سورة الحجرات

١

قوله تعالى : { ياأيها الذين آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّه وَرَسُولِهِ } [ ١ ] قال : إن اللّه تعالى أدب عباده المؤمنين ، أي لا تقولوا قبل أن يقول ، فإذا قال فأقبلوا عليه ناصتين له ، مستمعين إليه ، واتقوا اللّه في إهمال حقه ، وتضييع حرمته

{ إِنَّ اللّه سَمِيعٌ } [ ١ ] ما تقولون

{ عَلِيمٌ } [ ١ ] بما تعملون .

٢

قوله تعالى : { لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي } [ ٢ ] أي لا تخاطبوه إلا متفهمين ، ثم بين كرامة من عظّمه فقال :

{ أولئك الذين امتحن اللّه قُلُوبَهُمْ للتقوى } [ ٣ ] أي أخلص نياتهم له .

٦

قوله : { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } [ ٦ ] قال : الفاسق الكذاب . وباطنها تأديب من بلغه ذمّه من أحد بأن لا يعجل بعقوبته ما لم يتعرف ذلك من نفسه .

٧

قوله : { ولكن اللّه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ ٧ ] قال : أي استخلص قلوبكم عطفاً منه في عبادته بالإخلاص فيها ، إذ الاستخلاص من عطفه ، والإخلاص من حقه ، ولن يقدر العبد على تأدية حقه إلا بعطفه بالمعونة عليه بأسباب الإيمان ، وهي الحجج القاطعة والآيات المعجزة .

قوله : { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان } [ ٧ ] خوفاً من عاقبته المذمومة .

٨

قوله : { فَضْلاً مِّنَ اللّه وَنِعْمَةً } [ ٨ ] قال : تفضل اللّه عليهم فيما ابتدأهم به ، وهداهم إليه بأنواع القرب والزلف .

٩

قوله : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } [ ٩ ] قال : ظاهرها ما عليه أهل التفسير ، وباطنها هو الروح والعقل والقلب والطبع والهوى والشهوة ، فإن بغى الطبع والهوى والشهوة على القلب والعقل والروح فليقاتله العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة وأنوار الموافقة ، ليكون الروح والعقل غالباً والهوى والشهوة مغلوباً .

١٢

قوله : { اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن } [ ١٢ ] قال : أي لا تطعنوا على أحد بسوء الظن من غير حقيقة . وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( أكذب الحديث الظن ) ثم قال سهل : الظن السيئ من الجهل من نفس الطبع ، وأجهل الناس من قطع على قلبه من غير علم ، فقد قال اللّه تعالى : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الخاسرين } [ فصلت : ٢٣ ] وإن العبد ليحرم الرزق الهني وصلاته بالليل بسوء الظن . وقد كان رجل من العباد نام ليلة عن ورده ، فجزع عليه ، فقيل : أتجزع على ما تدركه؟ قال : لست أجزع عليه ، وإنما أجزع على الذنب الذي به صرت محروماً عن ذلك الخير . فقيل لسهل : ما معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم : ( احترسوا من الناس بسوء الظن ) ، فقال : معنى هذا بسوء الظن بنفسك لا بالناس ، أي اتهم نفسك بأنك لا تنصفهم من نفسك في معاملاتهم .

قوله تعالى : { وَلاَ تَجَسَّسُوا } [ ١٢ ] قال : أي لا تبحث عن المعائب التي سترها اللّه على عباده ، فإنك ربما تبتلى بذلك . وقد حكي عن عيسى عليه السلام أنه كان يقول : لا تكثروا الكلام في غير ذكر اللّه عزَّ وجلَّ ، فتقسوا قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من اللّه ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، وانظروا إلى أعمالكم كالعبيد ، واعلموا أن الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء وسلوا اللّه العافية .

قوله : { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } [ ١٢ ] قال : من أراد أن يسلم من الغيبة فليسد على نفسه باب الظنون ، فإن من سلم من الظن سلم من الغيبة ، ومن سلم من الغيبة سلم من الزور ، ومن سلم من الزور سلم من البهتان . قال : وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : للمنافق غيبة ، وليس للفاسق غيبة ، لأن المنافق كتم نفاقه ، والفاسق افتخر بفسقه . قال : وهذا إنَّما أراد به فيما أظهره من المعاصي ، فأما ما كتمه من المعاصي ففيه غيبة .

١٤

قوله : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ولكن قولوا أَسْلَمْنَا } [ ١٤ ] قال : يعني أقررنا مخافة السبي والقتل لأن الإيمان إقرار باللسان صدقاً ، وإيقان في القلب عقداً ، وتحقيقها بالجوارح إخلاصاً ، وليس في الإيمان أنساب ، وإنما الأنساب في الإسلام ، والمسلم محبوب إلى الخلق ، والمؤمن غني عن الخلق .

١٧

قوله : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا } [ ١٧ ] أي صدقوك فيما دعوتهم إليه .

{ بَلِ اللّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِنُ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ ١٧ ] أي عالمين بأن اللّه هو الذي من عليكم بالهداية في البداية : قال سهل : استعملت الورع أربعين سنة ، ثم وقع مني التفات فأدركني قوله :

{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا } [ ١٧ ] .

واللّه سبحانه وتعالى أعلم .

﴿ ٠