سورة التّوبة٢ قوله تعالى : { فَسِيحُوا فِي الأرض } [ ٢ ] يعني سيروا فيها اعتباراً ، وباللّه إقراراً . ١٠ وقوله تعالى : { إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } [ ١٠ ] قال : الإلّ هو القرابة ، والذمة العهد . ١٦ قوله : { وَلِيجَةً } [ ١٦ ] قال عمر بن واصل العنبري : كل شيء أدخلته شيئاً وليس منه فهو وليجة . وقال سهل : يعني لم يغفلوا عنه بميل القلوب إلى أنفسهم . ٢٩ قوله : { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق } [ ٢٩ ] أي لا يطيعون ، ومن كان في سلطان رجل فهو في دينه ، كما قال اللّه تعالى : { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك } [ يوسف : ٧٦ ] أي في سلطانه ، كذلك إذا دخلت النفس في الإخلاص للّه تعالى ، كانت داخلةً في سلطان القلب والعقل ونفس الروح وطاعة البدن بالذكر للّه تعالى . ٣٢ قوله تعالى : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّه بِأَفْوَاهِهِمْ } [ ٣٢ ] يعني يريدون أن يردوا القرآن بتكذيبهم بألسنتهم ، { ويأبى اللّه إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } [ ٣٢ ] أي يظهر دينه الإسلام . ٦٧ قوله عزَّ وجل : { نَسُوا اللّه فَنَسِيَهُمْ } [ ٦٧ ] قال : يعني نسوا نعم اللّه عندهم ، فأنساهم شكر النعم . ٧١ قوله : { والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ ٧١ ] قال : موالاته مع المؤمنين كف الأذى عنهم . قال : واعلموا أن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يكون لعباد اللّه كالأرض ، إذ هم عليها ومنافعهم منها . وقال : الأصول عندنا سبع : التمسك بكتاب اللّه ، والاقتداء برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأكل الحلال ، وكف الأذى ، واجتناب الآثام ، والتوبة ، وأداء الحقوق . ٧٣ قوله : { ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين } [ ٧٣ ] قال : جاهد نفسك بسيف المخالفة وحملها حمولات الندم ، وسيرها في مفاوز الخوف ، لعلك تردها إلى طريق التوبة والإنابة ، ولا تصح التوبة إلا من متحير في أمره ، مبهوت في شأنه ، واله القلب مما جرى عليه . ١٠٨ قوله : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا } [ ١٠٨ ] قال : هذه الطهارة أراد بها الذكر للّه تعالى سراً وعلانية والطاعة له . ١١١ قوله تعالى : { إِنَّ اللّه اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة } [ ١١١ ] يعني اشتراها من شهوات الدنيا وما يوجب الاشتغال عن ذكره ، حتى تكون نفسه وماله خالصة له ، فمن لم يبع من اللّه حياته الفانية وشهواته الزائلة ، كيف يعيش مع اللّه تعالى؟ وكيف يحيا حياة طيبة؟ ثم قال : { إِنَّ اللّه اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ } [ ١١١ ] بما لا خير فيه ، وعوضهم ما فيه الخير كله ، مع أن ما في الكونين فهو ملكه ، وهذا من غاية لطفه وكرمه بعباده المؤمنين . وقد حكي عن مالك بن دينار أنه مر بقصر يعمر ، فسأل الأجراء عن أجرتهم ، فأجابه كل واحد منهم بما كانت أجرته ، ولم يجبه واحد ، فقال : ما أجرتك؟ فقال : لا أجر لي . فقال : ولم ذلك؟ قال : لأني عبد صاحب القصر . فقال مالك : إلهي ما أسخاك ، الخلق كلهم عبيدك ، كلفتهم العمل ووعدتهم الأجر . ١١٢ قوله : { التائبون العابدون } [ ١١٢ ] قال سهل : ليس شيء في الدنيا من الحقوق أوجب على الخلق من التوبة ، فهي واجبة في كل لمحة ولحظة ، ولا عقوبة عليهم أشد من فقد علم التوبة . فقيل : ما التوبة؟ فقال : أن لا تنسى ذنبك . وقال : أول ما يؤمر به المبتدئ التحويل من الحركات المذمومة إلى الحركات المحمودة ، وهي التوبة؛ ولا تصح له التوبة حتى يلزم نفسه الصمت ، ولا يصح له الصمت حتى يلزم نفسه الخلوة ، ولا تصح له الخلوة إلاَّ بأكل الحلال ، ولا يصح له أكل الحلال إلاَّ بأداء حق اللّه تعالى ، ولا يصح له أداء الحق إلاَّ بحفظ الجوارح والقلب ، ولا يصح له ما وصفنا حتى يستعين باللّه عزَّ وجلَّ على جميعه . فقيل : ما علامة صدق التوبة؟ قال علامتها أن يدع ما له سوى ما ليس له . وسئل سهل عن الرجل يتوب ويقلع عن ذلك الذنب ، ثم يخطر ذلك بقلبه أو يراه أو يسمع به فيجد حلاوة ذلك الذنب السيء كيف الحيلة فيه؟ فقال : وجدان الحلاوة من الطبع لا يتحول ، فيصير المحبوب مكروهاً؛ ولكن يقهر عزم القلب فيرجع في ذلك إلى اللّه عزَّ وجلَّ ، ويرفع إليه شكواه ، ويلزم نفسه وقلبه الإنكار ولا يفارقه ، فإنه إن غفل عن الإنكار طرفة عين تخوفت عليه أن لا يسلم منه . قال : دعوا القال والقيل كله في هذا الزمان ، عليكم بثلاث : توبوا إلى اللّه عزَّ وجلَّ مما تعرفوه بينكم وبينه ، وأدوا مظالم العباد التي قبلكم ، فإذا أصبحتم فلا تحدثوا أنفسكم بالمساء ، وإذا أمسيتم فلا تحدثوا أنفسكم بالصباح ، لأن الأحداث قد كثرت ، والخطر عظيم ، فاتقوا اللّه ، وألزموا أنفسكم التوبة . ١١٨ قال تعالى : { حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ } [ ١١٨ ] الآية . ١٢٢ قوله تعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدين } [ ١٢٢ ] قال : ليتعلموا ما يحتاج إليه في أمر الدين . وقد حكي عن الحسن البصري أنه قال : الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير في أمر دينه . وسئل سهل عن معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) ، فقال : يعني علم الحال . قيل : وما علم الحال؟ قال : من الباطن الإخلاص ، ومن الظاهر الاقتداء ، فمن لم يكن ظاهره إمام باطنه ، وباطنه كمال ظاهره فهو في تعب من البدن . قيل : وما تفسير ذلك؟ قال : إن اللّه قائم عليك في سرك وعلانيتك وحركاتك وسكونك لا تغيب عنه طرفة عين ، كما قال : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : ٣٣ ] . وقال : { مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [ المجادلة : ٧ ] الآية ، وقال : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد } [ ق : ١٦ ] وهو العرق الذي في جوف القلب ، فأخبر أنه أقرب إلى القلب من ذلك العرق . فإذا علمت ذلك ، ينبغي أن تستحي منه ، وما هاج في القلب شيء مما تهوى النفس . فذكر العبد قيام اللّه عزَّ وجلَّ عليه ، فتركه إلاَّ دخل قلبه من علم حاله ما لو قسم ما أعطى ذلك العبد على أهل المدينة لسعدوا جميعاً وفازوا به ، وقد أشار إليه مالك بن أنس رضي اللّه عنهما حيث قال : ليس العلم بكثرة الرواية ، إنما العلم نور يجعله اللّه في القلب . قيل له : كيف يعرف الرجل الحال والعلم به؟ فقال : إذا كنت تتكلم فحالك الكلام ، وإذا سكت فحالك السكوت ، وإذا قمت فحالك القيام ، وإذا قعدت فحالك القعود ، والعلم به أن تنظر أن هذا الحال للّه أو لغيره ، فإن كانت للّه استقرت عليها ، وإن كانت لغيره تركتها ، وهو المحاسبة التي أمر بها عمر رضي اللّه عنه حيث قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا . وقد كان عمر رضي اللّه عنه يضرب نفسه بالدرة في المحاسبة . |
﴿ ٠ ﴾