سورة الاسراء

٨

قوله تعالى : { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [ ٨ ] قال سهل : يعني إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى المغفرة ، وإن عدتم إلى الإعراض عنا عدنا إلى الإقبال عليكم ، وإن عدتم إلى الفرار منا عدنا إلى أخذ الطرق عليكم ، ارجعوا إلينا فإن الطريق علينا .

١١

قوله : { وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير } [ ١١ ] قال سهل : أسلم الدعوات الذكر وترك الاختيار بالسؤال والدعاء ، لأن في الذكر الكفاية ، وربما يدعو الإنسان ويسأل ما فيه هلاكه وهو لا يشعر ، ألا ترى أن اللّه تعالى يقول :

{ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير } [ ١١ ] والذاكر على الدوام التارك للاختيار والدعاء والسؤال مبذول له أفضل الرغائب ، وساقط عنه آفات السؤال والاختيار ، ولذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( يقول اللّه : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ) .

١٣

قوله تعالى : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ ١٣ ] قال : علمه أي ما كان من خير وشر .

١٤

قوله : { اقرأ كَتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً } [ ١٤ ] قال : حكي عن الحسن البصري أنه قال : أعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً ، وإلا فأعد للنار جلباباً . وقال عمر رضي اللّه عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر قبل أن تعرضوا . فسئل سهل عن المحاسبة والموازنة ، فقال : المحاسبة على وجهين : محاسبة فيما بين العبد وربه ، وهو سر ، ومحاسبة فيما بينه وبين الخلق وهي علانية ، والموازنة إذا استقبلك فرضان أو سنتان أو نافلتان نظرت أيهما أقرب إلى اللّه وأوزن عنده ، فابتدأت به .

٢٥

قوله : { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ } [ ٢٥ ] أي بما في قلوبكم ، لأن القلب يجمع العقل والنفس والهوى .

قوله : { إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً } [ ٢٥ ] قال ابن المسيب : الأواب الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب ، ويموت على توبته . وقال الحسن : الأواب التائب الذي لا يكون معه وقتان ، إنما هو مهيئ للتوبة كل لمحة ولحظة . وحكي عن ضمرة بن حبيب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه ) يعني فليعتبر وقته ولا يؤخر .

٣٦

قوله تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ ٣٦ ] أي لا تبغ ما ليس لك به علم كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( نحن بنو النضير بن كنانة ، لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا ) ، يعني آباء العرب .

٥٧

قوله تعالى : { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [ ٥٧ ] قال : رحمته جنته في الظاهر وفي الباطن حقيقة المعروف . ثم قال : إن الخوف والرجاء زمان للإنسان فإذا استوى قامت له أحواله ، وإذا رجح أحدهما بطل الآخر ، ألا ترى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول : ( لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا ) .

٦٧

قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ ٦٧ ] أي ما تسألون كشفه إلا منه ، وتتبرؤون من حولكم وقوتكم ، وتعترفون بحوله وقوته ، وهذه الآية رد على أهل القدر الذين يدّعون الاستطاعة لأنفسهم دون اللّه تعالى .

٦٨

{ أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر أو يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } [ ٦٨ ] ، وقال :

{ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الريح فَيُغْرِقَكُم } [ ٦٩ ] فإن كانت لهم استطاعة فليدفعوا عن أنفسهم العذاب .

٧٢

قوله تعالى : { وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى فَهُوَ فِي الآخرة أعمى } [ ٧٢ ] أي من كان في الدنيا أعمى القلب عن أداء شكر نعم اللّه تعالى عليه ظاهرة وباطنة فهو في الآخرة أعمى عن رؤية المنعم .

٨٠

قوله : { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } [ ٨٠ ] يعني أدخلني في تبليغ الرسالة مدخل صدق ، وهو أن لا يكون لي إلى أحد ميل ، وإني لا أقصر في حدود التبليغ وشروطه ، وأخرجني من ذلك على السلامة وطلب رضاك منه على الموافقة ،

{ واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } [ ٨٠ ] أي زيّنّي بزينة جبروتك ليكون الغالب عليهم سلطان الحق لا سلطان الهوى . وسمعت سهلاً مرة أخرى يقول :

{ واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } [ ٨٠ ] لساناً ينطق عنك ، ولا ينطق عن غيرك .

١٠٧

قوله تعالى : { إِنَّ الذين أُوتُوا العلم مِن قَبْلِهِ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } [ ١٠٧ ] قال سهل : لا يؤثر شيء على السر مثل ما يؤثر عليه سماع القرآن ، فإن العبد إذا سمع خشع سره ، وأنار ذلك قلبه بالبراهين الصادقة ، وزين جوارحه بالتذلل والانقياد ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم .

﴿ ٠