بها الحق ، ولسان ينادي بالحق . والدليل عليه قوله تعالى للمنافقين : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : ١٨ ، ١٧١ ] لأنه لم يكن لهم هذه المستودعات ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم . |
﴿ ٠ ﴾