سورة الجاثية٣ قوله تعالى : { إِنَّ فِي السماوات والأرض لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ ٣ ] قال : العلامات لمن أيقن بقلبه واستدل بكونها على مكونها . ١٣ قوله تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ } [ ١٣ ] قال : إذا سكن قلب العبد إلى مولاه قويت حال العبد ، فسخر له كل شيء ، بل أنس به كل شيء ، حتى الطيور والوحوش . وحكي عن الثوري قال خرجت مع شيبان الراعي إلى مكة فعرض لنا الأسد . فقلت : يا شيبان أما ترى هذا الكلب . فقال : لا تخف . فما هو إلا أن سمع الأسد كلام شيبان الراعي ، حتى جعل يبصبص بذنبه ، فأتاه شيبان فأخذ بأذنه وعركها . فقلت له : ما هذه الشهرة يا شيبان؟ فقال : وأي شهرة ترى يا ثوري ، واللّه لولا مخافة الشهرة ما حملت زادي إلى مكة إلا على ظهره . وكان شيبان يحضر صلاة الجمعة ، فبصر بذئب عند الغنم ، فقال له : اقعد عند الغنم حتى إذا رجعت أعطيتك حملاً ، فرجع من صلاة الجمعة ، فإذا هو بالذئب قاعد يحفظ له الغنم ، فأعطاه حملاً له . وكان سهل يقول لشاب يصحبه : إن كنت تخاف السباع فلا تصحبني . وسئل سهل : كيف يدرك الرجل منزلة الكرامات؟ فقال : من زهد في الدنيا أربعين يوماً صادقاً مخلصاً فقد ظهرت الكرامات من اللّه عزَّ وجلَّ له ، ومن لم تظهر له فهو لما فقد من زهده من الصدق والإخلاص ، أو كلاماً نحو هذا . ١٧ قوله تعالى : { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمر } [ ١٧ ] قال : فتحنا أسماعهم لفهم خطابنا ، وجعلنا أفئدتهم وعاء لكلامنا ، وأعطيناهم فراسة صادقة يحكمون بها في عبادنا حكم يقين وأخبار صدق ، فهذه هي البينات من الأمر في طريق الباطن . ١٨ قوله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر فاتبعها } [ ١٨ ] قال : يعني منهاج سنن من كان من قبلكم من الأنبياء ، فإنهم على منهاج الهدى والشريعة الشارع الممتد الواضح إلى طريق النجاة وسبيل الرشد . ١٩ قوله تعالى : { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللّه شَيْئاً } [ ١٩ ] من استغنى بغير اللّه فبغناه افتقر ومن اعتز بغيره فبعزه ذل ، ألا ترى أن اللّه يقول : { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللّه شَيْئاً } [ ١٩ ] . ٢١ قوله تعالى : { أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات } [ ٢١ ] الآية ، قال : ليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقيم في مقام المخالفة ، فإن بساط الموافقة يجر بصاحبه إلى مقاعد الصدق ، ومقام المخالفة يهوي بصاحبه في لظى . ٢٣ قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } [ ٢٣ ] قال : يعني أفرأيت من كان مغموراً في لذة نفسه من الدنيا ، غير ورع ولا تقي ، فاتبع مراده ولم يسلك مسالك الاقتداء ، وآثر شهوات الدنيا على نعيم العقبى ، أنى تكون له في الآخرة من الدرجات الرفيعة والمنازل السنية { وَأَضَلَّهُ اللّه على عِلْمٍ } [ ٢٣ ] قال : أي على علم اللّه السابق فيه بترك عصمته ومعونته . ٢٦ قوله : { قُلِ اللّه يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ } [ ٢٦ ] قال : يحييكم في بطون أمهاتكم ، ثم يميتكم بجهالة ، ويجمعكم إلى يوم القيامة أولكم وآخركم لا ريب فيه . ٢٨ قوله تعالى : { وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } [ ٢٨ ] قال : على ركبها تجادل عن نفسها عند المرافقة الصادق يجتهد في تحقيق صدقه ، والجاحد يجتهد في الدفع عن نفسه ، وكلٌّ محكوم عليه في الذي أملاه ، مدده ريقه ، وقلمه لسانه ، وقرطاسه جوارحه . ٣٧ قوله : { وَلَهُ الكبريآء فِي السماوات والأرض } [ ٣٧ ] قال : العلو والقدرة والعظمة والحول والقوة له في جميع الملك ، فمن اعتصم به أيّده بحوله وقوته ، ومن اعتمد على نفسه وكّله اللّه إليها . واللّه سبحانه وتعالى أعلم . |
﴿ ٠ ﴾