سورة الفرقان١ قوله تعالى : { تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان } [ ١ ] قال سهل : يعني جلّ وعلا من خصّ محمداً صلى اللّه عليه وسلم بإنزال الفرقان عليه ليفرق بين الحق والباطل ، والولي والعدو ، والقريب والبعيد ، { على عَبْدِهِ } [ ١ ] أي على عبده الأخلص ونبيه الأخصّ وحبيبه الأدنى وصفيه الأولى ، { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ ١ ] أي يكون للخلق سراجاً ونوراً نهدي به إلى أحكام القرآن ، ويستدلون به على طريق الحق ومنهاج الصدق . ٢٠ قوله : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } [ ٢٠ ] قال : إن اللّه تعالى أمر بالصبر على ما جعل للإنسان فيه فتنة ، ومن ذلك قلة الإطراق إلى ما في أيدي الناس . وقد روى أبو أيوب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه أتاه رجل فقال : ( إذا قمت إلى صلاتك فصلِّ صلاة مودع ولا تكلمن بكلام تعتذر منه غداً ، واجمع اليأس مما في أيدي الناس ) ، وقد كان السلف يغتنمون ذلك حتى حكي عن حذيفة أنه قال : إن أقرّ أيامي لعيني ليوم أرجع إلى أهلي ، فيشكون إلي الحاجة ، وذلك أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : ( إن اللّه ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي المريض أهله الطعام والشراب ، وإن اللّه ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالخير ) . ٢٨ قوله تعالى : { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } [ ٢٨ ] قال : أصح الخلة ما لا يورث الندامة ، وليس ذلك إلا الأنس باللّه تعالى ، والعزلة عن الخلق . وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يلازم الخلوة لما فتح اللّه في قلبه من العلم ، فكان يحب التفكر فيه . وما من رجل حسنت صلاته إلا واستأنس به كل شيء . والرجل يكون نائماً ، فيحركه من نومه أوقات الصلاة فينتبه ، وهذا من إخوانه من الجن قد استأنس به ، وربما يسافرون معه إذا سافر ، ويؤثرونه على أنفسهم ، وربما استأنس به الملائكة . وقد سأل رجل سهلاً فقال : إني أريد أن أصحبك . فقال : إذا مات أحدنا فمن يصحب الباقي فليصحبه الآن . وكان الربيع بن خيثم جالساً على باب داره يوماً ، فجاء حجر فصكّ جبهته فشجه ، وقال : لقد وعظت يا ابن خيثم ، فدخل منزله وأغلق الباب على نفسه ، فما رؤي جالساً مجلسه ذلك حتى مات . ٥٨ قوله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ } [ ٥٨ ] سئل ابن سالم عن التوكل والكسب بأيهما تعبد الخلق؟ قال : التوكل حال الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، والكسب سنته . وإنما استنّ الكسب لهم لضعفهم حين أسقطوا عن درجة التوكل الذي هو حاله ، فلم يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالكسب الذي هو سنته ، ولولا ذلك لهلكوا . قال سهل : من طعن في الكسب فقد طعن في السنة ، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان . ٦٣ قوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً } [ ٦٣ ] أي صواباً من القول وسداداً . وقال الحسن البصري رحمه اللّه : هذا دأبهم في النهار ، فإذا دخل الليل كانوا كما وصف اللّه في آخر الآية : { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } [ ٦٤ ] . ٧٠ قوله : { إِلاَّ مَن تَابَ } [ ٧٠ ] قال : لا تصح التوبة لأحدكم حتى يدع الكثير من المباح ، مخافة أن يخرجه إلى غيره ، كما قالت عائشة رضي اللّه عنها : اجعلوا بينكم وبين الحرام ستراً من الحلال ، كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعنا بعد الطهر ثلاثاً حتى تذهب فورة الدم . ٧٢ قوله : { والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } [ ٧٢ ] قال : الزور مجالس المبتدعين . واللّه سبحانه وتعالى أعلم . |
﴿ ٠ ﴾