سورة النصر

١

قوله تعالى : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّه } [ ١ ] قال : إذا جاء نصر اللّه لدينك والفتح لدينك .

٢

{ وَرَأَيْتَ الناس } [ ٢ ] وهم أهل اليمن .

{ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّه أَفْوَاجاً } [ ٢ ] زمراً ، القبيلة بأسرها ، والقوم بأجمعهم ، فانصر روحك على نفسك بالتهيؤ للآخرة لأنه منها ، فالنفس تريد الدنيا لأنها منها ، والروح تريد الآخرة لأنه منها ، فانصر على النفس وافتح له باب الآخرة بالتسبيح والاستغفار لأمتك . وكان يستغفر بعد ذلك ويسبح بالغداة مائة مرة ، وبالعشي مائة مرة ، واجتهدَ في العبادة ليلاً ونهاراً حتى تورمت قدماه ، واحمرت عيناه ، واصفرت وجنتاه ، وقلّ تبسمه ، وكثر بكاؤه وفكرته .

وقد حكي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال : لما نزلت هذه السورة واستبشر بها أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم بكى أبو بكر رضي اللّه عنه بكاء شديداً فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( ما يبكيك؟ قال : نعيت لك نفسك يا رسول اللّه . فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : صدقت ) ، ثم قال : ( اللّهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) ، وهذا تعليم لأمته بالدين والتسبيح . وقد قال الربيع بن خيثم رحمه اللّه تعالى : أقلوا الكلام إلا من تسع : سبحان اللّه ، والحمد للّه ، ولا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر ، وقراءة القرآن ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، ومسألة خير ، وتعوذ من شر .

٣

{ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } [ ٣ ] أي رجاعاً يقبل التوبة ، كلما تاب العبد إليه . واعلم أن إلهنا أكرم من أن يكون معك على نفسك ، فإنه قال : { إِنَّ اللّه يُحِبُّ التوابين } [ البقرة : ٢٢٢ ] فإن كنت عليها كان معها بالعفو ، وإن كنت معها على أمر اللّه ونهيه كان عليك ، فمن وافق أمر اللّه على هواه كان ناجياً ، ومن وافق هواه على أمر اللّه كان هالكاً ، وإنّ أمر اللّه تعالى مرّ وهوى النفس حلو ، فما مثالها إلا كالأطعمة اللذيذة قد يحصل فيها الصبر ، والدواء يشرب مع مرارته لما جعل فيه من المنافع . وكان بعض الصالحين يقول : واسوأتاه ، وإن عفوت . فمنهم من يحذر الرد ، ومنهم من يبكي خجلاً ، وإن عفي عنه . واللّه سبحانه وتعالى أعلم .

﴿ ٠