سورة المعارج

٤

قوله تعالى : { تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ } [ ٤ ] قال : تعرج الملائكة بأعمال بني آدم والروح وهو دهن النفس ، وتعرج إلى اللّه تعالى مشاهدة بالإخلاص في أعماله ، فيقطع هذه المسافة إلى العرش التي مقدارها خمسون ألف سنة بطرفة عين ، هذا باطن الآية .

٥

قوله تعالى : { فاصبر صَبْراً جَمِيلاً } [ ٥ ] أي رضاً من غير شكوى ، فإن الشكوى بلوى ، ودعوى الصبر معه دعوى ، وإن للّه تعالى عباداً شكوا به منه إليه حجة تمسك النفس الطبع عن التفات إلى شيء غير الذي من أجله صبر الصابر .

٦

قوله تعالى : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً } [ ٦-٧ ] قال : يعني أنهم يرون المقضي عليهم من الموت والبعث والحساب بعيداً لبعد آمالهم ، ونراه قريباً ، فإن كل كائن قريب ، والبعيد ما لا يكون . ثم قال : إن العلماء طلبوا الوسوسة في الكتاب والسنة ، فلم يجدوا لها أصلاً إلا فضول الحلال وفضول الحلال أن يرى العبد وقتاً غير وقته الذي هو فيه وهو الأمل . وقد روي عن حبيش عن ابن عباس رضي اللّه عنهما : ( أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يريق الماء فيتمسح بالتراب فقلت : يا رسول اللّه إن الماء منك لقريب . فقال : لا أدري لعلي لا أبلغه ) وقد قال أسامة : قرباننا إلى شهرين . إن أسامة لطويل الأمل . وسئل سهل : بم ترحل الدنيا من القلب؟ فقال : بقصر الأمل . فقيل : وما قصر الأمل؟ فقال : قطع الهموم بالمضمون ، والسكون إلى الضامن .

١٩

قوله تعالى : { إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً } [ ١٩ ] قال : يعني متقلباً في حركات الشهوات واتباع الهوى .

٢٠

{ إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً } [ ٢٠-٢١ ] قال : إذا افتقر حزن ، وإذا أثرى منع .

٢٢

{ إِلاَّ المصلين } [ ٢٢ ] أي العارفين بمقادير الأشياء ، فلا يكون لهم بغير اللّه فرح ، ولا إلى غيره سكون ، ولا من غيره فرح ، فراقه جزع كما قال : { والذين هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } [ المعارج : ٢٧ ] .

وقد حكي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( من خيار أمتي فيما نبأني الملأ الأعلى في الدرجات العلى قوم يضحكون جهراً من سعة رحمة ربهم ، ويبكون سراً من خوف شدة عذاب ربهم ، ويذكرون ربهم بالغداة والعشي في بيوته الطيبة ، ويدعونه بألسنتهم رغباً ورهباً ويسألونه بأيديهم خفضاً ورفعاً ، ويشتاقون إليه بقلوبهم عوداً وبدءاً ، مؤونتهم على الناس خفيفة وعلى أنفسهم ثقيلة ، يدبون على الأرض بأقدامهم دبيب النمل بغير فرح ولا بذخ ولا ميل ) ، الحديث بطوله .

٢٩

قوله تعالى : { والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } [ ٢٩ ] قال : باطن الآية جميع الجوارح الظاهرة والباطنة يحفظونها عن ظهور آثار نفس الطبع عليها .

٣٢

{ والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [ ٣٢ ] قال : باطنها أمانة النفس ، لأنها سر اللّه عند عباده ، يسارّهم بمعلومه فيها خواطراً وهمماً ، ويسارّونه بالافتقار واللجأ إليه ، فإذا سكن القلب إلى ما خطر عليه من وسوسة العبد وبأدنى شيء ظهر إلى الصدر ، ومن الصدر إلى الجسد ، فيكون قد خان في أمانة اللّه ، وعهده والإيمان .

٣٣

{ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ } [ ٣٣ ] قال : قائمون بحفظ ما شهدوا به من شهادة أن لا إله إلا اللّه ، فلا يقعدون عنها في شيء من الأفعال والأقوال والأحوال ولا يفترون .

واللّه سبحانه وتعالى أعلم .

﴿ ٠